الدراما العربية وتوجهاتها إزاء إسرائيل جزء من السياسة والتاريخ، ولا يمكن أن تنفصل عنها تحت مسمى أنه عمل فني فقط.
حين تكتب الأعمال الدرامية برؤية سياسية ومن خلال اقترابات محددة، فمن المتوقع أن يخرج العمل الدرامي عن دوره ليدخل في إطار آخر من الحسابات التي يجب أن تقيم بصورة ومنظور آخر؛ حيث تستبق الرؤية السياسية الرؤية الدرامية، وهو ما جرى في متابعة بعض الأعمال الدرامية التي تذاع الآن على عدد من الشاشات العربية، وتناولت الأوضاع العربية الإسرائيلية، والعلاقات مع الجانب الإسرائيلي، وحياة اليهود ومستقبل إسرائيل في المنطقة، وعلاقاتها ببعض الدول بما فيها الدول التي عقدت اتفاقيات سلام معها مثل مصر والأردن.
وجاء الرد الإسرائيلي مبكراً على ما قدم في مسلسل "النهاية"، وأصدرت بياناً رسمياً من وزارة خارجيتها؛ احتجاجاً على تناولها في المسلسل الذي يعرض في الوقت الراهن، ولعلنا نتذكر أنه عندما أنتجت السينما العربية في الماضي أعمالاً فنية من مسلسلات وأفلام تحدثت عن بطولات أجهزتها الأمنية والاستخباراتية لم ترد وقتها على ما قدم إلا في حالات قليلة، وفي وقائع محدودة، مثلما جرى في مسلسل رأفت الهجان، وأشرف مروان؛ خاصة أن ضغوطات كبيرة مورست على قيادات الموساد من الداخل الإسرائيلي، للرد على ما جاء في بعض الوقائع تحديداً.
ونظراً لاعتبارات تطول فلسفة أجهزة المعلومات الإسرائيلية ظل الموساد صامتاً طوال سنوات طويلة اعتماداً على استراتيجية التكتم والضبابية وعدم الرد، إلا أن هذا الموقف تغير تماماً مؤخراً حيث سعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية (مجمع المخابرات موساد لي) والموساد على وجه الخصوص لتمجيد دوره في الحياة السياسية الإسرائيلية من خلال سلسلة أفلام حملت اسمه، إضافة لبعض المسلسلات التي شرحت دوره التاريخي في المواجهة، واختراق الجانب العربي، وهو ما عبر عنه مسلسل الموساد مؤخراً، الذي عرض على شبكة نتفليكس.
ومن ثم، ورداً على الموقف الإسرائيلي، دخلت الساحة العربية بكل ثقلها وإمكانياتها الكبيرة وخبراتها المتراكمة لعرض مزيد من الأعمال الدرامية الموجهة، بصرف النظر عن انتقادنا لما جاء في بعضها من بعض الوقائع السياسية، والرسالة التي ترسلها الدراما العربية في الوقت الراهن أننا قادرون على مجابهة إسرائيل على نفس الأرضية، وهو ما قد يغير من بعض القناعات المطروحة لدى البعض، التي ترى أن أي تعامل مع التطورات السياسية في الإقليم يجب أن ينطلق من معطيات ثابتة وحقيقية ومواجهة من نوع آخر، خاصة التعامل السيكولوجي مع الشعوب العربية، وهذا ما فعلته من قبل الأعمال السينمائية العربية الشهيرة لأعمال درامية عاشت في وجدان المواطن العربي.
الروايات الحقيقية للصراع العربي الإسرائيلي معلومة للجميع صغارا وكبارا ولا يوجد للحقيقة سوى وجه آخر بصرف النظر عن الخرافات الإسرائيلية.
وفي المقابل، وبصرف النظر عن مهاجمتنا بعض الأعمال الفنية الإسرائيلية، فإن اللافت كان يتمثل في كم الأخطاء السياسية والتاريخية في بعض الأعمال، ومنها فيلم الملاك الذي يروي قصة أشرف مروان وفيلم الموساد، وما زال هناك تباين كبير في الرؤى العربية الإسرائيلية بشأن بعض رموز الجاسوسية، والمعنى هنا أنه لا يتفق على عمل درامي محدد ذي خلفية سياسية؛ خاصة أن أغلب شركات الإنتاج الكبرى لها علاقات بصورة أو بأخرى بأجهزة المعلومات الكبرى، التي تتعامل معها من خلال سواتر إعلامية وسياسية، وقد برعت إسرائيل في توظيف أدواتها في هذا الإطار الأمني عبر دس بعض المعلومات المضللة على أكثر من مستوى في العديد من الأعمال الفنية خاصة المتعلقة بالهولوكوست واللاجئين وأرض الميعاد وبناء الهيكل وشعب الله المختار والدولة اليهودية النقية، التي لا وجود فيها للأغيار وغيرها من موضوعات سياسية، لإحداث مزيد من تكريس الفكرة اليهودية وعودة أورشليم الكبرى.
في هذا السياق علينا أن نتفهم كيف ترى إسرائيل واقعها الجديد في المنطقة، وكيف توظف أدواتها على مواقع السوشيال ميديا لنقل رسالتها عبر مندوبيها في الجيش والموساد، وعلى مواقع البحث العلمي ومراكز البحوث التي تقوم بدور كبير في هذا المجال من خلال بعض الجنرالات السابقين للتفاعل مع الدراما العربية المقدمة، ولهذا ليس بمستغرب أن ينبري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أدرعي ليهاجم من انتقد مسلسل أم هارون، ووصفهم بأصحاب نظرية المؤامرة وبالعنصرية، ورغم أن العمل في بداياته، فإن الميديا الإسرائيلية تريد أن تزج باسمها في أحداثه بصورة غير مباشرة؛ خاصة أن بعض الأقلام بدأت في توجيه بعض التحفظات للمسلسل، الذي يبقى مجرد مسلسل جاء في توقيت مهم، ومن خلال نخبة متميزة من الفنانين العرب المشاركين في تفاصيله، وأغلبهم من المشاهير عربياً.
ولعلي أشير هنا إلى أن الروايات الحقيقية للصراع العربي الإسرائيلي معلومة للجميع صغاراً وكباراً ولا يوجد للحقيقة سوى وجه آخر، بصرف النظر عن الخرافات الإسرائيلية، وأتذكر هنا وأنا أعبر الحدود الفلسطينية الإسرائيلية منذ سنوات أن سألت مرافقي الأردني عن امتدادات جبال القدس أين تنتهي، فإذا به يقف بعد عدة كيلومترات ليشير لي بفخر أن هذه الأراضي تقع ضمن وقف جده الأكبر، وأن معه مفاتيح بعض هذه الديار التي يحتفظ بها لأنه ببساطة سيعود يوماً إليها هو وأبناؤه وأحفاده عندما تتغير الأوضاع الراهنة.
تبقى الإشارة مؤخراً إلى أن التطبيع الثقافي والفني مع الجانب الآخر ما زال مستبعداً إلى حين تخرج إسرائيل من الأراضي العربية، ووقتها يمكن الحديث عن إمكانية السلام، وإقامة علاقات دبلوماسية وفقاً لطرح المبادرة العربية، التي ستبقى المشروع العربي الممتد تجاه حكومة إسرائيل. ولتبقى الدراما العربية وتوجهاتها إزاء إسرائيل جزءاً من السياسة والتاريخ، ولا يمكن أن تنفصل عنها تحت مسمى أنه عمل فني فقط. هل وصلت الرسالة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة