جيمس بوند رجل.. حتى تثبت حسابات "شباك التذاكر" العكس
النقاش حول تلك الفرضية بدأ يطفو على السطح في تصريحات لعدد من نجمات هوليوود اللواتي أبدين رغبتهن بأداء شخصية الجاسوس البريطاني.
تشهد دوائر الإنتاج في هوليوود مؤخراً موجة جديدة من حالة الجدل التي بدأت تُثار نقاشاتها تحت عنوان "تمكين نساء هوليوود"، استهدفت هذه المرة أفلام السلسلة السينمائية الأطول في التاريخ "جيمس بوند"، وذلك بعد ارتفاع أصوات تتحدث عن فرضية أن يخلف دانيل كريج في أداء شخصية العميل البريطاني (007) في النسخة الـ26، امرأة.
ورغم أن أياً من مسؤولي شركة Eon Productions، التي تمتلك جميع حقوق اقتباس روايات إيان فليمنج عن شخصية جيمس بوند لم يصدر عنهم تصريح في هذا الخصوص، إلا أن النقاش حول تلك الفرضية بدأ يطفو على السطح في تصريحات لعدد من نجمات هوليوود اللواتي أبدين رغبتهن بأداء شخصية الجاسوس البريطاني، ومنهن نجمة فيلم طروادة "Troy" ديان كروجر، التي تحدثت في مقابلة مع صحيفة "i" عن حلمها في أن تكون أول امرأة تصور هذه الشخصية.
بالمقابل ظهرت أصوات معارضة لفكرة بأن تؤدي شخصية جيمس بوند امرأة، كان آخرها النجمة إيفا جرين، التي قدمت شخصية "فيسبر ليند" إلى جانب دانييل كريج في سلسلة جيمس بوند الـ21 "كازينو رويال" (Casino Royale) إذ أبدت رفضها في تصريحات للصحفيين أثناء افتتاح فيلمها "دومبو" (Dumbo) من أن تؤدي امرأة شخصية جيمس بوند في النسخة المقبلة من السلسلة، وقالت إنَّه استناداً إلى تاريخ الشخصية فإن جيمس بوند في جوهره رجل وليس من المنطقي أن يكون امرأة.
ما بين مؤيدي الفكرة ومعارضيها، كان النقاش يدور حول سؤالين رئيسيين، إذ يقول المؤيدون إن شخصية جيمس بوند فكرة ولدت في كتاب وانتقلت إلى الشاشة، وتناوب على أدائها 6 رجال، فما الذي يمنع أن يكون سابعهم امرأة، ما دام جيمس بوند ليست شخصية حقيقية لرجل؟!
ويرد معارضو الفكرة بالقول: لماذا تظهر امرأة في شخصية قدمها رجل في 25 نسخة، ألا تستحق المرأة شخصية تمثيلية قائمة بحد ذاتها، ضمن سلسلة جديدة تأخذ فيها دور البطولة؟!
من حيث المبدأ، مبدأ أحقية المرأة بالشخصية ذاتها في سلسلة جيمس بوند، أو شخصية بوزنها في سلسلة جديدة، يأخذ نقاش المؤيدين والمعارضين على هذا النحو، مساراً يسيء للمرأة رغم أن عنوانه العريض هو احترامها وتقديرها؛ إذ يبدو الجميع كمن فطن فجأة لوجود هذا الكائن في المشهد السينمائي وأراد أن يعطيه حقها المهضوم، وإلا لماذا تثار اليوم نقاشات حول أهلية المرأة للقيام بأدوار البطولة على هذا النحو، رغم أن قائمة أفلام هوليوود لا تخلو من أفلام كانت المرأة فيها محور الحكاية، ومنها على سبيل المثال، ما شاهدناه مؤخراً من أفلام على الترتيب: "Bird Box" و"Captain Marvel" و"US"؟!
ثم أن 6 رجال تعاقبوا على تأدية شخصية جيمس بوند منذ عام 1962، فلماذا لم يظهر من ذلك التاريخ، من يقول لماذا لا يكون من بين هؤلاء الرجال الـ6 امرأة، ولاسيما في السنوات الأخيرة التي كان يفصل بين النسخة والتي تليها 4 سنوات تقريباً، وهي مدة كافية لإثارة مثل هذه النقاشات.
لسنا هنا في معرض "شيطنة" الأصوات المؤيدة والمعارضة للفكرة، ونعتقد أنها ورغم تناقض مواقفها، تتصرف ببراءة متأثرة بالحملات التي ظهرت خلال السنتين الأخيرتين تطالب بتشجيع النوع الاجتماعي وتحقيق التوازن بين الجنسين في مجالات العمل بصناعة الأفلام خلف الكاميرا، بل ولدينا قناعة أيضاً، بأن كلاهما لديه الأسباب الموجبة لطرحه ما يجعله صحيحاً، ولكن كل تلك الأصوات غفلت عن مسألة شديدة الأهمية، وهي إلى أي مدى ستكون الشركة المالكة لامتيازات سلسلة جيمس بوند، مستعدة، بالفعل، لإجراء مثل هذا التغيير (الثوري) في شخصية جيمس بوند؟!
تاريخياً لم يبدِ منتجو جيمس بوند تفاعلاً مع أي من الحملات الاجتماعية التي شهدتها هوليوود أو محيطها الاجتماعي إلا من باب حسابات البزنس لا المسؤولية الاجتماعية، فقد سبق ونأى هؤلاء بنجمهم جيمس بوند عن الحملات التوعوية الخاصة بمرض الإيدز التي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي، فظل جيمس بوند يتنقل بين مخادع الفتيات بلا أي مبالاة، في وقت كانت أوروبا كلها تعج بحملات توعوية بهذا المرض الخطير وأسبابه، وفي العام الفائت كشف المخرج داني بويل عن أسباب انسحابه من تنفيذ النسخة الجديدة من سلسلة جيمس بوند، بأنه يعود إلى رفض الجهة المنتجة إجراء تغييرات في شخصية "بوند" من شأنها أن تسهم في انخراطه في الحملات الإنسانية التي انطلقت من هوليوود مؤخراً مثل: حملة "أنا أيضا"، ومبادرة "انتهى الوقت".
وفي كل مرة، كان النأي بجيمس بوند عن الحملات التوعوية والاجتماعية السابقة مرده رفض الشركة المنتجة المساس بجوهر شخصية العميل 007، وهو ما عبرت عنه صراحة منتجته ميشيل ويلسون في حوار سابق لمجلة "بروميير الفرنسية، بقولها: "لا يمكن لأي مخرج أو منتج أو حتى كاتب سيناريو أن يدعي قدرته على التلاعب بالشخصية كما يريد، اللهم إلا مخترعها"، فلماذا نعتقد اليوم أن أصحاب امتياز "جيمس بوند" سيستجيبون لحملات مشابهة، أو لمجرد تمنيات لهذه النجمة أو تلك؟
ننسى أو نتناسى أن السينما بالأخير صناعة تستهدف الربح، وأن تشدد أصحاب امتياز "جيمس بوند" لجهة عدم المساس بشخصيته، لا يعود لاحترامهم للإرث الذي خلفه إيان فليمينج، وإنما بالغالب لأسباب تجارية تتعلق بكونه وصفة جاهزة لشخصية سينمائية استطاعت أن تحصد إيرادات عبر تاريخ السلسلة، بحسب ويكيبديا، تعادل نحو 13,283 مليار دولار مقابل ميزانيات بلغ مجموعها نحو 2,208 مليار دولار. ولا أعتقد أن الشركة مستعدة لتغيير تلك الوصفة المضمونة لحصد الإيرادات، إلا في حالة واحدة، تتعلق بحسابات شباك التذاكر التي تفوق الإيرادات السابقة، وعندها بالتأكيد لن يكون هذا التغيير انتصاراً للمرأة في هوليوود بل استثماراً فيها.