أجنة فلسطين.. ملائكة تعدمها إسرائيل في الأرحام
أجنة حولت إسرائيل بطون أمهاتهم إلى توابيت، فلم تمهلهم ليخرجوا إلى الدنيا ويسعدوا قلوبا انتظرت قدومهم
في بطون أمهاتهم يُستهدفون، وفي أحضانهن يختنقون.. هكذا هم أجنة وأطفال فلسطين، ملائكة تغتالها آلة الحرب الإسرائيلية قبل أن ترى بصيص النور أو تفقه معاني الحياة.
فما بين إيمان حجو التي اغتالتها شظية صاروخ إسرائيلي قبل أن تكمل شهرها الرابع عام 2001، وليلى الغندور، زهرة الـ8 أشهر، التي خنقها غاز الاحتلال، في مايو/آيار الماضي، وهي في أحضان والدتها، تنساب ذات الدموع لتكتب ذات التفاصيل الشنيعة بحق الطفولة والإنسانية في فلسطين.
وإلى القائمة نفسها، تُضاف صبا أبو عرار، التي صعدت روحها، بالأمس القريب، قبل أن تفرح بخطوتها الأولى على عتبة بيتهم شرقي القطاع، وبين عبدالله وأيمن اللذين قضيا في أحشاء والدتيهما "فلسطين أبو عرار" و"أماني المدهون"، خلال اليومين الماضيين، لتتجسد مأساة تغلف يوميات أمهات غزة الأحياء منهن والأموات.
سالي ثابت؛ وهي أم لثلاث بنات، وصحفية ناشطة بأخبارها العاجلة عبر صفحتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي.. بدت لوعتها أكبر من أن تستوعبها الكلمات التي تستعد لنطقها.
سالي حزينة على أم فقدت حياتها ظلما وقهرا، ومستاءة لمصير جنين أُعدم في أحشاء والدته.
تحدثت سالي لـ"العين الإخبارية"، عن مقتل الأم "فلسطين أبو عرار"، وعن جنينها الذي قضى في أحشائها، وقالت: "قُتل عبدالله قبل أن يرى النور، ويمسك بأصابعه البريئة صدر أمه، ليطعم من ماء الحياة".
وأضافت: "لا ذنب لذلك الجنين سوى أن أمه وقفت لقمة سهلة (لآلة القتل)، وفم القذيفة مفتوح على آخره".
وبذات اللوعة، تابعت: "موت الفلسطينيات كهبوب الريح المفاجئة، يحملن أجسادهن بكل ما في بطونهن ليتركن الأرض للعزاء والنواح، والسؤال الذي يشق صخرة القلب، أين الإنسانية لترأف ببطن أم حملت جنينها وفشل الغد أن يأخذه منها؟!".
من جانبها، عادت المحامية والناشطة فاطمة عاشور، إلى النصوص القانونية، لتذكر العالم بأن الفلسطيني بشر وله الحق في الحماية.
وقالت لـ"العين الإخبارية": "حسب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949، فإن فلسطين من ضمن الدول المشمولة بها".
وأوضحت أن "الباب الثاني من الاتفاقية ينص على ضرورة الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب، كما أن المــادة 16، تقضي بأن يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية".
ومن جمود النصوص اختارت عاشور أن تخرج، وتدخل إلى عمق المشاعر الإنسانية، متطرقة إلى مآسي القطاع الأخيرة، بمقتل اثنين من نسائه الحوامل، والرضيعة صبا أبو عرار وغيرهم الكثير من أطفال وأجنة فلسطين ممن قالت إن القوانين والأنظمة لم تحمهم، بل سمحت للقذائف باختراق أجسادهم الصغيرة، لتشعل لهيب الحزن في القلوب.
واتهمت عاشور إسرائيل بـ"مخالفة قانون حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حسب المادة الثالثة".
ولفتت إلى أن المادة تنص على أنه "لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه"، غير أن للواقع كلمة مرة ومغايرة.
وتعقيبا عن الجزئية الأخيرة، قالت إن "أمهات فلسطين كشفن عورات التطبيق لهذه القوانين، ورمين بقتلهن وقتل أطفالهن وبقر بطونهن وهن حوامل، المواثيق والمبادئ والأنظمة في سلال المهملات".
وبنبرات مشحونة أسى: "هنا، الإنسانية على المحك وإسرائيل فوق كل ما وضعه الإنسان ليحمي كرامته ويصون حياته".
أما هداية شمعون، الكاتبة والأم لولدين، فبدا أن الكلمات جفت بحلقها، لتغدو عاجزة عن التعليق عن مشاهد الموت المخيمة في كل شبر، ورائحة الموت المطبقة.
"هذا الألم الذي يعيشه الفلسطينيون في كل عام مرة أو مرتين، وحياتهم على الدوام في خطر، وأمام خشونة المقاصل التي تنصب للأمهات ومنهن الحوامل، يكاد الحي الباقي في قطاع غزة يشد بتلابيب الموت نفسه ويناشده أن يأخذه معهم".
وأضافت لـ"العين الإخبارية": "ما هذا الوجع الذي نعيشه؟! هل من منقذ؟ هل من مغيث؟! في يوم واحد وفي ليلة دامسة الحلكة ينقلب حال العائلات الآمنة لتصبح شريدة، طريدة في العراء، من يفوته الموت تغرق روحه بالحرمان، ومن يصيبه الموت يصير شاهداً على عجز الإنسانية؟".
ومضت تقول كأنها تحدث نفسها: "قسوة ما بعدها من قسوة عندما نفشل بتأمين أم حامل بشهرها التاسع، ونسلمها لموت عابر، ويمر القاتل دون حساب ولا عقاب! قانون الدنيا أصبح قانون غاب، لا كلام لدي سوى أنني أعبر عن رفضي المطلق لكل ما ترتكبه إسرائيل بحق شعبي".
عقاب أو قصاص.. كلمات اتفق المتحدثون على أنها ظلت منذ عقود، معلقة على الأفواه، عاجزة عن الحصول على تأشيرة العبور نحو حياة الفلسطينيين، وتخليصها من ظلم يقصف حياتهم ويغتالها حتى في الأحشاء.
وأجنة تحولت بطون أمهاتهم إلى توابيت، لم يمهلهم رصاص إسرائيل ليخرجوا إلى الدنيا، ليسعدوا قلوبا انتظرت قدومهم، ولم يشغلوا المستقبلين بلون عيونهم ولا نعومة أظافرهم.. فهذه هي غزة، تئد إسرائيل طفولتها في أحشاء أمهاتها.
aXA6IDE4LjIyNC4zMS44MiA= جزيرة ام اند امز