الهجمات الإسرائيلية في سوريا.. دفاع عن الدروز أم غطاء لهدف أكبر؟

بينما تعلن إسرائيل أن هجماتها الجوية المكثفة في سوريا تستهدف حماية أبناء الطائفة الدرزية، يذهب مراقبون إلى أن هذا التبرير ليس سوى غطاء سياسي لتحركات عسكرية أبعد بكثير من حدود «الامتنان» لمواطنيها الدروز.
إذ يتجاوز الأمر المعلن إلى ما يشبه محاولة فرض معادلة جديدة في جنوب سوريا، وربما أبعد من ذلك، إلى قلب العاصمة دمشق، ويُطرح تساؤلات حول هذا التوظيف السياسي للطائفة الدرزية وهل تؤسس لنفوذ داخلي في سوريا المستقبل؟ أم أن الهدف أبعد من ذلك، ويتعلق بإعادة ترسيم مناطق النفوذ تحت غطاء إنساني؟.
ورغم تكرار الزعم الإسرائيلي بالدفاع عن الأقليات، فإن اتساع نطاق الضربات الجوية ليشمل مناطق حيوية قرب القصر الرئاسي في دمشق، يشير إلى أن تل أبيب تسعى إلى أكثر من مجرد حماية مجموعة سكانية محددة، بل إلى تشكيل بيئة أمنية وسياسية جديدة في الجبهة الشمالية، مستفيدة من التحولات العميقة التي طرأت على موازين القوى في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
غارات تحت شعارات متبدلة
لطالما اعتادت إسرائيل على استخدام الغارات الجوية كجزء من أدوات سياستها في سوريا، وليس كعمليات عسكرية محصورة.
صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية كتبت بوضوح أن «إسرائيل استخدمت الغارات الجوية كسياسة في سوريا، بدءًا من استهداف قوافل الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حزب الله، مروراً بتركيز الضربات على التمركز الإيراني، وانتهاء اليوم باستهداف الحكومة السورية الجديدة».
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذه الضربات لم تكن بالضرورة مرتبطة بتهديد مباشر، بل إن الغارات استُخدمت «كبديل للسياسات»، مضيفة أن الحكومة السورية الجديدة، التي لم تُصدر تهديدات لإسرائيل، باتت هي الأخرى هدفًا مشروعًا ضمن هذه الاستراتيجية.
تصعيد ممنهج
ومنذ استلام الحكومة السورية الجديد مهامها نهاية العام الماضي، لم تتوقف إسرائيل عن تنفيذ عشرات الغارات الجوية، بذريعة استهداف ما تبقى من ترسانة النظام السابق أو «التهديد الإيراني». ولكن الخطاب الرسمي بدأ يتبدل تدريجيًا مع بداية العام، ليأخذ طابعًا إنسانيًا يركّز على «حماية الأقليات».
وفي 23 فبراير/شباط، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسة حكومته بشأن سوريا خلال خطابٍ في حفل تخرّج ضباط، معلنًا أن إسرائيل لن تسمح لأي وجود عسكري قرب حدودها، وتحديدًا من قبل الجيش السوري الجديد أو هيئة تحرير الشام، مشيرًا إلى أن «أي تهديد للدروز في جنوب سوريا» لن يكون مقبولًا.
نتنياهو لم يكتفِ بذلك، بل أعلن بشكل صريح بقاء الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في الجولان «لفترة غير محدودة»، وهو ما يُعد إعلانًا واضحًا بنوايا التدخل المستمر.
تبرير «حماية الدروز»
وتسارعت في الآونة الأخيرة الوتيرة العسكرية الإسرائيلية، تحت شعار حماية أبناء الطائفة الدرزية.
ورغم أن إسرائيل تراجعت عن قرارها بالسماح لمئات العمال الدروز السوريين بالدخول إلى أراضيها، فإنها كثّفت منسوب الخطاب «الدرزي» في كل مناسبة تتعلق بسوريا.
بلغت هذه السياسة ذروتها بعد تسجيل صوتي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي نُسب إلى رجل دين درزي قيل إنه أساء فيه إلى النبي.
وعلى الرغم من نفي صاحب العلاقة ووزارة الداخلية السورية صحة المقطع، فإن ذلك الحدث تحوّل إلى شرارة لتصعيد غير مسبوق، خاصة بعد اشتباكات شهدتها منطقة جرمانا ذات الكثافة الدرزية.
وبالتزامن، عقد الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، سلسلة من الاجتماعات والاتصالات مع المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك اجتماع أمني طارئ مع قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، طالب فيه بضمان «حقوق وكرامة» الدروز في سوريا.
قصف قرب القصر الرئاسي
وصباح الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي قصف أهداف قرب القصر الرئاسي في دمشق، في تطور لافت حمل رسالة سياسية واضحة.
وقال نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان مشترك إن هذه الضربة «رسالة للنظام السوري الجديد» مفادها أن أي تحرك نحو الجنوب أو تهديد للدروز سيُقابل برد صارم.
وتلقّى نتنياهو لاحقًا اتصالًا هاتفيًا من الشيخ طريف، الذي عبّر عن شكره لرئيس الوزراء على «توجيهاته بحماية أبناء الطائفة»، ما اعتُبر، داخل إسرائيل، تأييدًا ضمنيًا للتدخل العسكري.
لكن أصواتًا درزية أخرى داخل إسرائيل رفضت هذا النهج، حيث قال رفيق حلبي، رئيس مجلس دالية الكرمل والمتحدث باسم منتدى السلطات المحلية الدرزية، لإذاعة «كان»: «لا يُعقل أن نطالب بقصف سوريا. دروز سوريا مواطنون سوريون، وإذا كانت إسرائيل تريد التدخل، فلتفعل بصمت لأن التصريحات تُحرج الدروز».
موقف دروز سوريا
وفي السويداء، عقد وجهاء الطائفة الدرزية اجتماعًا أعلنوا فيه رفضهم التام لأي محاولة لتقسيم سوريا، مؤكدين على وحدة البلاد ورفض التدخل الخارجي مهما كانت ذرائعه.
لكن إسرائيل استمرت في التصعيد، وأعلنت، مساء الجمعة، تنفيذ غارات على موقع عسكري ومنظومات دفاع جوي في سوريا، بما يعكس إصرارها على تثبيت قواعد اشتباك جديدة في الجنوب السوري.
اختراق ناعم؟
وفي تطور لافت يحمل أبعادًا إنسانية وسياسية معًا، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استقبال 15 جريحًا درزيًا من سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، نُقلوا إلى مستشفى «زيف» في مدينة صفد للعلاج.
ورغم أن هذه الخطوة أُحيطت بخطاب إنساني، فإن توقيتها يشير إلى محاولة لاختراق المشهد السوري-الدرزي من بوابة المساعدات الإنسانية.
ويشكّل الدروز حوالي 3% من سكان سوريا، ويُقدر عددهم بحوالي نصف مليون نسمة يتمركزون أساسًا في محافظة السويداء وجنوب دمشق.
أما في إسرائيل، فيبلغ عددهم نحو 150 ألفًا، يخدم الكثير منهم في الجيش الإسرائيلي، ويشغل بعضهم مناصب رفيعة، بخلاف دروز الجولان الذين يرفض معظمهم الاعتراف بسيادة إسرائيل على أراضيهم.
الرفض العربي والدولي
في المقابل، توالت الإدانات العربية والدولية للهجمات الإسرائيلية. فقد أدانت الجامعة العربية الغارات على محيط القصر الرئاسي بدمشق، واعتبرتها «تصعيدًا خطيرًا وخرقًا لسيادة دولة عربية»، مطالبة مجلس الأمن بالتحرك لوقف هذه الاعتداءات.
أما المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، فدعا إلى «الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية»، مندّدًا بانتهاك سيادة سوريا من دون تفويض دولي.
لكن هذه الإدانات، ورغم تكرارها، لم تكن كافية لردع إسرائيل أو حتى إبطاء وتيرة ضرباتها.