إسرائيل في غزة.. النصر «صعب» و«استرتيجية أكتوبر» بحاجة لتحديث
شبه قناعة تتملك خبراء إسرائيليين بأن تحقيق «النصر الكامل» في غزة بات صعب المنال معتبرين أن استراتيجية الحرب بحاجة إلى «تحديث».
ويرى هؤلاء الخبراء أن إسرائيل لم تعرف في تاريخها مثل هذه الفترة المعقدة المليئة بالتحديات في مجموعة متنوعة من الساحات الموازية.
ويعتبرون أن الحرب مع حماس لها سياق أوسع واعتبارات ستجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق الإنجازات المرجوة في نهاية النزاع.
ويرجح هؤلاء الخبراء أن استمرار الاعتماد على العمليات العسكرية البرية واسعة النطاق قد لا يكون مجديًا، وأن هناك حاجة إلى اتباع نهج أكثر شمولاً يجمع بين الحلول العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
«لا نصر كاملا»
يقول الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل، عاموس يادلين، إنه "فيما يتعلق بالحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، فإن نهج النصر المطلق لم يعد ذا صلة".
وأضاف يادلين، في ندوة لقناة 12 الإسرائيلية، أن "أهداف الحرب التي تم تحديدها في أكتوبر/تشرين الأول (الماضي) بعيدة عن التحقيق، والحرب التي امتدت إلى الشمال وإيران تتطلب تحديث الأهداف".
ورأى يادلين أن "الاستراتيجية التي تم وضعها في أكتوبر تقودنا إلى نصر جزئي في الحرب وليس إلى النصر الكامل".
وتابع موضحًا: "لذلك، من الصحيح تحديث الاستراتيجية وتحديد الأهداف في ضوء ساحة الحرب المتغيرة، وفهم حدود القوة بطريقة تسمح بتعزيز القوة الإسرائيلية ضد حماس وضد التحديات طويلة المدى على الساحة الإقليمية والدولية".
أولويات فورية
أشار يادلين في هذا السياق إلى أن "الشيء الأول والفوري الذي يجب فعله هو جعل هدف عودة المختطفين هدفًا رئيسيًا. وهذا التزام أخلاقي أسمى، وتحقيقه سيساهم أيضًا في تعزيز القوة الوطنية".
وقال: "وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تعمل على ردع إيران عن اتخاذ إجراءات مباشرة ضدها، ومنع انتهاك قدراتها النووية العسكرية، من خلال تحالف إقليمي ودولي بقيادة الولايات المتحدة".
وأضاف يادلين: "بالإضافة إلى ذلك، الاستمرار في السعي إلى تفكيك القدرات العسكرية والتنظيمية والحكومية لحماس وتجريد قطاع غزة من السلاح - ولكن يجب أن يتم ذلك في نفس الوقت الذي يتم فيه الترويج لبديل لحكمها".
واعتبر أن "هدف النصر الحالي هو أن حماس لا تستطيع تنفيذ هجوم على طريقة 7 أكتوبر، وعودة جميع المختطفين وعودة السكان الإسرائيليين إلى الجنوب والشمال".
وقال: "في القطاع الشمالي، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية، فستضطر إسرائيل إلى حشد الدعم الأمريكي للعمل العسكري ضد حزب الله".
ووفق الخبير، فإنه "يجب علينا المضي قدمًا لإنهاء الحرب بميزة استراتيجية، مع ضمان حرية إسرائيل في العمل ضد جهود تعزيز حماس في المستقبل، وتعزيز التطبيع مع المعسكر السني المعتدل، وتحسين موقف إسرائيل في المنطقة".
داخليا
أما داخليًا في إسرائيل، فيشير يادلين إلى أنه: أولاً، هناك حاجة إلى قيادة تعرف كيف تؤدي إلى دمج الانقسامات في المجتمع والشعب وإرساء الديمقراطية واستقلال دولة القانون والمحاكم.
وقال: "على هذا الأساس، سيكون مطلوبًا من إسرائيل إنهاء الأزمة السياسية، وتشكيل حكومة تنال ثقة الشعب وتجدد عمل وحوكمة الحكومة وآليات الدولة، وتعود إلى سيادة حكم القانون".
وأضاف: "ولن نتمكن من تصحيح الإخفاقات دون التحقيق فيها في الهيئة الوحيدة القادرة على القيام بذلك: لجنة تحقيق رسمية".
وتابع: "أنا خريج حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، التي كانت صعبة وعالية الخسائر البشرية وأدت إلى أزمة عميقة للغاية في كل المجالات في إسرائيل: العسكرية والاقتصادية والمفاهيمية والسياسية".
وقال: "لقد وجدت إسرائيل 1974 قوة العقل والقيادة وآليات التحقيق لإخراج إسرائيل من الأزمة، وبعد أربع سنوات من تلك الحرب الرهيبة، هبطت طائرة الرئيس (المصري أنور) السادات في إسرائيل وجاء ليقول: "لا مزيد من الحرب، لا مزيد من سفك الدماء".
وأضاف: "أتمنى أن يتم العثور على "السادات الفلسطيني" وأن يقف أمامه مناحيم بيغن، ابن القرن الحادي والعشرين، وربما تكون حرب السيوف الحديدية (اسم العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة) بداية الطريق لتسوية الصراع التاريخي مع الفلسطينيين".
تحديات
من جهته، يعتبر الدكتور أفنير غولوف، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن إسرائيل تواجه في عامها السادس والسبعين للاستقلال تحديين جيوسياسيين رئيسيين يؤثران بشكل مباشر على قدرتها على الخروج من حرب غزة الحالية بتحقيق إنجازات والحفاظ عليها على المدى الطويل.
ويوضح غولوف، في ندوة عقدت مؤخرًا، أن التحدي الأول يتمثل في التحول الجاري في الصراع على النظام العالمي بين الولايات المتحدة والصين. ويشير إلى أن هاتين القوتين "خلقتا قوة هائلة تقسم العالم ونظامه إلى كتلتين، وهي عملية ستحدد نوع العالم الذي سيعيش فيه أبناؤنا وأحفادنا، وما هي قواعد اللعبة فيه".
ويضيف غولوف: "مع اندلاع حرب غزة، رأينا أن الصين وروسيا دعمتا أعداء إسرائيل، واستدعتا رؤساء حماس إلى موسكو وبكين في الأيام التي تلت 7 أكتوبر".
ويمضي غولوف ليحدد التحدي الثاني المتمثل في "قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على إظهار الوحدة واتباع سياسة منسقة، على الرغم من نشوء اختلافات في الرأي بينهما من وقت لآخر".
ومع ذلك، يؤكد غولوف على أن "التعاون الوثيق مع واشنطن، والعلاقة الإيجابية التي يتميز بها التنسيق الاستراتيجي وحل النزاعات خلف الكواليس، يعكس بشكل مباشر قوة دولة إسرائيل في مواجهة أعدائها، ويعزز من قدرتها على أن تُنظر إليها على أنها شريك جذاب من قبل أصدقائها وشركائها التجاريين".
المظاهرات ودور الجاليات
من جهتها، تطرقت الدكتورة ميخال هاتويل رادوشيتسكي، المديرة العامة السابقة لوزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا بإسرائيل، إلى الاحتجاجات العالمية الرافضة للحرب في غزة بما في ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت بالندوة ذاتها: "بالنظر إلى المظاهرات ضد إسرائيل منذ 7 أكتوبر - ومؤخرا في يوروفيجن بالسويد وفي الجامعات بالولايات المتحدة - يبدو أن إسرائيل تواجه في عامها الـ76 مشكلة كبيرة على الساحة الدولية".
ولفتت إلى وقوف الجاليات اليهودية في العالم الى جانب إسرائيل، وقالت: "مع اندلاع الحرب، كان التعبير الفوري والملموس عن رعاية يهود الشتات من خلال المساعدة المادية".
وأضافت أنه "مع تطور الحملة، رأينا هنا كيف وقفوا هناك: تعانقوا ولفوا بالأعلام الإسرائيلية، وفي المسيرات يقفون، يغنون ويعبرون عن التضامن – في عواصم العالم، أمام المواقع التاريخية ورموز الحكومة، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي وفي الجامعات".
وتابعت: "هذه الجبهة الداخلية الضخمة التي تمتلكها دولة إسرائيل، والتي هي جزء لا يتجزأ من شعب إسرائيل، يجب في رأيي التعامل معها بقرب واحتضان من دولة إسرائيل ومواطنيها - ليس فقط في أوقات الحرب والأزمات".
وأشارت في هذا السياق إلى أنه "أولا، من المهم أن ندرك أن هناك العديد من اليهود الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم خارج دولة إسرائيل وهم ليسوا أقل صهيونية من اليهود الذين اختاروا العيش هنا (إسرائيل)".
ومن حيث الأرقام، قالت إن الجاليات "أكثر عددا من اليهود الذين يعيشون داخل البلاد، مع أكبر مجتمع يهودي خارج إسرائيل يعيشون في الولايات المتحدة ويساوي تقريبا في الحجم عدد اليهود الذين يعيشون في البلاد".
و"ثانيا، هذه مجتمعات قوية ومؤثرة لها مشاركة ومساهمة سياسية واجتماعية وأكاديمية وثقافية في بلدانها، وكما انعكس في الحرب، فإن هذه المجتمعات تعمل بنجاح كبير لتحسين وضع إسرائيل في العديد من المجالات"، وفق الخبيرة.
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4xNjQg جزيرة ام اند امز