الملياردير الإسرائيلي دان غيرتلر.. رحلة إمبراطور الألماس في نهب ثروات أفريقيا
الملياردير الإسرائيلي دان غيرتلر، إمبراطور الألماس في أفريقيا، هو الرجل الذي نهب ثروات الكونغو في الخفاء قبل أن يسقط جراء ممارسات فاسدة.
أسس جده "موشيه شنيتزر" بورصة الألماس الإسرائيلية عام 1947، أما الحفيد "دان" فقد ولد عام 1973، في عائلة تشارك تقليديًا في صقل الألماس وتسويقه، ولهذا نشأ "غيرتلر" وسط هذه الصناعة حيث استطاع أن يتعلم تجارة الألماس من والده وجده. وبدءًا من إرث عائلي متجذر في استغلال الألماس في القارة الأفريقية خلال الحقبة الاستعمارية، سار غيرتلر على خطى أسلافه.
وبمجرد أن أنهى خدمته الإلزامية لمدة 3 سنوات في القوات المسلحة الإسرائيلية فتح متجر الألماس الخاص به قبل أن يتجه إلى أعماق أفريقيا.
وفي سن الـ23 عامًا، توجه دان غيرتلر إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي كانت تشهد آنذاك دوامة من الاضطرابات والصراعات الدموية. خلال تلك الفترة المضطربة، كان زعيم المتمردين "لوران ديزيريه كابيلا" في حاجة ماسة إلى المال والأسلحة لشن هجومه على العاصمة كينشاسا. وعند هذه اللحظة الحاسمة قدم غيرتلر بذكاء 20 مليون دولار لدعم التمرد.
وفي عام 1996، أسس غيرتلر مجموعة شركات "دان غيرتلر" العالمية (DGI)، وحدثت الطفرة الكبرى إذ اشترى أول منجم له في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1997.
وقد توسعت تجارته مع الوقت، حتى بات يملك ٣٠ شركة عالمية عابرة للقارات، وكان يقود عمليات السلام في أفريقيا باسم الكونغو لتأمين شركاته، لا سيما بعد أن وضع يده على ثروات الكونغو الديمقراطية كاملةً، ذلك أنه بحلول عام 2001، كان من حق دان غيرتلر وحده الحق في شراء "جميع الألماس المستخرج من الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة الكونغولية".
صعود كابيلا
ومع صعود كابيلا إلى السلطة، استفاد غيرتلر من علاقته الوثيقة معه لتعزيز نفوذه، وتمكن من الوصول إلى حقوق استخراج المعادن بأسعار تفضيلية، بعيدًا عن معايير السوق العالمية. وفي المقابل، تعهد غيرتلر بضمان الدعم الدولي لنظام كابيلا من الدول الغربية.
وبعد اغتيال "لوران كابيلا" في يناير/كانون الثاني 2001، تولى ابنه جوزيف كابيلا السلطة. واستغل غيرتلر هذا التحول لصالحه، مستفيدا من قلة خبرة الرئيس الشاب في المجال السياسي، وعمل على تعزيز مصالحه. ووسط الشكوك والجدل الدائر حول مقتل لوران ووصول ابنه جوزيف إلى السلطة، فوض الأخير غيرتلر للتفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على دعمها وتأييد المجتمع الدولي ضد معارضيه.
قطاع التعدين
يعد قطاع التعدين ركيزة أساسية لاقتصاد جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ ساهم بنحو 55 بالمئة من إجمالي الإيرادات عام 2017، ويمثل 99 بالمئة من إجمالي الصادرات الوطنية عام 2023. وخلال فترة حكم جوزيف كابيلا الطويلة، فاز دان غيرتلر بعقود كبيرة ومشبوهة لتصدير الألماس والذهب والنفط والكوبالت وغيرها من المعادن الثمينة.
ونتيجة لذلك، أثبت غيرتلر نفسه كرجل أعمال وملياردير بارز في مجال التعدين العالمي، إذ أنشأ مجموعة دان غيرتلر الدولية (DGI).
ولم تقتصر شهرته على قطاعي الألماس والنحاس فحسب، بل توسعت استثماراته لتشمل مجالات أخرى مثل خام الحديد والذهب والكوبالت والنفط، بالإضافة إلى القطاعين الزراعي والمصرفي.
بداية السقوط
في ديسمبر/كانون الأول 2012 ، حجب صندوق النقد الدولي قرضًا بقيمة 500 مليون دولار للكونغو بسبب مخالفات فاسدة نتيجة احتكار شركات دان غيرتلر للمعادن من حكومة جوزيف كابيلا. في نفس الأسبوع، قطعت شركة الموارد الطبيعية الأوروبية الآسيوية (ENRC)، أكبر شريك لغيرتلر في تعدين النحاس في الكونغو علاقتها به.
من جهتها، قررت وزارة الخزانة الأمريكية وضع دان غيرتلر في قائمة الحظر المالي لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) لارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فضلا عن تورطه في قضايا فساد واحتكار هائلة، كما قررت الحجز على أصوله الموجودة بالولايات المتحدة، ومنعت أي شركة من التعامل معه بالدولار، وورد في بيان للخزانة الأمريكية أنه جمع ثروته عبر صفقات تعدين ونفط غامضة وفاسدة بمئات ملايين الدولارات.
العقوبات الأمريكية
هكذا، كون غيرتلر ثروته التي تقدرها فوربس بنحو 2 مليار دولار في عام 2023، من خلال الاستفادة من علاقاته مع أطراف متورطة في جرائم حرب. وقد حاول الهروب من قبضة العقوبات الأمريكية التي تبحث واشنطن تخفيفها حتى يتمكن من التخارج من الكونغو.
وبعد 3 سنوات من تشديد مسؤولي إدارة بايدن العقوبات عليه، فقد تراجعوا عن موقفهم وعرضوا على غيرتلر صفقة يأملون أن تعزز إمدادات المعدن الحيوي للسيارات الكهربائية.
ستسمح الخطة للمدير التنفيذي، دان غيرتلر، ببيع حصصه المتبقية في ثلاث شركات تعدين عملاقة للنحاس والكوبالت في الكونغو.
وبمجرد أن يبيع غيرتلر نصيبه بها، تأمل إدارة بايدن أن تكون الشركات ذات الميول الغربية أكثر استعدادًا للاستثمار في الكونغو، وربما تقديم إمدادات أكبر من الكوبالت إلى الولايات المتحدة مع تسابق شركات صناعة السيارات لزيادة الإنتاج المحلي من البطاريات.
لكن بعض المسؤولين في وزارة الخارجية والخزانة عارضوا بشدة هذه الجهود، قائلين إنه لا ينبغي السماح لغيرتلر بالاستفادة من صفقاته، التي جادلت إدارة بايدن في وقت سابق بأنها خدعت مواطني الكونغو للحصول على أكثر من مليار دولار من عائدات التعدين.
لمحات
1- يوصف غيرتلر بتدينه العميق وانتمائه للطائفة اليهودية الحريدية، ويعتبر أحد أتباع الحاخام الحريدي الشهير شموئيل أوريباخ.
2- بالإضافة إلى صداقته الوثيقة مع الرئيس الكونغولي السابق جوزيف كابيلا، حافظ غيرتلر على علاقات قوية مع شخصيات سياسية بارزة في إسرائيل وأفريقيا.
3- تورط غيرتلر في العديد من التحقيقات الدولية المتعلقة بالفساد والرشاوى، والتي أفضت إلى فرض عقوبات أمريكية عليه وعلى شركاته.
4- العقوبات الأمريكية فرضت تجميدًا على أصوله في الولايات المتحدة ومنعته من التعامل مع الشركات والبنوك الأمريكية، مما أثر بشكل كبير على أعماله الدولية.
5- غيرتلر أقام شراكات مع رجال أعمال بارزين في صناعة التعدين والموارد الطبيعية، ما عزز من نفوذه في هذه الصناعة.
6- غيرتلر استخدم وسائل الإعلام لمحاولة تحسين صورته والتأثير على الرأي العام بشأن نشاطاته في الكونغو الديمقراطية.
7- في مسعى لتخفيف العقوبات المفروضة عليه، جرت محادثات بين جيرتلر ووزارة الخزانة الأمريكية لبحث إمكانية تخفيف العقوبات مقابل تخارجه الكامل من الكونغو الديمقراطية.