الشيخ محمد بن زايد في أزمة كورونا أثبت للعالم ومن جديد أن غرس زايد الخير يعطي كل يوم ويقدم للداخل والخارج كيلا وافيا وشافيا بكل جديد
ما الذي تعنيه طائرة الإمارات التي تحمل المساعدات العاجلة والطارئة إلى جمهورية إيطاليا؟
بلا شك، إنها لمسة إنسانية تكشف عن وجه قائد إماراتي فارس من فرسان الخير بدرجة ولي عهد، قادر على إدارة دفة الأزمة بروح إنسانية وثابة، تقفز على العنصريات والقوميات، عملة نادرة في زمن الأصوليات المهلكة والهويات القاتلة.
مثيرا شأن التوجه الإماراتي الإنساني والوجداني، ففي حين كانت دول أوروبية شقيقة تقصر في تقديم يد العون للإيطاليين جاءت الإمارات لتوضح أن الشراكة في الإنسانية تتجاوز الجغرافيا، وتلتقي على صفحات التاريخ ناصعة البياض.
أصبحت الإمارات العربية المتحدة حلما ورسالة بأكثر منها دولة ووطنا، وبات قادتها ينطبق عليهم ما ذهب إليه كبار علماء السياسة من أنهم القادرون على تحقيق الآمال العظيمة والتأثير الإيجابي في الآخرين، لا سيما أنها قيادة صادقة ومنظمة ومجتهدة وغير مندفعة، بناءة وسباقة إلى معارج الفضيلة
الشيخ محمد بن زايد في أزمة كورونا أثبت للعالم ومن جديد أن غرس زايد الخير يعطي كل يوم، ويقدم للداخل والخارج كيلا وافيا وشافيا بكل ما هو جديد ومفيد.
ترك زايد الخير- رحمه الله- نموذجا رائدا وقائدا من العمل الإنساني الخلاق المسارع إلى استنقاذ البشرية، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو اللون، كان همه الوحيد هو الإنسان في أي زمان أو مكان.
في هذا السياق، كان من الطبيعي لعيال زايد أن يمضوا في أثر هذا النموذج الصالح والمحبب إلى القلوب، نموذج الكرم العربي والضيافة الأصيلة، ووحدة العمل الإنساني، وجميعها ضاربة بجذورها في العالم العربي والحضارة العربية، وقبل أن تطرأ فكرة حقوق الإنسان على الأذهان فقد كانت مكتوبة في الصدور.
ظهر الشيخ محمد بن زايد خلال أزمة كورونا في مظهر يليق برجل القيادة القادر على الارتقاء إلى ما بعد اللحظة وعمق مأساتها، والعبور بمن معه والنجاة في قارب الإمارات الفسيح والمتسع بالابستومولوجيا التاريخية (المعرفة البناءة)، والبعيد عن ضيق التعصب أو التزمت القاتل الذي يهدم الجسور ويقيم الجدران.
أصبحت الإمارات العربية المتحدة حلما ورسالة أكثر منها دولة ووطنا، وبات قادتها ينطبق عليهم ما ذهب إليه كبار علماء السياسة من أنهم القادرون على تحقيق الآمال العظيمة والتأثير الإيجابي في الآخرين، لا سيما أنها قيادة صادقة ومنظمة ومجتهدة وغير مندفعة، بناءة وسباقة إلى معارج الفضيلة.
يغرد أبو خالد منذ أيام قليلة بالقول "في هذه الأزمنة نفخر بمواقف المواطنين والمقيمين، ولنا الشرف في خدمتهم، ونعتز بإخواننا المقيمين الذين نسعد بهم على أرضنا، قمة الوفاء حين نراهم يرددون النشيد الوطني الإماراتي في هذا الوقت الصعب".
ويضيف ولي عهد أبوظبي حفظه الله: "نحن محظوظون بالجميع في وطننا، وبمشيئة الله سنتجاوز معا هذه المرحلة".
الكلمات السابقة سوف تكتب في سجل الإنسانية الكبير بحروف من نور، بل أكثر من ذلك فإننا لا نغالي إن قلنا إن هذه التصريحات وموقف الإمارات قيادة وشعبا لا سيما من المقيمين على أرضها، أولئك الذين يصفهم محمد بن زايد بالإخوة، سوف تضحى منعطفا تاريخيا، بل بمثابة فاصلة في سجل الزمن الكبير، فيما يخص الرؤية للمغاير جنسا أو لونا، اسما أو رسما، مذهبا أو وسما، على أرض الإمارات.
محمد بن زايد لا يرى النجاة طريقا أحاديا فرديا، ولا يستخدم أبدا صيغة الأنا، بل دائما وأبدا ينحو في طريق الـ"نحن"، وهذا أمر يتسق مع حال العالم الذي وصفه أديب فرنسا الكبير اللبناني الأصل أمين معلوف عبر ثلاثيته الشهيرة التي تؤرخ للهويات القاتلة، التي تؤدي إلى اختلال العالم، وتاليا تأخذنا في إطار غرق الحضارات.
نحن.. عند الشيخ محمد بن زايد هي التي لا يقدر عليها سوى القادة الاستثنائيين، أولئك الذين وصفهم المفكر العربي الكبير عبد الرحمن الكواكبي بأنهم "يفكرون بعزم ويعملون بحزم، ينبهون الناس ويرفعون الالتباس، ولا ينفكون إلا حين ينالون ما يقصدون".
يضحى من الطبيعي جدا أن يعلو صوت المقيمين على أرض الإمارات بالنشيد الوطني الإماراتي، فالوطن ليس حفنة تراب، إنه مودات وشراكة أحلام، وعلى أرض الإمارات يجد القاصي والداني إمكانية حقيقية لاعتبار هذا البلد وطنا دافئا بمشاعر سكانه وحكامه، على حد سواء.
مؤلم أن يرقب المرء المحقق والمدقق كيف يتم النظر إلى الغريب والمقيم في بعض دول الإقليم المجاور، وإن لم تكن نظرة رسمية، إنما "حزازات" صادرة لدى الأفراد الذين يرون المكان الطبيعي للأجنبي المقيم على أراضيهم هو الصحراء، حيث التيه والضياع، ما ينافي أو يجافي أي مبادئ عروبية، أو أخلاق إسلامية، لا سيما في أوقات المحن هذه.
هناك أحداث في الحياة الشخصية والحياة المهنية للقادة تصبح لحظات حاسمة وتاريخية بالنسبة لقيادتهم، وفي إدراك التابعين والجماهير وكذا المؤرخين، وعندما يتعلق الأمر بالعمل مع الناس يأتي القلب أولا قبل العقل، وقد رأينا جميعا مكنونات قلب "أبو خالد" تجاه مواطنيه، وناحية إخوانه من المقيمين على أرض الإمارات، والأشد غرابة وعجبا ومدعاة لتقديم المزيد من الاحترام لهذا القائد الكاريزماتي المثير للإعجاب، أن جل هؤلاء ربما من غير العرب وليسوا من المسلمين أو من الموحدين، مغلبا بذلك الإيمان بالإنسان بوصفه صاحب القضية، وهو الواجب الاهتمام به في الحال والاستقبال.
هل مواقف "أبو خالد" هذه لها انعكاسات على مستقبل الإمارات بعد زوال هذه الغمة؟
مؤكد أن البشرية سوف تنتصر عما قريب جدا بأمر الله على جائحة كورونا هذه، وساعتها سوف يتجلى نموذجه القيادي في قلوب وعقول من يعيشون على أرض الإمارات العربية المتحدة، لا سيما أن بينهم نموذجا بارعا من القادة الجيدين الذين يعملون على الارتباط بين الناس طوال الوقت، ومن المعروف أنه كلما كانت العلاقة بينك وبين تابعيك أقوى كان الارتباط الذي تنشئه أكبر، وزادت احتمالات أن يرغب هؤلاء التابعون في مساعدتك.
عام 1513 أعد الإيطالي "نيكولا ميكافيلي"، كتابه الأشهر الأمير ليهديه إلى "لورينزو الثاني دي ميديتشي"، لمساعدته في تدابير شؤون حكمه، وإحكام قبضته على رعيته.
في "الأمير" يتساءل ميكافيلي: "أيهما أفضل أن يكون الأمير محبوبا أم مرغوبا؟
الجواب عند أبو الميكافيلية، حيث التبرير الموجود لأي شيء وكل شيء، وبدون أي وازع من قيم أو ضمير أو مبدأ هو أن الغاية تبرر الوسيلة، وعليه أن يكون الإنسان مرهوبا أفضل من أن يكون محبوبا.
عند عتبات الإمارات تنكسر هذه الرؤية، فمحمد بن زايد قائد محبوب وليس مرهوبا.. إنه أخ في الإنسانية، ورفيق بأخلاقياته العالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة