إسرائيل بمرمى قضاء بريطانيا.. مذكرة الـ800 «تحاصر» تل أبيب

على طريق التوتر الدبلوماسي الصاعد بين لندن وتل أبيب والذي بلغ مستوى غير مسبوق، تحولت قاعات القضاء البريطاني إلى «جبهة جديدة» لمحاسبة إسرائيل.
فبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن أكثر من 800 من نخبة القضاة والمحامين في المملكة المتحدة، بينهم أعمدة سابقة في المحكمة العليا، لم يكتفوا بالتلميح أو النصيحة للحكومة البريطانية، بل أطلقوا إنذارا قانونيًا مدويا: إما أن تتحرك الحكومة البريطانية لوقف الجرائم في غزة، أو تُصبح شريكًا صامتًا في جريمة إفلات إسرائيل من العقاب.
ماذا تضمنت تلك الرسالة؟
قال أكثر من 800 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ كبير متقاعد، بمن فيهم قضاة سابقون في المحكمة العليا، إن المملكة المتحدة يجب أن تفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية ووزرائها، وأن تفكر أيضًا في تعليق عضويتها في الأمم المتحدة للوفاء «بالتزاماتها القانونية الدولية الأساسية».
وفي رسالة إلى رئيس الوزراء، رحّبوا بالبيان المشترك الذي أصدره كير ستارمر الأسبوع الماضي مع زعيمي فرنسا وكندا، والذي حذّر فيه من استعدادهم لاتخاذ «إجراءات ملموسة» ضد إسرائيل. لكنهم حثّوه على التحرّك فورًا، إذ «يتطلب الأمر اتخاذ إجراء عاجل وحاسم لتجنّب تدمير الشعب الفلسطيني في غزة».
ويقول الموقعون، ومن بينهم قاضيا المحكمة العليا السابقان اللورد سامبشن واللورد ويلسون، وقضاة محكمة الاستئناف وأكثر من 70 من قضاة المحكمة العليا، إن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي تُرتكب في فلسطين.
وجاء في الرسالة أن هناك أدلة متزايدة على ارتكاب إبادة جماعية، أو على الأقل هناك خطر جدي من حدوثها، مسلطة الضوء على التعليقات الأخيرة التي أدلى بها وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، الذي قال إن الجيش الإسرائيلي سوف «يمحو» ما تبقى من غزة الفلسطينية.
ويقول الموقعون لستارمر: «جميع الدول، بما فيها المملكة المتحدة، مُلزمة قانونًا باتخاذ جميع الخطوات المعقولة في حدود سلطتها لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها؛ وضمان احترام القانون الإنساني الدولي؛ ووضع حد لانتهاكات [الحق في تقرير المصير]. لقد فشلت إجراءات المملكة المتحدة حتى الآن في الوفاء بهذه المعايير.. إن فشل المجتمع الدولي في احترام القانون الدولي فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة يُسهم في تدهور مناخ دولي من انعدام القانون والإفلات من العقاب، ويُعرّض النظام القانوني الدولي نفسه للخطر. يجب على حكومتكم التحرك الآن، قبل فوات الأوان».
وأعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الأسبوع الماضي تعليق المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة الجديدة مع إسرائيل، لكن الرسالة المكونة من صفحتين، المدعومة بمذكرة قانونية من 35 صفحة، تقول إنه يجب عليه أن يذهب إلى أبعد من ذلك، وبسرعة أكبر، من خلال مراجعة العلاقات التجارية القائمة، وتعليق خارطة الطريق لعام 2030 للشراكة الوثيقة بين المملكة المتحدة وإسرائيل، وفرض عقوبات تجارية.
عقوبات فورية
ويدعوه الخبراء القانونيون إلى فرض عقوبات فورية على وزراء إسرائيليين أو مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي، متهمين إياهم بالتحريض على الإبادة الجماعية أو دعم ورعاية المستوطنات غير القانونية.
ويشيرون إلى أن العقوبات المالية وحظر السفر اقتصرا حتى الآن على المستوطنين الأفراد والبؤر الاستيطانية والمنظمات الاستيطانية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال في وقت سابق: «إن تهمة الإبادة الجماعية الموجهة إلى إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها فظيعة، ويجب على الناس الشرفاء في كل مكان رفضها».
وتقول الرسالة، التي وقع عليها أيضا قضاة محكمة الاستئناف السابقون السير ستيفن سيدلي والسير أنتوني هوبر والسير آلان موزس، وهو رئيس سابق لنقابة المحامين في إنجلترا وويلز (ماتياس كيلي) ونقابة المحامين في إيرلندا الشمالية (بريان في)، إن إسرائيل مسؤولة عن «هجوم لا مثيل له على الأمم المتحدة».
ويُشير التقرير إلى منع إسرائيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تعتبرها «العمود الفقري للمساعدات» للشعب الفلسطيني، من العمل في الأراضي المحتلة، و«الاعتداءات على منشآت الأمم المتحدة وممتلكاتها وموظفيها».
وبناء على ذلك، يقول الموقعون على الرسالة إن المملكة المتحدة، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ينبغي لها أن تفكر في الشروع في إجراءات تتيح تعليق عضوية دولة عضو.
وقف النار
وقال البروفيسور جاي جودوين-جيل، أحد الموقعين والزميل الفخري في كلية أول سولز بجامعة أكسفورد: «حان الوقت الآن للمملكة المتحدة لإظهار التزامها بسيادة القانون وبمستقبل يُمكّن الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية. يجب أن يكون الجميع متحررين من الاضطهاد، والتهجير، والتطهير العرقي، والدمار والموت الذي يُلحق بهم عمدًا في منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم، وفي مزارعهم وقراهم. لا ينبغي لأحد أن يكون لاجئًا في أرضه أبدًا».
وقُتل أكثر من 53 ألف فلسطيني جراء الهجوم الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما أودى هجوم لحماس على جنوب إسرائيل بحياة 1200 شخص. وأسفرت غارة إسرائيلية صباح الإثنين على مدرسة حُوّلت إلى ملجأ، بينما كان الناس نائمين بداخلها، عن مقتل 36 شخصًا، وفقًا لمسؤولي الصحة.
ويوم الإثنين أيضا، انضمت ألمانيا، أحد أقوى حلفاء إسرائيل، إلى الإدانة الدولية، حيث قال المستشار فريدريش ميرتس إن الضرر الذي يلحق بالمدنيين «لم يعد من الممكن تبريره باعتباره قتالا ضد إرهاب حماس».
وللوفاء بالتزاماتها القانونية، حثّت الرسالة المملكة المتحدة على ضمان وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، واستئناف المساعدات، ورفع الحظر الإسرائيلي على الأونروا.
وأخيرًا، تنص الرسالة على ضرورة تأكيد المملكة المتحدة على أنها ستنفذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.
وتزيد الرسالة من الضغوط على ستارمر للتحرك في نفس الأسبوع الذي من المقرر أن يلقي فيه المدعي العام، اللورد هيرمر كيه سي، المحاضرة الأمنية السنوية التي ينظمها مركز أبحاث المعهد الملكي للخدمات المتحدة حول «حالة النظام الدولي القائم على القواعد».
وقال العديد من النواب الخلفيين من حزب العمال والمحافظين بالفعل إن تعليق المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة ليس كافيا.
وأشارت رسالة سابقة من أعضاء المجتمع القانوني البريطاني، أُرسلت العام الماضي، إلى أن المملكة المتحدة تنتهك القانون الدولي باستمرارها في تسليح إسرائيل. ولم تتطرق الرسالة الأخيرة إلى مبيعات الأسلحة، لأن القضية تنتظر حكم المحكمة العليا في لندن بعد طعن قانوني.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY1IA== جزيرة ام اند امز