هل تنجح السلطة الفلسطينية وإسرائيل في امتحان جنين؟.. القطار انطلق
بمرور أكثر من 10 أيام على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنين ومخيمها، شمالي الضفة الغربية، بات بإمكان السكان التقاط الأنفاس.
فعلى مدى أكثر من عام ونصف العام كانت جنين ومخيمها عرضة لاجتياحات متكررة من قبل الجيش الإسرائيلي ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة واعتقال المئات.
وبشكل هادئ عادت أجهزة الأمن الفلسطينية لفرض سيطرتها على جنين ومخيمها.
جاء ذلك بعد أن تضاربت تصريحات المصادر الفلسطينية والإسرائيلية بشأن موافقة إسرائيل على وقف اقتحاماتها لجنين ومخيمها لتمكين أجهزة الأمن الفلسطينية من فرض سيطرتها في المدينة والمخيم.
إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، رحب في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين، بإعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها في جنين.
وقال البيت الأبيض في قراءة مكتوبة للاتصال تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه: "شدد الرئيس على ضرورة اتخاذ تدابير للحفاظ على قابلية حل الدولتين للحياة، وتحسين الوضع الأمني في الضفة الغربية. وتحقيقا لهذه الغاية، رحب باستعداد إسرائيل للنظر في خطوات جديدة لدعم سبل العيش الفلسطينية".
وأضاف: "واعترف (بايدن) بالخطوات الواعدة للسلطة الفلسطينية لإعادة تأكيد سيطرتها الأمنية في جنين ومناطق أخرى في الضفة الغربية".
اجتماع خماسي ثالث
وكانت الاقتحامات الإسرائيلية لمحافظتي جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية محل تبادل اتهامات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في الاجتماعات التي عقدت مطلع العام الجاري، في العقبة الأردنية، وشرم الشيخ المصرية، بحضور مسؤولين أمريكيين وأردنيين ومصريين.
وقال مصدر دبلوماسي غربي شارك في الاجتماعات لـ"العين الإخبارية": "كان الفلسطينيون يتهمون الإسرائيليين بالمسؤولية عن تفجر الأوضاع بسبب الاقتحامات المتتالية، فيما قال الإسرائيليون إنهم يقتحمون هذه المناطق بسبب عدم قدرة السلطة الفلسطينية على بسط السيطرة فيها".
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "قلنا إن على السلطة الفلسطينية أن تبسط سيطرتها تحديدا على نابلس وجنين وإن على إسرائيل أن تحترم السيطرة الفلسطينية ولكن هذا للأسف لم يُطبق".
وتابع المصدر: "عدم تحقيق أي تقدم في هذا المجال، بالتزامن مع تصاعد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بالضفة الغربية، دفعنا لأن نتريث وأن لا نبادر إلى عقد أية اجتماعات إضافية حتى يكون بيدنا ما يمكننا البناء عليه".
وخلال الأشهر القليلة الماضية تمكنت السلطة الفلسطينية من التوصل إلى تفاهمات مع نشطاء "عرين الأسود" تقضي بأن يسلموا سلاحهم لها، ويلتزموا الثكنات الأمنية الفلسطينية مقابل وقف المطاردة الإسرائيلية لهم.
وتشهد نابلس منذ عدة أسابيع حالة من الهدوء المشوب بالحذر مع توقف الاقتحامات الإسرائيلية للبلدة القديمة من المدينة.
مجمل هذه التطورات لربما تقود إلى اجتماع خماسي ثالث بعد الاجتماعين اللذين عقدا في العقبة وشرم الشيخ.
وقال البيت الأبيض: "اتفق الزعيمان على التشاور مع الشركاء الإقليميين بهدف عقد اجتماع قريبا بصيغة العقبة / شرم الشيخ في أسرع وقت ممكن".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، زار جنين، الأسبوع الماضي، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، في إشارة إلى إعلان إعادة بسط السيطرة الفلسطينية على جنين ومخيمها.
وفي حينه وجّه رسالة غير مباشرة للمسلحين وقال إن "السلطة جاءت إلى هنا لتؤكد لكم أنها مع مخيم جنين ومع أهلها في مدينة جنين، فالسلطة الفلسطينية سلطة واحدة، ودولة واحدة، وقانون واحد، وأمن واستقرار وأمان واحد".
وأضاف: "أقول للقاصي والداني إن "هذا البلد سيبقى واحدا وأمنه واحدا، وكل من يعبث في وحدته لن يرى إلا ما لا يعجبه، ولن نسمح، ولن نقبل إطلاقا، وأقولها بصراحة أكثر، إن اليد التي ستمتد إلى وحدة الشعب وأمنه وأمانه واستقراره ستُقص من ضلوعها".
إشكالية مع كتيبة جنين
ولكن ما لبثت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أن وجدت نفسها في خلاف مع كتيبة جنين التي تضم عشرات المسلحين وغالبيتهم من حركة الجهاد الإسلامي.
فقد احتجت كتيبة جنين على اعتقال عدد من نشطائها من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية.
وقالت كتيبة جنين في إشارة الى زيارة الرئيس عباس: " لم يكن لدينا أي مانع لهذه الزيارة منذ اللحظة الأولى من حيث المبدأ، إلا أنه كان لدينا مطلب واحد ومشروع وهو الإفراج عن مراد ملايشة ومحمد براهمة اللذين تم اعتقالهما على يد الأجهزة الأمنية في طوباس ومصادرة سلاحهما أثناء تواجدهما لمساندة إخوانهما المقاتلين في مخيم جنين أثناء الاجتياح الأخير".
وأضافت: "وأمام التراجع عن الوعود ونكثها من قبل أجهزة أمن السلطة سنقوم بخطوات وطنية لنصرة إخواننا المختطفين في سجون السلطة بسبب مقاومتهم للاحتلال".
وأثار البيان حفيظة حركة "فتح" التي قالت في بيان: "نحذر من مغبة الاستمرار في التحريض الممنهج ضد الأجهزة الأمنية في فلسطين وكان آخرها البيان الذي حمل توقيع " كتيبة جنين" يتنكر فيها للحقيقة المتعلقة بأسباب الاعتقال الذي يجري في جبع ويحمل لغة التحريض والتخوين على السلطة الفلسطينية والمؤسسة الأمنية الفلسطينية الوطنية ".
وأضافت الحركة التي يقودها الرئيس الفلسطيني: "فتح ومن خلفها الشعب الفلسطيني لن تسمح لأي كان وتحت أي شعار مقدس أن يتم المساس بأي فرد من أفراد الأجهزة الأمنية"، معتبرة أن "أي تصرف من هذا القبيل هو فعل صهيوني وستتم معالجته على هذا الأساس".
أما محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب فقد أوضح في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، على خلفية الاعتقال "تزامنا مع العدوان الأخير الذي شنه جيش الاحتلال على مدينة ومخيم جنين وتحديداً فجر يوم 3/7/2023 أقدمت مجموعة من الخارجين عن القانون والصف الوطني على الاعتداء على مركز شرطة بلدة جبع وإحراق جزء كبير منه، إضافة لمركبة شرطة، كما قاموا بتهديد أفراد المركز مستغلين انشغال الحالة العامة بما تتعرض له جنين ومخيمها".
وأضاف: "وعليه فقد باشرت الأجهزة الأمنية المختصة تحرياتها للوصول للمحرضين والمعتدين على مركز الشرطة، وقامت باعتقال عدد من المتورطين والمشتبه فيهم دون اعتبار لأي دوافع سياسية أو انتماءات تنظيمية".
ولفت إلى أن "المتورطين للأسف ينتمون لعدة تنظيمات منها الجهاد وحماس وأول معتقل متورط كان من حركة فتح، وأهالي جبع الكرام يعرفون ذلك جيدا فلا مجال للمراوغة والمجاملة على حساب النظام والقانون".
ماذا يقولون في إسرائيل؟
يقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في دراسة تلقت "العين الإخبارية" نسخة منها: "تم الإعلان عن نجاح عملية "المنزل والحديقة" من الناحية العملياتية، لكن آثارها ستتلاشى بسرعة ما لم يحدث تغيير في الوضع العام، لا سيما فيما يتعلق بتوازن القوى في شمال الضفة الغربية".
وأضاف: "لذلك، فإن المطلوب هو تحرك سياسي مكتمل لتحقيق إمكانات التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وخلق الظروف التي تسمح وتشجع السلطة على العودة إلى جنين - بشكل أساسي ككيان قادر على إعادة الإعمار بعد عملية الجيش الإسرائيلي".
وتابع: " في الوقت نفسه، يجب التأثير على السلطة الفلسطينية، بشكل أساسي من قبل الولايات المتحدة والأردن، لإعادة انتشار أجهزتها الأمنية في المنطقة.
وأن "البديل لعودة السلطة الفلسطينية إلى شمال الضفة الغربية هو أن يسيطر الجيش الإسرائيلي على المسرح ويديره، مما يعني أن المسؤولية عن السكان الفلسطينيين ستقع على عاتق إسرائيل".