يوماً ما وبعد محاولات عديدة لإحدى السلاحف للتخلص من القوقعة التي كانت تعتبرها مصدر ثُقل وهَم لابد من التخلص منه، ومع تشجيع بعض حيوانات الغابة والعمل على مساعدتهم لها بشتى الطرق لكي تتخلص من قوقعتها وتحظى بالحرية المطلقة التي طالما حَلُمت بها.
حيث ظنت أنها ستتفاخر بهذا الإنجاز أمام قُرنائها. يالها من مسكينه لم تَكْتَمِل فَرْحَتها، فما أن تخلصت من القوقعة التي كانت دِرعُها المنيع عند المخاطر، ومَلجَأها الوحيد عند الراحه وأصبحت خارجها، اعتقدت أن حُلمها تحقق فأخذت تنطلق مُسرعه لكي تنعم بالحرية التي تبحث عنها "وفق اعتقادها" وهي خَطوات لم تكتمل وإلا بمجموعة من النسور التي كانت تترصدها تنقض عليها بسُرعة البرق وتتقاسَمها كوجبة غداء في عالم الغابه الذي يُعتبر من أهم قوانينه: البقاء للأقوى.
يشير علماء الاجتماع وعِلم النفس الاجتماعي إلى أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بالبيئة الاجتماعية من حوله ويتعايش مع مكوناتها. حيث لخص أبي نصر الفارابي "المجتمع" بأنه كالكائن الحي الذي يتكاتف أعضاءه ويتعاونون من أجل الحفاظ على هذا الكائن. كما أن مُقدمة ابن خلدون سلطت الضوء على الانتماء الإنساني والدور التكاملي الذي يقوم به البشر للتعايش والتآلف فيما بينهم، حيث لا يستطيع الإنسان العيش وقضاء احتياجاته لوحده بل لابد من التعايش مع ما حوله من كائنات، ويستثمر ما يحيط به من مُمَكِنات. لذلك فإن عملية الانسجام مع البيئة الاجتماعية المناسبة تلعب دور كبير في تحقيق "الانتماء الإيجابي" و"الاحتواء المجتمعي".
الانتماء الإيجابي
يتلخص مفهوم الانتماء الايجابي في مثال "قوقعة السُلحفاه" أعلاه، فالقوقعة تُمثل العائله أو الوطن أو الوظيفة أو حتى المجتمع بما يحتويه من قيم وعادات تحمينا من مخاطر تحيط بنا وتحفظنا من تحديات مجهوله. فكم من أشخاص في عالمنا تنازلوا أو استهانوا بقوقعتهم التي تعتبر بمثابة الملاذ الآمن لهم من حيث لا يشعرون، فقد نرى أحدهم يهجر وطنه الذي تربى وكبر في ربوعه إلى ما هو مجهول، أو فرد يبتعد عن مُجتمعِه الذي عاش فيه إلى بيئة لا تعنيه، أو شاب يترك عائلته التي كانت مصدر قُوته ليلهوا بعالم لا يَمُت اليه بصله، أو مُوظف يستهين بوظيفته وواجباتِها ويعتبرها مصدر ثُقل عليه ومن ثم يكتشف أن هذه الوظيفة كانت له الأمان في وقت يتمنى آلاف الأشخاص هذه الوظيفة، ويتضح له أن وجود هذا الوطن والمجتمع هو أساس السعادة والاستقرار. فانتماء الفرد الإيجابي لمحيطه الاجتماعي المتوافق مع مبادِئه وخصائصه له دور كبير في الحفاظ على هذا الفرد وحمايته وتحقيق الاستقرار للمجتمع المحيط به.
الاحتواء المجتمعي
إن أهمية الاحتواء المجتمعي قد تتضح جَلياً في ظروف عالمنا الحالي، فهناك من يُحاول أن يُصبح مثل هذه "السلحفاء" غير مدرك لأهمية هوية الاحتواء المجتمعي التي يعيشه، وآخر يحاول أن يستخدم أدوات الحرية الخاطئة ووسائل الانفتاح السلبية ليتحرر من وطن يَحميه أو مُجتمع يَحويه أو عائلة تَأويه أو وَظيفة تُنجيه، فيخسر طوق الحماية الذي يوفره له هذا "الاحتواء المجتمعي" ليقع في فخ الأوهام الذي يعيشه أو يكون لقمه سائِغه لمترصديه، أو يُصبح أداة يتم استغلاله بها، ومن ثم يصحو من الوهم الزائف ويكتشف مدى حاجته لهذا الوطن وعَظَمته، أو لذلك المجتمع وقُوته، أو لهذه العائلة ومَكانتها، أو لِتلك الوظيفة وقيمتها، ولكنه للأسف استيقظ بعد أن فات الأوان وفقد الأمان وخَسِر الرهان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة