إسرائيل والقرار الأمريكي.. نفوذ يتجاوز قرنين من محاولات الاختراق الخارجي

تاريخ الولايات المتحدة يعج بمحاولات التدخل الخارجي في القرار السياسي، لكن لا يوجد مجال للمقارنة مع تغلغل إسرائيل في دائرة صنع القرار.
في خطابه الوداعي للأمريكيين عام 1796، حذر الرئيس جورج واشنطن من "المكائد الخبيثة للتدخل الأجنبي"، معتبراً أنها من أخطر أعداء الحكم الجمهوري.
ورغم وجود العديد من المحاولات الخارجية للتأثير في القرار الأمريكي على مدار التاريخ، فإنّ نفوذ إسرائيل وتحديداً حزب الليكود الحاكم على واشنطن بلغ مستوى غير مسبوق، سواء في مداه الزمني أو في عمقه الأيديولوجي والسياسي، وفق موقع "ريسبونسيبل ستايت" الأمريكي.
ويسرد التحليل 4 حالات بارزة من محاولات قوى أجنبية توجيه السياسة الأمريكية، مع التركيز على الفارق بينها وبين النموذج الإسرائيلي.
1- فرنسا 1793
خلال حكم آل بوربون لفرنسا، لعبت باريس دورا مهما في استقلال الولايات المتحدة 1783.
وبعد ذلك بعشر سنوات وفي ظل مرحلة ما بعد الثورة، أرسلت فرنسا مبعوثا هو إدموند شارل جينيه، لحث واشنطن على دعمها ضد بريطانيا، ومحاولة توريطها في قرصنة بحرية ضد السفن البريطانية.
لكن جورج واشنطن الذي أعلن الحياد في الصراعات بين فرنسا والدول الأوروبية، قمع محاولات باريس.
وبعدها، ظلت الاستراتيجية الأمريكية تحت ظلّ راعيها الفرنسي القديم، لكنها كانت علاقة قائمة على منفعة متبادلة، قبل أن تختفي بعد نحو جيل.
2- بريطانيا وفرنسا خلال الحرب الأهلية الأمريكية
خلال الحرب الأهلية الأمريكية، سلّحت بريطانيا الكونفدراليين بمليون بندقية وهدّدت بكسر الحصار البحري، فيما استغلت فرنسا انشغال واشنطن لتوسيع نفوذها في المكسيك.
كان الهدف هو إضعاف الاتحاد الأمريكي لصالح التوازن الأوروبي، لكن بانهيار الجنوب وانتصار الشمال عام 1864 تراجعت هذه التدخلات، ولم تترك أثراً دائماً.
3- بريطانيا في الحربين العالميتين
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وجد الحلفاء أنفسهم معتمدين على الملايين من قذائف المدفعية والبنادق والمتفجرات أمريكية الصنع.
واعتمدت بريطانيا على الدعاية والعمليات الاستخباراتية لدفع الولايات المتحدة لدخول الحرب.
وفي الحرب العالمية الثانية، كثف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل جهوده لإقناع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالمشاركة في الحرب وهو ما جرى بالفعل لكن دون تلاعب بريطاني أو فرض أجندة طويلة الأمد.
4- الاتحاد السوفييتي قبل الحرب الباردة
في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، استفاد الاتحاد السوفيتي من تعاطف إدارة روزفلت، واخترق بعض دوائر صنع القرار عبر عملاء، مما مكنه من الحصول على تكنولوجيا متقدمة وحتى أسرار القنبلة الذرية.
إلا أن هذا النفوذ كان ظرفياً وانتهى سريعاً مع بداية الحرب الباردة عام 1945.
النفوذ الإسرائيلي
ووفق الموقع، فإن الفارق الجوهري بين هذه المحاولات الأربع للتدخل في القرار الأمريكي وبين النفوذ الإسرائيلي على واشنطن هو أن التدخلات السابقة كانت ظرفية ومرتبطة بأزمات وجودية، كما أن تأثيرها كان قصير المدى وأدّى غالباً إلى رد فعل أمريكي عكسي.
لكن الوضع مختلف تماما بالنسبة لتل أبيب.
إذ يتسم النفوذ الإسرائيلي بطابع أيديولوجي طويل الأمد، ويرتبط المشروع الصهيوني ورؤية "إسرائيل الكبرى" بأبعاد دينية ومسيانية (الإيمان بانتظار المسيح المخلص) وهو ما يتقاطع مع قوى نافذة داخل الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يختلف مع المصالح البراغماتية المؤقتة لفرنسا أو بريطانيا أو الاتحاد السوفياتي في الفترات السابقة.
ويتحالف النفوذ الإسرائيلي مع ثلاث دوائر مؤثرة في الولايات المتحدة الأولى هي "المحافظون الجدد" الذين يرون في إسرائيل أداة لتجسيد الدور القيادي العالمي لأمريكا، والثانية هي "الصهيونية المسيحية" التي باتت قاعدة أساسية في الحزب الجمهوري، وتتبنى رؤى لاهوتية تدعم التوسع الإسرائيلي.
والثالثة هي "اللوبي الإسرائيلي" الذي عزز نفوذه على السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل لم يسبق له مثيل.
ويحظى النفوذ الإسرائيلي بـ"تغلغل مؤسساتي"، حيث لم يعد دعم إسرائيل يقتصر على لحظة أزمة، بل أصبح جزءاً بنيوياً من السياسة الأمريكية، يتجلى في الدعم المالي والعسكري الضخم، وفي سياسات الشرق الأوسط التي تراعي المصالح الإسرائيلية.
ووفقا لتحليل "ريسبونسيبل ستايت كرافت"، فإن حرب غزة تكشف حدود هذا النفوذ وخطورته، خاصة وأن العمليات العسكرية الإسرائيلية باتت تواجه انتقادات متزايدة في الداخل الأمريكي، حتى من غالبية اليهود الأمريكيين.
ومع ذلك، يدفع اللوبي المؤيد لإسرائيل وحلفاءه نحو تشريعات تجرّم أو تقيد انتقاد الحكومة الإسرائيلية باعتبار ذلك معاداة للسامية، ما يهدد الحقوق الدستورية وحرية التعبير.
ووفق الموقع، هذا يعني أن النفوذ الإسرائيلي تحول من مجرد توجيه للسياسة الخارجية إلى محاولة لإعادة صياغة الهوية والقيم الأمريكية نفسها بما يخدم المشروع الإسرائيلي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg2IA== جزيرة ام اند امز