مؤتمر الأستانة.. "واقعية" الأرض تواجه "جمود" الشعارات
بينما بدأت بعض المواقف تتبدل، استنادا للتطورات على الأرض السورية، لا تزال عقارب الساعة عند المعارضة السورية متوقفة عند يونيو 2012.
قبل نحو أربعة أعوام، وتحديداً في يونيو/ تموز 2012، اتفقت مجموعة العمل الدولية من أجل سوريا في مؤتمر "جنيف" على ست نقاط لحل الأزمة السورية، كان أهمها تشكيل حكومة وطنية كاملة الصلاحيات.
وخلال المؤتمرات التي أعقبت هذا التاريخ "جنيف 2 " و"جنيف 3 "، لم يتم الاستقرار على كيفية تشكيل هذه الحكومة، إذ رأت المعارضة أن تشكيلها يعني رحيل بشار الأسد، بينما تمسك النظام السوري خلال المفاوضات بمقولة "الحديث عن رحيل الرئيس خط أحمر".
وقتها كانت خريطة المؤيدين لموقف المعارضة تشمل تركيا والسعودية وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، فيما كانت خريطة المؤيدين لموقف النظام تشمل روسيا وإيران بشكل أساسي.
وبينما بدأت بعض المواقف تتبدل مثل الموقف التركي، استناداً إلى التطورات التي حدثت على الأرض السورية، ومنها استعادة النظام السوري بمساعدة روسيا سيطرته على قطاع كبير من الأرض السورية، لاسيما مدينة حلب الاستراتيجية، لا تزال عقارب الساعة عند المعارضة السورية متوقفة عند تاريخ يونيو/ تموز 2012.
ويأتي المؤتمر الذي تستضيفه غد الإثنين العاصمة الكازاخية أستانة حول الأزمة السورية متجاوباً مع هذه التطورات، إذ تم الإعداد لعقده بالتنسيق بين تركيا وروسيا، حيث شهدت مواقفهما تنسيقاً في الملف السوري، تخلت بموجبة تركيا عن مطلب "رحيل الأسد"، في مقابل السماح لها من حلفاء بشار الأسد بتحقيق أهدافها في الشمال السوري بإبعاد المسلحين الأكراد وتنظيم داعش عن الحدود.
ووفقاً لما هو مقرر للمؤتمر سيتم مناقشة تثبيت وقف إطلاق النار بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة، تمهيداً لإجراء حوار سياسي، يفضي إلى حل للأزمة السورية.
ويرى الواقعيون أن هذا المؤتمر يؤسس لمسار بديل عن مؤتمرات جنيف، إذ أنه يتعامل مع بشار الأسد كأمر واقع يجب التعامل معه، وأن الحديث عن رحيله في هذه المرحلة ما هو إلا ضرب من الخيال.
ويقول هؤلاء، إن تثبيت وقف إطلاق النار حال تم الاتفاق عليه في المؤتمر سيرسخ أقدام الأسد، ليصبح الحديث عن رحيله في أي مفاوضات سياسية، مطلباً غير واقعي.
في المقابل، فإن المعارضة ترفض الاعتراف بهذا الواقع، وتقول إن الأستانة ما هو إلا "جزء من عملية سياسية للتمهيد لمفاوضات جنيف"، بما يعني أنه ليس إطار للمفاوضات وإنما هو جزء من عملية الإعداد لعملية سياسية تهدف في النهاية إلى رحيل بشار الأسد.
اللافت أن المعارضة تتمسك بهذا المطلب، الذي تحول إلى شعار ترفعه في أي مناسبة، رغم أن تركيا أكبر داعم لها، عبرت بشكل واضح وصريح عن تخليها عن هذا الشعار.
وقال نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك الجمعة خلال منتدى دافوس بسويسرا "إن الحقائق على الأرض في سوريا قد تغيرت كثيراً وبالتالي "لم يعد واقعياً أن تصر أنقرة على تسوية الصراع في سوريا بدون مشاركة بشار الأسد".
والحقيقة أن هذا التصريح، وإن كان واضحاً ولا يقبل تأويلاً أو تفسيراً، فإنه لم يكن مفاجأة، ففي سبتمبر / أيلول 2015 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "الأسد يمكن أن يشكل جزءاً من مرحلة انتقالية في إطار حل للأزمة السورية".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للصحفيين بعد اجتماع مع نظيريه في إيران وتركيا، إنهم اتفقوا على أن الأولوية في سوريا هي لمحاربة الإرهاب وليست الإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد.
والمثير للدهشة أن المعارضة السورية ورغم ذلك، لا تزال تصر على أن تركيا تؤيد مطلب رحيل الأسد، وأنه ما خرج عن نائب رئيس الوزراء التركي، ليس بالضرورة تعبير عن موقف الرئيس التركي.
وكتب خالد خوجة، الرئيس السابق للائتلاف السوري على حسابه بموقع "تويتر" معبراً عن هذا المعنى بقوله: "من الأرجح أن تكون تصريحات نواب رئيس الوزراء التركي بشأن سوريا انعكاساً لتيار معين ولكنه غير ذي تأثير على توجه الرئيس أردوغان".
ما كتبه خوجة، يفهم منه أن نائب رئيس الوزراء التركي ينتمي إلى تيار سياسي مغاير للرئيس، وهو أمر منافٍ للحقيقة، ما يعني أن المعارضة السورية غير قادرة على مسايرة الواقع الذي حدث الأرض وتسبب في تغيير بمواقف الدول، سيتم التعبير عنه في مؤتمر الأستانة.