التهجير من غزة إلى سيناء.. وثائق بريطانية تكشف مخططا إسرائيليا في السبعينيات
"التهجير" مصطلح يفرض نفسه منذ بداية حرب غزة، يظهر في بيانات المباحثات الثنائية والجماعية، ويطغى على الخطاب السياسي المصري.
وترفض مصر احتمالية تصفية القضية الفلسطينية على حسابها، وتهجير سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، منذ أن بدأت إسرائيل تحث السكان على ترك شمال القطاع، والاتجاه جنوبا، تمهيدا لغزو بري.
لكن الخطاب السياسي المصري تلقى دعما غير متوقع، يعود إلى ما قبل 50 عاما، حيث تكشف وثائق بريطانية نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مقتطفات منها، أن إسرائيل وضعت خطة سرية قبل 52 عاما لترحيل الآلاف من فلسطينيي غزة إلى شمال سيناء.
ما القصة؟
بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية وسيناء المصرية، في حرب يونيو/حزيران 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل. وباتت مخيمات اللاجئين مكتظة بالمقاومة.
ومن المخيمات انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات الإسرائيلية والمتعاونين معها سواء داخل غزة أو خارجها.
الوثائق البريطانية تشير إلى أنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان في القطاع 200 ألف لاجئ من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليون الفلسطينيون.
وعن الحياة في القطاع في ذلك الوقت، ذكرت الوثائق أن القطاع لم يكن قابلا للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التي تسببت في أعداد متزايدة من الضحايا.
خطة التهجير
وخلال الفترة بين عامي 1968 و1971، وفق الوثائق، قُتل 240 فلسطينيا وأصيب 878 آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من الجيش الإسرائيلي في غزة.
فيما رصدت السفارة البريطانية في تل أبيب، تحركات إسرائيلية، لتهجير آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة إلى العريش التي تقع شمالي شبه جزيرة سيناء، وتبعد قرابة 54 كيلومترا عن حدود غزة مع مصر.
وحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخرى، في محاولة لتخفيف حدة العمليات الفدائية والمشكلات الأمنية التي تواجه إسرائيل في القطاع، وفق "بي بي سي".
لكن الجامعة العربية أعلنت في حينه إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وقررت "تبني إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة في القطاع".
وفي سبتمبر/أيلول عام 1971، أبلغت الحكومة الإسرائيلية، البريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.
وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، المستشار السياسي للسفارة البريطانية في تل أبيب بأنه "حان الوقت لإسرائيل كي تفعل أكثر في قطاع غزة وأقل في الضفة الغربية".
بيريز قال ردا على سؤال عما إذا كان "سيتم (وفق السياسة الجديدة) نقل الكثير من الناس (من القطاع)، قائلا إنه "سيتم إعادة توطين حوالي ثلث سكان المخيمات في أماكن أخرى في القطاع أو خارجه".
وأكد أن إسرائيل تعتقد بأن "هناك حاجة ربما إلى خفض إجمالي عدد السكان بحوالي 100 ألف شخص".
وأبلغ بيريز الدبلوماسي البريطاني بأن "معظم المتأثرين، هم في الواقع، راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنا بديلا أفضل مع تعويض عندما تُزال أكواخهم، أو يقبلون شققا عالية الجودة بناها المصريون في العريش، حيث يمكن أن يكون لديهم إقامة شبه دائمة".
وتابع "استخدام المساكن الخالية في العريش قرار عملي تماما".
وفي تقييم منفصل، قال إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني لدى إسرائيل، إن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات قطاع غزة "يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية".
وتابع أن تلك السياسة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية، غير أنه قال إن "الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم"، بالنسبة لإسرائيل، حسب الوثائق التي نشرتها "بي بي سي".