الرد على إيران.. هل تقلب إسرائيل إحداثيات «الطوفان»؟
يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل سترد بشكل حتمي على إيران، ما يعني أن المسألة تتعلق فقط بالتوقيت لا غير.
الأهداف والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والنقاشات الجارية، جميعها يرى مراقبون أنها ليست سوى نقاط للتمويه وضمان ما يوفره عنصر المفاجأة في مثل هذه الضربات من مكاسب.
والثلاثاء الماضي، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ نحو إسرائيل، واضعة ذلك في إطار الرد على مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران بدفع "ثمن باهظ" جراء هذا الهجوم.
7 أكتوبر؟
حين سألت شبكة «سي إن إن» مسؤولا رفيعا في وزارة الخارجية الأمريكية عما إن كانت إسرائيل تخطط لاستخدام ذكرى هجمات حماس عليها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أي بعد غد الإثنين، قال إنه من الصعب معرفة ذلك.
وبالفعل، أكدت التفجيرات الإسرائيلية التي استهدفت أجهزة اتصالات حزب الله، الشهر الماضي، أن نتنياهو قد يكون «منفلتا» في قراراته عن الإدارة الأمريكية، والدليل هو تأكيد وزير خارجيتها أنتوني بلينكن حينها أنه لا علم مسبق لواشنطن بالهجمات.
لكن الأمر قد يبدو مختلفا بالنسبة لضرب إيران، لأن خطوة مماثلة تعني آليا الحاجة للمساعدة من القوات الأمريكية المنتشرة بالشرق الأوسط، وبدونها، قد تخرج الأمور عن السيطرة، وتحصد إسرائيل نتائج بعكس آمالها.
وبناء عليه، قد يختار نتنياهو الرد على إيران في 7 أكتوبر «ثأرا» لهجمات غير مسبوقة على إسرائيل من أحد أذرع طهران (حركة حماس)، وفي محاولة لخفض منسوب الحرج الذي كشف ثغرات أمنية خطيرة جعلت حكومته بمرمى الانتقادات.
وبالنسبة له، فإن يوم الإثنين سيكون «فرصة» لن تتكرر إلا بعد عام آخر، وانتظار 12 شهرا إضافية لن يكون بالتأكيد فكرة مريحة أو مقبولة بالنسبة لحكومة تقود حربا على أكثر من جبهة.
ولذلك، يعتقد محللون أن التاريخ مطروح بقوة على طاولة نتنياهو، لكن عقبات كثيرة قد تحول دون التنفيذ وقلب إحداثيات «الطوفان» الذي شنته حركة حماس قبل عام على إسرائيل.
الضمانات والانتخابات
في تصريحاته لـ«سي إن إن»، قال المسؤول الأمريكي الرفيع إن إسرائيل لم تقدم ضمانات لإدارة جو بايدن بأن استهداف المنشآت النووية الإيرانية «غير وارد».
وهذا يعني أن حتى استهداف المنشآت النووية لطهران لا يزال واردا، أو قد يكون حصر النقاشات والتصريحات العلنية على هذه النقطة، تكتيكا للتمويه ودفع إيران للاهتمام بتأمين هذه الأهداف، فيما تضرب تل أبيب أهدافا مغايرة تماما.
خلاصة ذلك أنه لا ضمانات إسرائيلية لا لأمريكا ولا لغيرها، وأنه في حال يوجد خلافات بوجهات النظر بين تل أبيب وواشنطن، فإنها تقتصر على التوقيت وليس على طبيعة الأهداف أو قرار الرد في حد ذاته.
ففي الوقت الحالي، يبدو الرئيس الأمريكي جو بايدن منشغلا بأمر واحد وهو الانتخابات، ولذلك، فهو لا يريد تصعيدا إضافيا في الشرق الأوسط يفاقم الانتقادات لسياسته الخارجية.
ولذلك يجد نفسه بين خيارين، أو بالأحرى بين تعنت نتنياهو أو «بيبي» كما يناديه، وبين ما تعتبره إسرائيل مصلحة أمن قومي، وبين اقتراع على الأبواب وقد يخسر فيه الديمقراطيون بسبب ما قد يعتبره الناخبون قرارا خاطئا في الشرق الأوسط.
وعلى هذا الأساس، يعارض بايدن استهداف المنشآت النووية لطهران، لكنه في الوقت نفسه لا يمانع في ضرب إيران بـ«بدائل أخرى»، في موقف رمادي يستهدف النأي بالنفس عن الجانب السلبي للأشياء، والظفر بإيجابياتها.
ومساء الجمعة، حض بايدن إسرائيل على عدم استهداف منشآت نفطية إيرانية، مؤكدا أنه يعمل على حشد دول العالم لتفادي اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
وشدد بايدن الذي حضر بشكل غير معلن إلى قاعة الإيجاز الصحفي في البيت الأبيض، على ضرورة ألا ينسى نتنياهو الدعم الأمريكي لدى اتخاذه الخطوات المقبلة.
وقال بايدن الذي تقترب ولايته من نهايتها "لو كنت مكانهم، كنت سأفكر ببدائل غير ضرب حقول النفط"، وذلك غداة حديثه عن إجراء "نقاشات" بشأن ضربات إسرائيلية ضد منشآت كهذه عائدة لطهران.
لكنه شدد على أن الإسرائيليين "لم يصلوا إلى خلاصة بعد بشأن ما سيقومون به" ردا على الهجوم الإيراني.
والخميس، أدت تصريحات بايدن إلى ارتفاع في أسعار النفط، ويمكن لأي زيادة طويلة الأمد في سعر هذه المادة أن تنعكس سلبا على حظوظ نائبته كامالا هاريس التي تستعد لمواجهة الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
ويأتي ذلك في وقت بالغ الحساسية مع اقتراب انتهاء ولاية بايدن وفي ظل توترات حادة في الشرق الأوسط وانتقادات لدبلوماسيته خصوصا فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، وأخرى متعلقة بتعامله مع إعصار هيلين الذي ضرب جنوب شرق أمريكا هذا الأسبوع وأودى بمئات الأشخاص.