"زلزال" إسرائيل الذي لم يتوقعه العالم الهولندي
بين عشية وضحاها، كانت شاشات التلفزيون تنقل "زلزالا" لم يتوقعه العالِم الهولندي فرانك هوغربيتس، في مدار تنبؤاته
في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت صافرات الإنذار تخترق الهدوء في الصباح الباكر في إسرائيل، وبدا مرة أخرى أن هناك صواريخ قادمة من قطاع غزة.
لكن سرعان ما أصبح من الواضح أن أمرا أكثر خطورة يجري الآن . هجوم متعدد الجبهات تشنه حركة حماس، برا وجوا وبحرا. في يوم كان كـ"الزلزال" الذي هزّ الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية في إسرائيل، التي ما زالت حائرة في فهم ما حصل.
يشرح رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، وكبير محللي الصحيفة يوسي ميلمان، كيف تضررت إسرائيل التي تفتخر بامتلاكها أفضل الاستخبارات في العالم، بشدة من هجوم مفاجئ غير مسبوق من قطاع غزة.
ويقول ألوف، إن الهجوم الذي شنته حركة حماس - والذي أودى بحياة 700 إسرائيلي - كان "مفاجأة تامة"، وأنه "لم تكن هناك معلومات استخباراتية تشير ولو من بعيد إلى أي شيء كهذا".
وعلى الرغم من وجود شعور بأن حماس وجماعات أخرى على عداء مع إسرائيل، تستغل انقساماتها الداخلية، فإن "أيا من التحذيرات لم يتضمن أي شيء مماثل لما حدث في صباح السبت".
وبالنسبة لرئيس تحرير "هآرتس"، فإن ما حدث "هو أسوأ ضربة لإسرائيل في أي حرب، منذ عام 1948، ومن أي هجمات داخل الدولة أو في الخارج".
ففي عام 1973، يقول ألوف، إن إسرائيل "أُخذت على حين غرة، ولكن القتال وقع بعيدا عن المدنيين. أما ما يحدث الآن فهو هجوم ضد المدنيين".
وأضاف "للمرة الأولى لدينا العشرات من أسرى الحرب العسكريين والمدنيين الذين تم احتجازهم رهائن في غزة. يحاول الناس يائسين معرفة ما حدث لأفراد أسرهم. إنه وضع محزن للغاية وغير مسبوق بالنسبة لنا جميعا".
أما ميلمان فيتناول "الفشل الفادح" للمخابرات الإسرائيلية. ويقول: "عندما تتحدث إلى الناس في مجتمع الاستخبارات، تجدهم في حيرة من أمرهم، ولا يعرفون ما حدث. ليس لديهم أي تفسير".
"من المؤكد أنه كان فشلا ذريعا، فقد تفاخرت إسرائيل بامتلاكها أفضل أجهزة استخباراتية في العالم، وفشلت الاستخبارات. بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، ما حدث يوم السبت، بعد مرور 50 عاما ويوم واحد على بدء حرب يوم الغفران، يذكرنا بحرب يوم الغفران. نفس الفشل"، يتابع ميلمان.
واستدرك: "لكنّ هناك فرقا كبيرا: قبل الحرب في عام 1973، كانت الاستخبارات موجودة. وكان لدى إسرائيل الكثير من المعلومات الاستخبارية ولكنها لم تكن تعرف كيف تقرأها أو لم ترغب في تحليلها بشكل صحيح. هذه المرة لم يكن هناك شيء ".
وقطاع غزة، بنظر كبير محللي "هآرتس"- منطقة كان من المفترض أن تراقبها إسرائيل عن كثب، وعبور المئات من المسلحين في صباح يوم العطلة أمر لا يمكن تصوره. "إنه فشل للمخابرات العسكرية، وفشل لجهاز الأمن الداخلي - الشاباك - فكلا المؤسستين لديهما الوسائل التكنولوجية للاستماع إلى الجانب الآخر، وتجنيد عملاء. إنها آلة ضخمة لجمع المعلومات الاستخبارية التي لم تعمل".
وبالنظر إلى المستقبل، يعتقد كل من بن وميلمان أن الجروح سوف تستغرق سنوات للشفاء.
يقول بن: "سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يدرك الجمهور ما حدث، ونحن نتحدث عن مئات العائلات الثكلى، ومئات عائلات الرهائن، لا يزال الأمر غير وارد. أسمع قصصا مروعة من أشخاص أعرفهم".
"العار"
وفي مقال له بالصحيفة نفسها، اتفق أوري بار جوزيف، مع ما سبق.
وكتب "خلافا لحرب 1973، كان فشل 2023 نظاميا، فقد ظهر في نقص المعلومات الاستخبارية، ورد الفعل العسكري غير الكافي، وغياب القيادة السياسية".
وقال: "مقارنة عار عام 2023 بحرب يوم الغفران عام 1973، أمر طبيعي. لقد تم بالفعل كتابة آلاف الكلمات حول هذا الموضوع، وسيكون هناك عدد لا يحصى من الكلمات الأخرى. ما زلنا نفتقر إلى المعلومات القوية والفهم الأساسي لما حدث يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولكن حتى الفهم الجزئي الذي لدينا يسمح بإجراء مقارنة أولية".
الفرق الأكثر وضوحا- بالنسبة لجوزيف، هو أنه "في عام 1973، لم يكن الفشل نظاميا. بل شخصيا، إذ تورط فيه عدد قليل من الأفراد الرئيسيين الذين أدت أخطاؤهم الجسيمة إلى جعل الخطوط الدفاعية التي أعدها الجيش غير فعالة في لحظة الحقيقة".
"لكن كارثة 2023 هي فشل منهجي على كافة المستويات، وليس فشلا ناجما عن أخطاء فردية، سواء من حيث جمع أو تقييم المعلومات الاستخبارية من قبل المخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام الشاباك".
وتابع جوزيف "بينما لا نملك التفاصيل الكاملة حتى الآن، فمن الواضح أن قدرات جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، والتي كانت قادرة على اكتشاف ذبابة صغيرة تطن بالقرب من أحد نشطاء حماس، فشلت في اكتشاف مثل هذه العملية واسعة النطاق".
"الكارثة"
ومع احتدام الحرب في جنوب إسرائيل، ووصول عدد القتلى إلى 700 وما زال العدد في ازدياد، حصل المسؤولون الإسرائيليون على معلومات حول ما لا يقل عن عشرات المواطنين الذين تم أسرهم واحتجازهم في غزة.
ومن بين الأسرى العشرات من المواطنين الأمريكيين، والعمال التايلانديين الذين يعملون في الحقول الزراعية في البلدات الحدودية مع غزة، بالإضافة إلى مواطنين من بريطانيا وألمانيا وروسيا.
وبحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، من بين الأسرى هناك ثلاثة هم: آدي كوبلون البالغ من العمر 34 عاما، وهو مواطن كندي، وليري إلباغ مراقب في الجيش الإسرائيلي في ناحال عوز، ويافا أدار، امرأة تبلغ من العمر 85 عاما تم تصويرها أثناء اقتيادها إلى قطاع غزة من قبل المسلحين.
وكتبت حفيدة يافا، أدفا أدار، تدوينة على حسابها في فيسبوك، وأرفقت معها صورة لجدتها المختطفة بجوار مسلحين. "هذه جدتي! لقد تم أسرها ونقلها إلى غزة. اسمها يافا أدار، عمرها 85 عاما".
وأضافت "جدتي، التي أسست الكيبوتس بيديها العاريتين، والتي آمنت بالصهيونية، وأحبت هذا البلد الذي تخلى عنها، تم اختطافها، وربما تم إلقاؤها في مكان ما، وهي تعاني من آلام شديدة، دون دواء، دون طعام وماء. خائفة حتى الموت، وحيدة".
وتابعت الحفيدة "لا أحد يتحدث إلينا، لا أحد يعرف شيئا. لقد حصلنا على المعلومات من خلال مقاطع الفيديو التي تم تداولها عبر الإنترنت. أريد أن تكون هذه الصورة محفورة في أذهان جميع أعضاء هذه الحكومة المشينة. دعهم يفهموا".
"ضربة معلم" لحلم "بعيد المنال"
صحيفة "يديعوت أحرونوت" اعتبرت أن عيد العرش يرمز للوحدة "ولكن في إسرائيل اليوم يبدو الأمر وكأنه حلم بعيد المنال".
وقالت "في إسرائيل، لا يوجد قادة حقيقيون. وبدلا من ذلك، هناك ساسة إما منتخبون أو يعينون أنفسهم، ولا يمتلك أي منهم الصفة الأساسية المطلوبة من القائد".
ولفتت إلى أنه بعد "كارثة السبت، اغتنم السياسيون في إسرائيل الفرصة لتعزيز موقفهم. ولم يعكس أي منهم ألما حقيقيا وموحدا في مواجهة يوم مرعب حدث في أقدس يوم وأكثره إجماعاً في المجتمع الإسرائيلي".
وبينما تتزايد أرقام الضحايا، و يبدأ غبار الهجوم في الانقشاع، تتكشف فداحة الرعب والضربة التي تلقاها أقوى جيش في الشرق الأوسط.. هذا ما جاء في مقال رأي نشرته الصحيفة ذاتها.
وأشارت الصحيفة في مقال الرأي إلى مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس حول هجومها القواعد العسكرية، ورأت أنه "من الواضح بالفعل أن جزءا كبيرا من الجنود قد قُتلوا أثناء نومهم، ولم يكن لدى بعضهم حتى الوقت لارتداء ملابسهم أو الاستيلاء على سلاح قبل قتلهم بوحشية. إنها ضربة معلم من حيث الحرب".
واستطردت "إذا كنا نسعى إلى صورة النصر في كل جولة في السنوات الأخيرة، فإن حماس للأسف لديها ما يكفي لألبوم بعد السبت".
"على نتنياهو وأتباعه أن يرحلوا"
وفي رأي آخر على "يديعوت أحرونوت" كتبت " لقد خذلت الحكومة إسرائيل في كل شيء، وفقدت ثقة الجمهور، وهي ثقة ضرورية للفوز بالحرب، في حين يجب ألا يصبح القتال درعا سياسيا لنتنياهو لعهده وعهد وزيره الكارثي.
ورأى المقال أن "هجوم السبت المفاجئ هو نتيجة لقائمة أولويات كارثية ومنحرفة لهذه الحكومة التي ركزت منذ تأسيسها في يناير (كانون الثاني) الماضي بشكل شبه كامل على تشريعاتها القضائية الضارة وغير الضرورية واستسلمت للسلطة ولأعضائها المتشددين".
وأضاف "لم يكن لدى الحكومة ورئيس وزرائها الوقت أو الإرادة أو الاهتمام بالتعامل مع اقتصاد إسرائيل أو مشاكلها الاجتماعية أو التعليم أو الصحة أو الأمن".