نكبة الأطفال.. كيف تُحوّل إسرائيل غزة إلى «مقبرة للمستقبل»؟

"أرجوكم، لا تضعوه في الثلاجة! هو لا يتحمل البرد…". بصوت متهدج، حاولت أمٌّ فلسطينية إنقاذ جثمان طفلها "عمر" من مصيرٍ قاسٍ بعد أن مزَّق الصاروخ جسده الصغير في خان يونس.
تسع سنوات انتظرتها لتحمله بين ذراعيها، لكن ثوانٍ فصلت بين حلم الأمومة وبين رؤيته جثة هامدة. هذه ليست قصةً فردية، بل جزءٌ من حرب إسرائيلية لا تستهدف الأجساد فقط، بل تُدمر أسباب الحياة ذاتها، بحسب تقرير لموقع "ذا إنترسبت" الأمريكي.
ووصف التقرير ما يجري في غزة بأنه "نكبةٌ" جديدة، لكن بأدواتٍ أكثر فتكاً. ففي الوقت الذي تسترجع فيه الذاكرة الفلسطينية ذكرى نكبة عام 1948 في 15 مايو/ أيار، تُعيد إسرائيل كتابة النكبة يومياً عبر تدمير المستقبل بأكمله، طفلةً طفلة، وجنيناً جنيناً.
منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تحوَّل قطاع غزة إلى مختبرٍ لإبادةٍ جماعيةٍ بطيئة. ولا تعكس الأرقام الرسمية - 20 ألف امرأة و15 ألف طفل قتلى - سوى جزءٍ من الكارثة. فالحرب هنا لا تقتل الأحياء فحسب، بل تقتل إمكانية الحياة نفسها.
دمرت الغارات الإسرائيلية أجنحة الولادة في المستشفيات، واحترقت عيادات الخصوبة التي احتضنت 3 آلاف نطفة، وانقطعت الكهرباء عن الحضَّانات حتى تجمَّد المواليد.
وذكر تقرير لمنظمة اليونيسف أن الإجهاض تضاعف 3 مرات، وأن الأمهات الحوامل يلدن على أنقاض المستشفيات دون تخدير أو مضادات حيوية. وحتى أرحام النساء لم تعد آمنة، ففي غياب الأدوية، يلجأ الأطباء إلى استئصال أرحام النساء لإنقاذهن من الموت، مُحوِّلاتٍ أمهات المستقبل إلى ناجياتٍ بلا مستقبل.
القصد واضحٌ كما صرَّح وزير الزراعة الإسرائيلي، آفي ديختر: "نُنفذ نكبة غزة 2023". فاتفاقية منع الإبادة الجماعية تُجرم (منع الولادات داخل الجماعة)، لكن إسرائيل -التي حوَّلت 95% من الحوامل في غزة إلى نزيلات جوعٍ شديد- تخرق كل المواثيق.
وأشار تقرير اليونيسف إلى أن النساءٌ يلدن في خيامٍ ملوثة، فيما يموت الأطفالٌ تحت القصف قبل أن يُسجَّلوا رسمياً، وتحفظ الأجنةٌ في ثلاجات الموتى؛ لأن الكهرباء انقطعت عن مشافي الولادة، بل وصار الماء النظيف رفاهية.
لكن الحرب على المستقبل لا تقتصر على غزة. ففي الضفة الغربية، يقوم الجنود بتصفية الأطفال عند الحواجز، أو يُختطفونهم من مدارسهم ليُحاكَموا أمام محاكم عسكرية - فإسرائيل هي الدولة الوحيدة عالمياً التي تحاكم القُصَّر بهذا الوحشية، بحسب التقرير الأمريكي.
وقد سجل عام 2023 وحده 111 عملية إعدامٍ لأطفال فلسطينيين. أما الناجون، فيعيشون برعبٍ دائم, ويقول أبٌ فقد ثلاثة من أبنائه تحت الأنقاض: "كأنك تشهد نهاية العالم… تحمي أطفالك من الحشرات، من الحر، من القذائف، وتشعر أنك أقل من إنسان"،
والهدف، بحسب ذا إنترسبت، ليس إخضاع الفلسطينيين، بل اقتلاع جذورهم من التاريخ. فإسرائيل -التي دمرت 80% من بنية غزة التحتية- لم تترك لهم حتى مكاناً ليُدفنوا فيه كبشر. فالمستشفيات، والمدارس، وآبار المياه، والمخابز… كلها أهدافٌ عسكرية. وحين قصفت "مقبرة الشهداء" في دير البلح، لم تكتفِ بسرقة الأجساد، بل سرقت حقَّ الموتى في الذاكرة.
واختتم الموقع بالقول: "غزة رحم يُفرغ قسرًا. مكان صار فيه الميلاد حكمًا بالموت، وصارت الأمومة هدفًا. والعالم يتابع وكأنه يشاهد فيلما من وحي الخيال، وكما لو كان موت الفلسطينيين مجرد رقمٍ أو مفهومٍ تجريدي.. لكن "عمر" لم يكن شخصيةً خيالية. كان طفلاً يخاف البرد، وكان له اسم".
aXA6IDMuMTM3LjE3Ny4yNTUg جزيرة ام اند امز