جلال الدين الرومي صاحب «المولوية» وسبب «قواعد العشق الأربعون»
ما زال شعر جلال الدين الرومي يلقى إقبالا واسعا في جميع أنحاء العالم، يتذوقه محبو التصوف الباحثون عن صلة للتعلق بالله، ويقدرون قائله صاحب "المثنوي".
ولد الشاعر المتصوف جلال الدين الرومي في مدينة بلخ في خراسان (المعروفة بأفغانستان الآن) في 30 سبتمبر 1207 ميلاديًا، كان والده بهاء الدين ولد صاحب معرفة كبيرة وعلم واسع، وكان يُلقب بـ "سلطان العارفين"، ووالدته كانت مؤمنة خاتون ابنة خوارزم شاه علاء الدين محمد، نهل الرومي من العلم ما استطاع على يد والده والشيخ سيد برهان الدين محقق، حتى صار عَلَمًا في التصوف وشاعرًا متعلقًا بحب الله.
الشاعر جلال الدين الرومي
نسبه "جلال الدين محمد بن بهاء الدين محمد بن حسين بن أحمد الخطيبي بن القاسم بن المسيب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق التيمي القرشي البكري البلخي"، ويعرف بـ "جلال الدين الرومي".
انتقل مع عائلته من بلخ، بعد أن اجتاحها المغول، إلى نيسابور في إيران، حيث التقى الشاعر الصوفي فريد الدين العطار وقرأ ديوانه "أسرار نامه"، الذي أثر فيه وكان انطلاقته في عالم الشعر الروحاني. لم تمكث أسرة جلال الدين الرومي طويلا في نيسابور، فاستمر التنقل من الشام إلى مكة، حتى وصلوا الأناضول (تركيا الآن).
تزوج جلال الدين الرومي مرتين، الأولى من جوهر خاتون، التي أنجب منها ابنه سلطان ولد وأخيه علاء الدين شلبي، وبعد وفاته تزوج مرة ثانية وأنجب ابنه أمير العلم شلبي وابنته ملكة خاتون.
علم جلال الدين الرومي
بدأ جلال الدين الرومي رحلة العلم تلميذا على يد والده والشيخ سيد برهان الدين محقق، وذلك بعد أن انتقل مع والده إلى مدينة قونية، وتولى الأب إدارة مدرستها، وبعد أن أتقن الرومي علوم الفقه وألم بالعلوم الإسلامية، تولى التدريس في قونية لمدة 4 سنوات.
خلال رحلته مع العلم، انتقل الرومي إلى دمشق، حيث قابل محي الدين بن عربي واكتشف كتاباته العربية، ومنها كتاب "الفتوحات المكية"، ودرس خلال أربع سنوات مع مجموعة من المفكرين وعلماء الدين، من بينهم عبد القادر الجيلاني، واستطاع الرومي أن ينمي الجوانب المعرفية لديه، ويستعد لنقل وتدريس العلم.
استطاع جلال الدين الرومي أن يجذب الأشخاص من الديانات والملل المختلفة، وأن يصنع جسر روحاني للتواصل مع الله، فكتب الشعر الصوفي، وقام بتدريس الفقه على مذهب الحنفية، واستطاع أن يستخدم الموسيقى والشعر في الذكر والاتصال الروحاني بالله واكتشاف حكمته وبيان رحمته، كما اعتاد أن يقدم الحكم والمواعظ لمريديه.
جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي
جمعت جلال الدين الرومي والشاعر الصوفي شمس الدين التبريزي علاقة قوية منذ التقيا عام 1244 في مدينة قونية، حيث ظلا معا لا يفترقا، فكأن كل منهما وجد ضالته في الآخر، واجتمعا على التبحر في الصوفية وكتابة الشعر والموسيقى، ولكن الموت أبعد التبريزي عن الرومي، الأمر الذي أحزنه، وكان سببا في كتابة ديوانه "الديوان الكبير"، أو "ديوان شمس الدين التبريزي".
جلال الدين الرومي والمولوية
ظهرت المولوية بعد وفاة جلال الدين الرومي، وكان ابنه سلطان ولد هو من أسسها بعد أن استلهمها من والده، وهي حركة الرقص الدائرية التي كانت تجسد علاقة الموسيقى والشعر بالاتصال الروحاني والوصول إلى الله، فكان الرومي يشجع على الاستماع إلى الموسيقى المعروف بـ "السماع" عند الصوفية، في أثناء دوران الشخص حول نفسه في حركات منسجمة هدفها أن تأخذ الشخص لرحلة روحية للوصول إلى الكمال.
ومنذ تأسيسها وحتى الآن تشهد الحركة زخما كبيرا، ويتبعها كثر من جميع أنحاء العالم، يؤمنون بأن الصوفية طريق المحبة والوصول إلى الله، وصارت رقصة المولوية صاحبة شهرة كبيرة، ويحضر طقوسها ملايين في مصر وتركيا وغيرها.
كتب جلال الدين الرومي
طلب الرومي من مريديه وأتباعه أن يضعوا أفكاره ومبادئه في كتاب باسم "المثنوي"، الذي يضم خبرته وإرشاداته القرآنية المستوحاة من حياته وقصصه اليومية، وينقسم إلى ستة مجلدات.
نظم جلال الدين الرومي الشعر وكتب القصائد باللغة الفارسية واللغة العربية أيضا، ومن أهم دواوينه "الديوان الكبير"، كما كتب "الرباعيات" التي أحصاها بديع الزمان فوزانفر، وقد بلغت 1659 رباعية، وهناك أيضا "المجالس السبعة"، و"رسائل المنبر"، ويتم تقديم مؤلفاته اليوم بصورة مختلفة وبأسماء تناسب تقسيم المحتوى الغني الذي خلفه.
وبخلاف ما كتب، امتد أثر جلال الدين الرومي لقرون، فكان مصدر إلهام للكاتبة التركية إليف شافاق وسببا في صدور كتابها "قواعد العشق الأربعون"، الذي يبرز صداقة الرومي والتبريزي، والتعاليم والأفكار التي يمكن استلهامها منهما.
أجمل ما قال جلال الدين الرومي
ظلت مقولات وحكم جلال الدين الرومي راسخة في الأذهان، واستطاعت أن تجتذب إليها مؤمنين جدد ينفعلون ما كتب ويتعلمون منه، أما المقولات التي ما زالت تحظى باهتمام وشغف كثيرين إلى الآن، فمنها:
- "أينما كان النورُ فأنا الشغوفُ به، وأينما كانت الزهرةُ فأنا الفراشةُ، وأينما كان الجمالُ فأنا العاشقُ، وأينما كانت الحكمةُ فهي ضالتي"
- "يا لساني أنت كنزٌ لا يُعَدّ
- يا لساني أنت غمٌّ لا يُحَدّ"
- "تعرف الأحطاب من ريح الدخان واعتلال القلب في الطرف يبان"
- "حين تشبهت بالآخرين، أخفقت في ملاقاة ذاتي. نظرت إلى الداخل واكتشفت أنني لا أعرف سوى اسمي، عندما خطوت إلى الخارج وجدت ذاتي الحقيقية"
وفاة جلال الدين الرومي
كان في وفاة جلال الدين الرومي رسالة للتسامح والتآلف، فعندما رحل في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1273، وحمل نعشه حينها أشخاص من خمس ملل مختلفة ، وتم دفنه في قبر إلى جانب والده، وصار يوم وفاته يوم للاحتفال بالنسبة لمريديه ويلقبونه بـ"العرس".
ويمتلك جلال الدين الرومي مكانة كبيرة في قلوب الملايين من المسلمين ومحبي التصوف من حول العالم، ويوجد متحف باسمه في مدينة قونية في تركيا، وصورته المتخيلة مطبوعة على الليرة التركية.
aXA6IDMuMTIuMTUxLjExOCA= جزيرة ام اند امز