القضاء في إسرائيل حبيس نارين.. والمحكمة العليا تبدأ "المعركة الأخيرة"
معركة قضائية في إسرائيل يُتوقع أن تكون طويلة وشرسة في مواجهة السلطة التنفيذية.
ويحبس الإسرائيليون الأنفاس في انتظار ما ستؤول إليه هذه المعركة التي ستحدد ما إذا كانت إسرائيل "ديمقراطية" كما تقول الحكومة أو "تحولت إلى ديكتاتورية" كما تقول المعارضة.
ووجدت المحكمة العليا نفسها ما بين نارين، الأولى نار المعارضة التي تطالبها بالدفاع عن صلاحياتها، والثانية نار الحكومة التي تتهمهما بـ"محاولة إلغاء الانتخابات دون صلاحية".
وسيتعيّن على المحكمة أن تعتاد العيش ما بين هاتين النارين في الأشهر المقبلة، مع بدئها النظر في طعون ضد قوانين أقرها الكنيست الحالي.
واستمعت المحكمة العليا، الخميس، إلى مواقف الحكومة والكنيست والمعارضة بشأن قانون أقره البرلمان في شهر مارس/آذار الماضي يحدد شروطا صعبة للمحكمة لإقالة رئيس الوزراء من منصبه.
وفي شهر سبتمبر/أيلول المقبل، ستبدأ المحكمة الاستماع إلى طعون في قانون "حجة المعقولية" الذي يقيّد صلاحياتها بالنظر في قرارات رئيس الوزراء والحكومة والوزراء.
وينظر الغالبية من الإسرائيليين الى المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، باعتبارها "حامية الديمقراطية" في وقت لا يمر يوم دون أن تتعرض للانتقاد من اليمين الإسرائيلي.
ما هو القانون المطعون به؟
بأغلبية 61 نائبا مقابل معارضة 47 أقر الكنيست في مارس/آذار الماضي بعد مناقشات ساخنة استمرت ساعات طويلة قانون "التعذر" الذي يحمي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أي أمر قضائي محتمل بعزله من منصبه إلا في حالات مشددة.
واعتبرت المعارضة الإسرائيلية أن القانون مصمم لإنقاذ نتنياهو من مشكلات قانونية محتملة، حيث يحاكم في ثلاث قضايا منفصلة بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة التي ينفيها رئيس الوزراء بشكل قاطع.
ووفقا لقانون "التعذر"، لن تتمكن المحكمة العليا من الإعلان عن تعذر رئيس الوزراء عن أداء مهام منصبه، وإنما رئيس الوزراء أو الحكومة فقط هما المخولان باتخاذ مثل هذا القرار.
ويتم اتخاذ مثل هذا القرار الحكومي فقط بموافقة ثلاثة أرباع أعضاء الحكومة، دون معارضة رئيس الوزراء نفسه.
وفي حال أبدى رئيس الوزراء معارضته، فإن الحسم ينتقل في مثل هذه الحالة إلى الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه. وسيعتبر هذا القرار نافذا فقط في حال صوّت لصالحه 90 عضو كنيست.
وعلى أثر ذلك، تقدمت "الحركة من أجل نزاهة الحكم" الإسرائيلية وحزب (إسرائيل بيتنا) المعارض بطعون إلى المحكمة العليا لوقف القانون.
وقالت "الحركة من أجل نزاهة الحكم" في حينه: "إن الهدف الوحيد لرئيس الوزراء من هذا القانون هو الهروب من محاكمته".
واليوم الخميس، بدأت المحكمة العليا مداولاتها للنظر في الطعون والاستماع إلى دفاع الحكومة والكنيست، في قانون "التعذر".
وشهدت جلسة المحكمة تجاذبات شديدة بين الحكومة والمعارضة تعدتها إلى خارج أروقة المحكمة.
"انقلاب"
وقال رئيس "الحركة من أجل نزاهة الحكم"، المحامي اليعاد شراغا، إن "بنيامين نتنياهو قرر تنفيذ انقلاب سلطوي في دولة إسرائيل، وتقويض السلطة القضائية وأجهزة تطبيق القانون ومؤسسة المستشار القانوني للحكومة والنيابة".
أما عضو الكنيست عوديد فورير من حزب "إسرائيل بيتنا" -وهو أحد مقدمي الالتماس-، فقال إن "قانون التعذر شخصي، وتم سنه وفقًا لمعايير نتنياهو، من منطلق جنون العظمة والمخاوف لديه".
وأضاف "القانون أثبت فشله في لحظة الحقيقة، عندما كان يجب الإعلان قبل أسبوعين عن تعذر رئيس الوزراء عن أداء مهام منصبه عندما أٌدخل إلى المستشفى، لكن ذلك كان مستحيلًا بسبب القانون الحالي الذي تم سنه بلامبالاة".
بدورهم، طالب ممثلو الكنيست من الائتلاف الحكومي وديوان رئيس الوزراء، رد الطعون بداعي أنه لا اختصاص للمحكمة في هذه القضية.
تبادل اتهامات
ووجه نواب من الحكومة نيران اتهاماتهم إلى المحكمة العليا مع نظرها في الطعون.
وقالت وزيرة المواصلات من حزب "الليكود"، ميري ريغيف: "سنعرف اليوم إن كان ثلاثة قضاة سيعلنون تعذر الديمقراطية في إسرائيل".
وتتكون المحكمة من 15 قاضيا، ولكنها انعقدت اليوم بهيئة من 3 قضاة.
أما وزيرة الإعلام من "الليكود"، غاليت ديستل أتبريان، فصرحت بالقول "إن مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين لم يتم انتخابهم من قبل أي شخص في صندوق الاقتراع، ينظرون في هذه الأثناء في إلغاء نتائج الانتخابات وأصوات ملايين الناخبين، دون أن يمنحهم أحد سلطة القيام بذلك".
وفي إشارة إلى المحكمة، قال وزير شؤون القدس والتراث، عميحاي إلياهو، من حزب "القوة اليهودية": "إن قامت بإلغاء قانون، فإن الحكومة لن تحترم أحكام القضاة".
ووجهت المعارضة انتقادات حادة إلى وزراء الحكومة الذين هاجموا المحكمة العليا ورفضوا الالتزام بقراراتها.
وكتب زعيم حزب "هناك مستقبل" ورئيس المعارضة يائير لابيد، في تغريدة على حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا): "إن أي وزير يعلن أنه لن يقبل حكماً من المحكمة العليا لا يمكنه الاستمرار في شغل المنصب ولو لدقيقة واحدة".
وأضاف أن "الحكومة التي لا تنصاع للقانون، والمحكمة هي حكومة غير شرعية".
أما زعيم حزب (الوحدة الوطنية) المعارض بيني غانتس، فكتب في تغريدة على حسابه في الموقع ذاته، "إن لم تحترم الحكومة قرار المحكمة، فلن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية، المسؤولية تقع على رئيس الوزراء".
ويتوقع أن تتواصل مداولات المحكمة العليا لبعض الوقت قبل أن تحسم موقفها.