«بصمات» التكنولوجيا في حرب غزة.. «غوغل» ليس الوحيد
غداة إماطة اللثام عن التعاون بين «غوغل» والجيش الإسرائيلي في حرب غزة، كشفت وثائق مسربة جديدة عن أن شركة «مايكروسوفت» استُعين بها -كذلك- في الهجمات الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني.
وتظهر الوثائق أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي من «مايكروسوفت» ارتفع بشكل كبير خلال المرحلة الأكثر كثافة من القتال والقصف في غزة، على الأرجح في ضوء الحاجة المتزايدة لتحليل الهدف واتخاذ القرار.
وتقدم الوثائق، التي تم الكشف عنها كجزء من تحقيق أجرته صحيفة «الغارديان» بالتعاون مع موقعي ميكوميت ومجلة +972 الإسرائيليين، لمحة نادرة عن التكامل المتزايد للتكنولوجيات الأمريكية في نظام الدفاع الإسرائيلي.
وتشير الوثائق إلى معاملات بقيمة 10 ملايين دولار على الأقل، شملت آلاف الساعات من الدعم الفني من «مايكروسوفت» والاستخدام المتزايد لمنصة Azure السحابية من قبل الجيش الإسرائيلي.
دعم الحرب
كما تشير الوثائق، التي تتضمن أدلة من الأنشطة التجارية لوزارة الدفاع ووثائق من فرع «مايكروسوفت» في إسرائيل، إلى أن منتجات وخدمات الشركة كانت تستخدم من قبل مجموعة متنوعة من وحدات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية وفرع الاستخبارات. وتم استخدام منصة Azure للاحتياجات الإدارية، مثل البريد الإلكتروني وإدارة الملفات، فضلاً عن دعم الأنشطة القتالية والاستخباراتية.
ويلقي التحقيق، الذي يستند أيضًا إلى مقابلات مع مصادر من الجيش الإسرائيلي والاستخبارات الإسرائيلية، ضوءًا جديدًا على كيفية لجوء القوات الإسرائيلية إلى شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى لتلبية المطالب التكنولوجية للحرب.
وبعد شن هجومه على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل متزايد على شركات مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«غوغل» لتخزين وتحليل كميات أكبر من البيانات والمعلومات الاستخباراتية لفترة أطول.
وتشير الوثائق المسربة، التي تتضمن سجلات تجارية من وزارة الدفاع الإسرائيلية وملفات من الفرع الإسرائيلي لشركة «مايكروسوفت»، إلى أن منتجات وخدمات «مايكروسوفت»، خاصة منصة الحوسبة السحابية Azure، كانت تستخدم من قبل وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى مديرية استخباراتها.
وفي حين استخدم الجيش الإسرائيلي بعض خدمات «مايكروسوفت» لأغراض إدارية، مثل البريد الإلكتروني وأنظمة إدارة الملفات، فإن الوثائق والمقابلات تشير إلى أن «Azure» تم استخدامه لدعم الأنشطة القتالية والاستخباراتية.
وباعتبارها «شريكاً موثوقاً به» لوزارة الدفاع الإسرائيلية، كانت «مايكروسوفت» تُكلف في كثير من الأحيان بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية. كما عمل موظفوها بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك قسم المراقبة النخبوي، والوحدة 8200.
وفي السنوات الأخيرة، تظهر الوثائق أن «مايكروسوفت» قدمت أيضًا للجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول على نطاق واسع إلى نموذج GPT-4 التابع لشركة OpenAI - بفضل الشراكة مع مطور أدوات الذكاء الاصطناعي الذي غيّر مؤخرًا سياساته ضد العمل مع العملاء العسكريين والاستخباراتيين.
ورفضت شركة «مايكروسوفت» التعليق على نتائج التحقيق أو الإجابة عن أسئلة حول عملها لصالح الجيش الإسرائيلي.
علاقات عميقة
وبحسب «الغارديان»، فإن الكشف عن العلاقات العميقة بين شركة «مايكروسوفت» والجيش الإسرائيلي ودمج أنظمتها في المجهود الحربي يوضح نمو مشاركة القطاع الخاص في الحرب عالية التقنية والتمييز غير الواضح بشكل متزايد بين البنية التحتية الرقمية المدنية والعسكرية.
وفي الولايات المتحدة، تخضع العلاقات التجارية بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات التكنولوجيا الكبرى لتدقيق متزايد، وقد أثارت احتجاجات بين العاملين في مجال التكنولوجيا الذين يخشون أن تكون المنتجات التي يصنعونها قد مكنت من اندلاع حرب في غزة تُتهم فيها إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
لكن في حرب أصبحت معروفة بتطبيق الجيش الإسرائيلي لأنظمة جديدة في ساحة المعركة -بما في ذلك أدوات التوصية بالأهداف التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل «الإنجيل» و«اللافندر»- ظل الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى التي يقع مقرها في الولايات المتحدة لدعم عمليات إسرائيل في غزة، حتى الآن، بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير.
وفي عام 2021، بعد أن فشلت شركة «مايكروسوفت» في تأمين صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار لإصلاح البنية التحتية للحوسبة السحابية في القطاع العام في إسرائيل، نظر مسؤولوها التنفيذيون بحسد إلى «أمازون» و«غوغل»، اللتين جمعتا قواهما للفوز بالعقد الضخم، المعروف باسم «مشروع نيمبوس».
ورغم أن هذا القرار يشكل بلا شك ضربة لأعمال «مايكروسوفت» في إسرائيل ومكانتها باعتبارها المزود الرئيسي للخدمات السحابية للجيش الإسرائيلي، فإن الوثائق تشير إلى أن الشركة استمدت العزاء من مؤشرات من مسؤولين دفاعيين إسرائيليين بأنها ستستمر في التمتع بشراكة قوية مع الجيش.
وخلال الهجوم على غزة، استخدمت وحدة «أوفيك» التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية، التي تتولى إدارة قواعد بيانات ضخمة للأهداف المحتملة للغارات القاتلة المعروفة باسم «بنوك الأهداف»، مجموعة أنظمة الاتصالات والرسائل التي تنتجها شركة مايكروسوفت.
كما عمل موظفو «مايكروسوفت» والمتعاقدون معها بشكل وثيق مع أفراد الجيش في جميع أنحاء الجيش الإسرائيلي، حيث قدموا المشورة والدعم الفني عن بعد وفي القواعد العسكرية.
خلال الهجوم على غزة، قدم مهندسو «مايكروسوفت» الدعم لوحدات الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي مثل الوحدة 8200 ووحدة تجسس سرية أخرى، الوحدة 9900 -التي تجمع وتحلل المعلومات الاستخباراتية البصرية- لدعم استخدامهم للبنية التحتية السحابية.
وبحسب الملفات، وافقت وزارة الدفاع الإسرائيلية في الفترة ما بين بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية يونيو/حزيران 2024 على شراء 19 ألف ساعة من خدمات الدعم الهندسي والاستشارات من «مايكروسوفت» لمساعدة مجموعة واسعة من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي. ويبدو أن هذه الصفقات حققت لشركة «مايكروسوفت» نحو 10 ملايين دولار من الرسوم.
تحول نموذجي
في كتاب صدر عام 2021 وكشفت صحيفة الغارديان أنه من تأليفه، توقع رئيس الوحدة 8200 في ذلك الوقت أن الطلب من جانب الجيش الإسرائيلي على الحوسبة السحابية سيؤدي إلى شراكة مع أمثال «مايكروسوفت» و«أمازون» بـ«طرق مماثلة لعلاقاتهم الحالية»، مع كبرى شركات تصنيع الأسلحة مثل لوكهيد مارتن.
وبعد عامين، وبينما شرعت إسرائيل في غزو بري وحملة جوية على غزة، وهي حملة غير مسبوقة في سرعتها وكثافتها، كان الطلب المتزايد من جانب الجيش الإسرائيلي على القنابل يقابله احتياجه إلى قدر أعظم من الوصول إلى خدمات الحوسبة السحابية.
وقد أتاح هذا، الفرصة لشركة «مايكروسوفت» لتعميق علاقتها مع الجيش الإسرائيلي؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تشير الملفات إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لجأت إلى الشركة لتقديم الدعم السريع لوحدة الحوسبة المركزية للجيش، المعروفة باسم مارام.
وكانت مارام، المسؤولة عن البنية التحتية التكنولوجية للجيش، في طليعة التحول الذي شهدته القوات الإسرائيلية نحو الاعتماد بشكل أكبر على شركات الحوسبة السحابية التجارية.
وقد أخبر قائد الوحدة مؤتمراً للصناعة الدفاعية في تل أبيب العام الماضي كيف كانت أنظمة جيش الدفاع الإسرائيلي في بداية الغزو البري الإسرائيلي مرهقة، مما دفع الوحدة إلى شراء الطاقة الحاسوبية من العالم المدني.
aXA6IDE4LjIyMi4xMDIuNzEg جزيرة ام اند امز