إقالة غالانت.. أكبر من «أزمة ثقة»
لطالما عارضت واشنطن إقالة يوآف غالانت من وزارة الدفاع الإسرائيلية، ولذلك لا يبدو مستغربا القيام بالخطوة في يوم الانتخابات الأمريكية.
ومساء الثلاثاء، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعديلات وزارية شملت إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، وتعيين يسرائيل كاتس بالمنصب.
ومما تقدم، يبدو أن نتنياهو وصل إلى قناعة باستحالة زحزحة غالانت عن موقفه المعارض لاستثناء المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية.
وما زاد الطين بلة هو قراره استدعاء 7000 يهودي متدين للخدمة العسكرية في ذروة ضغوط شركاء نتنياهو من الأحزاب الدينية لتمرير قانون استثناء المتدينين من الخدمة العسكرية وتلويحهم بعدم التصويت لصالح قوانين الحكومة.
أضف إلى ذلك تأييد غالانت لصفقة الرهائن في غزة التي يعارضها نتنياهو الذي وجه مقربوه الاتهام إلى الجيش بافتعال فضيحة تسريب وثائق يحيى السنوار، زعيم حركة حماس المقتول، والتي يحقق فيها جهاز الأمن العام "الشاباك" مع أحد العاملين في مكتب نتنياهو.
وقال مصدر مقرب من نتنياهو لهيئة البث الإسرائيلية إن "رئيس الوزراء التقى غالانت وسلمه الرسالة قبل وقت قصير من نشر الإعلان" عن الإقالة.
والإقالة هي الثانية لغالانت بعد قرار نتنياهو إقالته في شهر مارس/آذار 2023، ولكن هذه المرة بدون رجعة حيث تراجع في المرة السابقة تحت وطأة التحركات في الشارع ضد الإقالة.
سياق
ولطالما عرضت واشنطن القرار، حيث أبلغت نتنياهو في الأشهر الأخيرة أنها تعارض مسعاه لإقالة غالانت من منصبه سيما في ظل استمرار الحرب على غزة وعلى جنوب لبنان والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.
وطلبت واشنطن من نتنياهو، في الغرف المغلقة، وأيضا عبر تسريبات على لسان مسؤولين أمريكيين، التراجع عن موقفه بإقالة غالانت.
وجاء قرار نتنياهو في ذروة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بيوم الانتخابات الرئاسية، وهو ما لن يمكن واشنطن من التدخل لوقف القرار.
كما أن القرار جاء قبيل تصويت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) على قانون إعفاء متدينين يهود من التجنيد، وهو ما عارضه غالانت بشدة.
وكان من شأن غالانت التصويت ضد القانون إسقاطه، ولكن انضمام زعيم حزب "اليمين الموحد" جدعون ساعر سيضمن لنتنياهو تمرير القانون من خلال ساعر و3 من أعضاء حزبه بالكنيست.
وسيكون من شأن تمرير القانون ضمان تصويت الأحزاب الدينية الإسرائيلية إلى جانب قوانين الحكومة وعلى رأسها الميزانية العامة.
«حدث مجنون»
وقالت المعلقة في القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية دافنا ليئيل: "حدث مجنون تماما - إقالة وزير دفاع وسط حرب على 7 جبهات، ربما عشية هجوم إيراني، من أجل حل أزمة سياسية كان الوزير نفسه يحاول القيام بعمله القتال لتجنيد جنود متدينين لملء الرتب".
وكشفت عن صفقة تقف خلف الإقالة بين نتنياهو وساعر، وقالت: "صفقة التجنيد بين ساعر ونتنياهو".
وأضافت: "الصفقة هي: سيتم إقالة غالانت على الفور، وسيتم تعيين يسرائيل كاتس وزيرا للدفاع، جدعون ساعر - وزير الخارجية".
ولم يكن لقرار نتنياهو أي علاقة بالأمن وفقا للمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني إسرائيلي كبير قوله: "رئيس الوزراء اختار السياسة بدلاً من الأمن القومي".
«أزمة ثقة»
من ناحيته، قال نتنياهو في كلمة مسجلة: "على الرغم من أنه في الأشهر الأولى من الحرب كانت هناك مثل هذه الثقة وكان هناك عمل مثمر للغاية، إلا أن هذه الثقة قد انكسرت في الأشهر الأخيرة بيني وبين وزير الدفاع".
وأضاف: "ظهرت فجوات كبيرة بيني وبين غالانت في إدارة الحرب، ورافقت هذه الثغرات تصريحات وإجراءات مخالفة لقرارات الحكومة ومجلس الوزراء".
وتابع: "لقد بذلت العديد من المحاولات لسد هذه الفجوات، لكنها استمرت في الاتساع. كما أنها لفتت انتباه الجمهور بطريقة غير مقبولة، والأسوأ من ذلك، أنها لفتت انتباه العدو – أعداؤنا كانوا سعداء بها واستفادوا منها كثيرا".
وبحسب نتنياهو: "لكن أزمة الثقة التي نشأت بيني وبين وزير الدفاع أصبحت معروفة للجمهور، وهذه الأزمة لا تسمح بالاستمرار السليم لإدارة الحرب، أنا لا أقول هذا فحسب، بل إن معظم أعضاء الحكومة ومعظم أعضاء المجلس الوزاري، جميعهم تقريبا يشتركون في هذا الشعور بأن هذا لا يمكن أن يستمر".
وبشأن تعيين كاتس وزيرا للدفاع، قال نتنياهو: "لقد أثبت يسرائيل كاتس بالفعل قدراته ومساهمته في الأمن القومي كوزير للخارجية ووزير المالية ووزير الاستخبارات لمدة خمس سنوات، وليس أقل أهمية، كعضو في مجلس الوزراء للأمن السياسي لسنوات عديدة، يجلب معه مزيجا رائعا من الخبرة الغنية والقدرة على التنفيذ".
واعتبر أنه "يعرف بأنه جرافة مع مزيج من المسؤولية والحزم، الحزم الهادئ، وكلها مهمة جدا لإجراء الحملة ".
وسيحل جدعون ساعر محل كاتس كوزير للخارجية، وسيدخل حزبه إلى الائتلاف.
وأضاف نتنياهو: "جدعون ساعر يجلب معه خبرة واسعة وحكم في مجالات السياسة والأمن، وسيكون تعزيزا كبيرا لفريق قيادتنا، انضمام سيضيف إلى استقرار الائتلاف واستقرار الحكومة، وهما أمران مهمان جدا في جميع الأوقات، خاصة خلال الحرب".
ترحيب وغضب
لم يكن مستغربا أن ترحب أحزاب الحكومة التي طالبت نتنياهو بإقالة غالانت بالقرار بشدة.
وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "أهنئ رئيس الوزراء على قرار إقالة غالانت. مع غالانت، الذي لا يزال غارقاً، لا يمكن تحقيق النصر المطلق – وقد أحسن رئيس الوزراء في إزاحته من منصبه".
لكن المعارضة الإسرائيلية هاجمت قرار نتنياهو ودعت الإسرائيليين للخروج إلى الشوارع من أجل الاحتجاج.
وقال زعيم حزب "الديمقراطيون" والنائب الأسبق لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي يائير غولان: "أدعو جميع رؤساء الجامعات وجميع رؤساء الكليات إلى تعليق الدراسة. أدعو جميع رؤساء الاقتصاد إلى التوقف عن العمل. أناشد جميع رؤساء الأجهزة الأمنية أن يرفعوا صرخة، حتى الآن وأنتم ترتدون الزي العسكري".
وأضاف عبر منصة "إكس": "إنني أدعو جميع مواطني إسرائيل إلى النزول إلى الشوارع. نتنياهو يدمر إسرائيل ونحن وحدنا من يستطيع إنقاذها".
أما زعيم المعارضة يائير لابيد فقال عبر منصة "إكس": "إن طرد غالانت في منتصف الحرب هو عمل جنوني. نتنياهو يبيع أمن إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي مقابل بقاء سياسي مشين. الحكومة اليمينية المتطرفة تفضل المراوغين على من يخدمون الدولة".
بدوره، اعتبر وزير الدفاع الأسبق وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" افيغدور ليبرمان ما يجري بأنه "جمهورية الموز".
وقال عبر منصة "إكس": "بدلا من الاهتمام بأمن البلاد أولاً ووضع مصلحة المواطنين والجنود أولاً، قرر رئيس الوزراء إقالة وزير الدفاع وبدء جولة جديدة من التعيينات أثناء القتال، وكل هذا لتلبية احتياجات سياسية مخزية".
وأضاف: "إذا كان من الممكن استبدال وزير دفاع في خضم الحرب، فمن الممكن أيضًا استبدال رئيس وزراء فشل في واجباته وأهمل أمن البلاد، وبالتأكيد إنشاء لجنة تحقيق حكومية".
من جانبه، قال وزير الدفاع السابق وزعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس، عبر منصة "إكس": "السياسة على حساب الأمن القومي".
وبدأ متظاهرون بالتجمهر في تل أبيب والقدس الغربية للاحتجاج على قرار إقالة غالانت.
وتظاهر مئات الإسرائيليين في تل أبيب احتجاجا على إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، وفق ما أفاد مراسل فرانس برس.
وتجمّع المتظاهرون الذين هتفوا بشعارات مناهضة للحكومة ونتنياهو بعد وقت قصير على إعلان إقالة غالانت.