تفاصيل خطة إسرائيل لإسقاط قضية «الإبادة الجماعية» في غزة
مع تفاقم التوتر بين إسرائيل وجنوب أفريقيا، على خلفية رفع الأخيرة قضية ضد الدولة العبرية أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، بدأت تل أبيب تحركات لإسقاط التهمة التي تلاحقها.
وكانت محكمة العدل الدولية قالت في بيان لها أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن جنوب أفريقيا رفعت دعوى في المحكمة تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فيما يتعلق بهجماتها على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي محاولة من إسرائيل لإسقاط قضية الإبادة الجماعية، كشف موقع «أكسيوس» الأمريكي تفاصيل برقية عاجلة أرسلتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، لسفاراتها في الخارج، تتضمن خطة عمل، قبل جلسة محكمة العدل الدولية، المرتقبة خلال أيام.
تفاصيل الخطة
وبحسب البرقية السرية، التي كشف «أكسيوس» ملامح منها، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية أصدرت تعليمات لسفاراتها بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في البلدان المضيفة لهم لإصدار بيانات ضد قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
ويقول الموقع الأمريكي إن البرقية، التي أرسلتها وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم الخميس، توضح خطة العمل الدبلوماسية الإسرائيلية قبل جلسة محكمة العدل الدولية الأسبوع المقبل، والتي ترتكز على ممارسة ضغط دولي على المحكمة لعدم إصدار أمر قضائي يأمر إسرائيل بتعليق حملتها العسكرية في غزة.
وفي تقريرها المؤلف من 84 صفحة، تقول جنوب أفريقيا إن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا قالت إن «أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تحمل طابع إبادة، لأنها مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة (..) لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع، أي الفلسطينيين».
ورفضت إسرائيل على الفور القضية باعتبارها «لا أساس لها من الصحة»، لكنها -على عكس القضايا السابقة في المحاكم الدولية- قررت المثول أمام المحكمة، لأنها من الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية، وسيمثل إسرائيل في محكمة العدل الدولية المحامي البريطاني مالكولم شو.
وطلبت بريتوريا من المحكمة اتخاذ إجراءات مؤقتة عاجلة، بما في ذلك إصدار أمر لإسرائيل بتعليق حملتها العسكرية في غزة، بينما تستمر القضية.
هدف استراتيجي
إلا أن برقية وزارة الخارجية الإسرائيلية تشير إلى أن «الهدف الاستراتيجي» للدولة العبرية يتمثل في أن ترفض المحكمة طلب إصدار أمر قضائي، وتمتنع عن تحديد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، وتعترف بأن الجيش الإسرائيلي يعمل في القطاع المحاصر، وفقا للقانون الدولي.
وجاء في البرقية التي حصل موقع «أكسيوس» على نسخة منها من ثلاثة مسؤولين إسرائيليين مختلفين: «قد يكون لحكم المحكمة آثار محتملة كبيرة ليس فقط في العالم القانوني، بل سيكون له تداعيات عملية ثنائية ومتعددة الأطراف واقتصادية وأمنية».
وجاء في البرقية أيضا «نطلب بيانا عاما فوريا لا لبس فيه على غرار ما يلي: أن تعلن علنا وبشكل واضح أن بلدك يرفض الاتهامات الشنيعة والسخيفة والتي لا أساس لها ضد إسرائيل».
وتقول البرقية إنه بموجب اتفاقية عام 1948، يتم تعريف الإبادة الجماعية على أنها خلق ظروف لا تسمح ببقاء السكان مع نية إبادتهم، ومن ثم فإن التأكيد على جهود إسرائيل لزيادة المساعدات الإنسانية لسكان غزة وخفض عدد المدنيين الذين يقتلون أمر بالغ الأهمية»، كما جاء في البرقية.
وفي البرقية صدرت تعليمات للسفارات الإسرائيلية بأن تطلب من الدبلوماسيين والسياسيين على أعلى المستويات «الاعتراف علناً بأن إسرائيل تعمل جنباً إلى جنب مع الجهات الفاعلة الدولية على زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، فضلاً عن تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، بينما تعد حملتها على قطاع غزة بمثابة الدفاع عن النفس بعد الهجوم المروع الذي نفذته منظمة إرهابية تمارس الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي».
كما صدرت تعليمات للسفراء الإسرائيليين بالعمل بشكل عاجل للحصول على مثل هذه التصريحات قبل الجلسة التي تبدأ في 11 يناير/كانون الثاني الجاري.
وبحسب البرقية، فإنه قيل للسفارات الإسرائيلية في الخارج إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيرسل رسائل إلى العشرات من زعماء العالم على نفس المنوال.
ويقول «أكسيوس» إن إدارة بايدن رفضت دعوى جنوب أفريقيا، مشيرا إلى أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أكد، يوم الأربعاء، أن «هذا العرض لا أساس له من الصحة، ويؤدي إلى نتائج عكسية، ولا أساس له على الإطلاق في الواقع على الإطلاق».
لكن الدول التي تدعم الفلسطينيين، بما في ذلك تركيا والأردن، أيدت هذه القضية.
وعلى الرغم من أن أوامر محكمة العدل الدولية ملزمة، إلا أنه من الصعب تنفيذها، ورفضت روسيا أمر المحكمة العام الماضي بوقف عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
أسباب مشاركة إسرائيل
وحول قرار مشاركة إسرائيل في الجلسة المرتقبة، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إن قرار المشاركة يعني «تغيير سياسة إسرائيل القديمة المتمثلة في عدم المشاركة وهذا ما حدث في عام 2004، حينما اختارت عدم حضور إجراءات محكمة العدل الدولية بشأن شرعية الجدار الأمني في الضفة الغربية، ثم تجاهلت الحكم بعد ذلك، متذرعة بعدم اعترافها بسلطة المحكمة».
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن القرار الذي اتخذته إسرائيل بالمشاركة في جلسة الاستماع القادمة التي ستعقدها محكمة العدل الدولية لمواجهة مزاعم جنوب أفريقيا «يمثل تحولاً مهماً وربما مفيداً في استراتيجيتها القانونية الدولية».
وأشارت إلى أن هذه الخطوة للتعامل مباشرة مع محكمة العدل الدولية «تدل على نهج استباقي لمعالجة الاتهامات وتبديدها، الأمر الذي يمكن أن يساعد في تحسين مكانة إسرائيل وروايتها الدولية».