تكتسب دعوة المملكة العربية السعودية لمصر لتكون ضيف شرف الدورة الحالية الحادية والثلاثين لمهرجان الجنادرية أهمية خاصة فى ظل ما يتردد من خلاف فى وجهات النظر بين البلدين حول بعض القضايا العربية وفى مقدمتها الموقف من الإخوان فى الداخل والأزمة السورية فى الخار
تكتسب دعوة المملكة العربية السعودية لمصر لتكون ضيف شرف الدورة الحالية الحادية والثلاثين لمهرجان الجنادرية أهمية خاصة فى ظل ما يتردد من خلاف فى وجهات النظر بين البلدين حول بعض القضايا العربية وفى مقدمتها الموقف من الإخوان فى الداخل والأزمة السورية فى الخارج، ذلك أن هذا الاحتفاء بمصر الذى وجدته هنا على جميع المستويات انما يؤكد أن مثل هذا الخلاف ينبغى أن ينظر له فى إطار العلاقات التاريخية الوثيقة التى تجمع البلدين والتى تؤكدها الروابط الثقافية المشتركة التى توحد جميع الشعوب العربية.
ففى الوقت الذى تعدد أجهزة الإعلام على الجانبين المصرى والسعودى جوانب الخلاف فى الرأى بين الحكومتين والتى أدت الى إحجام السعودية عن تقديم بعض المساعدات المقررة لمصر، فقد استمعت الى الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطنى فى حفل الافتتاح وهو يشيد فى وجود الملك سلمان بن عبد العزيز راعى المهرجان، بثقل مصر الثقافى وبتاريخها الحضارى وبدورها العربى الذى لا يمكن إنكاره، وهى الكلمة التى رد عليها وزير الثقافة المصرى الكاتب الصحفى حلمى النمنم بكلمة رصينة لقيت قبول الجميع أكد فيها عمق الروابط بين البلدين «رغم العواصف والزوابع» وقال النمنم إن الحفريات الأثرية والبحوث التاريخية تؤكد الترابط التاريخى بين الجزيرة العربية ووادى النيل قبل وبعد الفتح الإسلامي، مذكرا بأن الفتح الإسلامى استقبل بترحاب من جانب الشعب المصرى الذى عانى الويلات تحت حكم الرومان، كما أشار الوزير الى امتداد هذه العلاقات إلى العصر الحديث ابتداء من عهد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية والملك فؤاد الأول فى مصر.
أما العواصف والزوابع التى أشار إليها وزير الثقافة فى كلمته فقد تراجعت تماما خلال الفاعليات الثقافية للمهرجان الذى أفرد ندوتين من ندواته لموضوع السعودية ومصر: تاريخ من العلاقات الراسخة والمسئوليات القومية والإقليمية دعى اليها من مصر الدكاترة والأساتذة خالد عزب وجمال شقرة ومعتز عبد الفتاح وخالد أبو بكر وسليمان جودة، ومن السعودية الدكاترة محمد السعيدى وصالح الختلان وعبدالله مناع، كما خصصت جلستان أخريان لموضوع الرواية العربية المعاصرة والأيديولوجية شرفت أن دعيت لتقديم شهادة عن أعمالى الروائية فى جلستها الأولي.
لقد وصلتنا هنا أخبار العاصفة الرملية الشديدة التى اجتاحت دولة الإمارات، لكن تلك العاصفة لم تصل والحمد لله الى المهرجان فى الرياض لتضيف للعاصفة المجازية فى العلاقات المصرية السعودية بعدا مناخيا، وإذا كان الخلاف بين الدولتين يعود لتباين موقف كل منهما تجاه بعض القضايا الإقليمية فقد لفت نظرى أن السفير المصرى ناصر حمدى قد أكد فى نشرة المهرجان أن العلاقات المصرية السعودية تمتد الى ما هو أبعد من المواقف المشتركة إزاء العديد من قضايا المنطقة لتصل الى علاقات المصاهرة والقربى بين الشعبين.
وقد سألتنى مذيعة التليفزيون السعودى عن مشاركة مصر كضيف شرف المهرجان هذا العام فقلت لها إن هذه المشاركة تؤكد أن الثقافة العربية ستظل هى العامل الموحد للعرب جميعا، وعلينا أن نبنى على أساسها علاقاتنا السياسية والاقتصادية، وذكرت ما قاله لى الروائى العربى الأكبر نجيب محفوظ حين سألته عن الوحدة العربية حيث سألنى بدوره: عن أى وحدة تتحدث؟ فإن كنت تتحدث عن الوحدة السياسية فإنها مازالت دونها الأهوال، وإن كنت تتحدث عن الوحدة الاقتصادية فهى تتطلب الكثير من التحضير والإعداد، أما ان كنت تتحدث عن الوحدة الثقافية فهى متحققة بالفعل ولا يمكن إنكارها وقلت للمذيعة إن استضافة مصر كضيف شرف المهرجان الوطنى للتراث والثقافة (الجنادرية) هذا العام إنما تؤكد أن تلك الوحدة الثقافية قائمة وفاعلة حتى فى ظل أى خلافات سياسية أو اقتصادية.
وقد شاركت مصر فى المهرجان ببرنامج فنى وثقافى قوى قدمة عدة فرق فنية هى فرقة النيل للموسيقى الشعبية وفرقة التنورة وأوركسترا بيت العود العربى وفرقة أسوان للفنون الشعبية وفرقة سوهاج للفنون الشعبية وفرقة السباعية للإنشاد الدينى وفرقة الوادى الجديد، بالإضافة لمجموعة من كبار شعراء الفصحى والعامية أحيوا أمسيات شعرية ناجحة، وهم محمد أبو دومة وعماد الغزالى ورجب الصاوى وحسين القباحى وشريف الشافعى وشيرين العدوى وفارس خضر ومحمود شرف، وعدد آخر من شعراء البادية، وستستمر هذه الفاعليات حتى ما بعد منتصف الشهر. ولقد أقامت مصر فى المهرجان جناحا متميزا بالفعل افتتحه العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز فى أول أيام المهرجان ضم جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب الذى تم اختيار الكتب المعروضة فيه بعناية خاصة كى تواكب المزاج السعودي، وجناح دار الكتب والوثائق القومية، بالإضافة للأجنحة التى عرضت الفنون والحرف التقليدية. وتأتى استضافة مصر اتباعا لتقليد سنه المهرجان منذ دورته الثالثة والعشرين والتى عقدت عام 2008 حيث استضاف لأول مرة ضيف شرف دولة تركيا، وتبع ذلك استضافة كل من روسيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والصين والإمارات العربية المتحدة وألمانيا.
وقد تابعت مسيرة المهرجان منذ دعيت لحضوره لأول مرة فى بداية عهد الملك عبد الله، وشرفت آنذاك بأن ألقيت كلمة ضيوف المهرجان أمام الملك. ورغم ميل السعوديين إلى الحديث عن مهرجان الجنادرية باعتباره مهرجانا دوليا يدعى اليه الضيوف من مختلف دول العالم، إلا أن أهم ما يميز هذا المهرجان فى رأيى ويمنحه طابعه المميز هو كونه مهرجانا عربيا أصيلا يحرص على تقديم التراث العربى والثقافة لضيوفه من العرب أو الأجانب، ومن هنا كان سباق الهجن على سبيل المثال هو الفاعلية المركزية للمهرجان، فهو تقليد عربى أصيل يدور حول الإبل التى هى رمز الصحراء العربية، بالإضافة لقرية الجنادرية التى بنيت على الطراز القديم وتقدم فيها كل منطقة من مناطق المملكة الثلاث عشرة تراثها المتميز من موسيقى ورقص وصناعات تقليدية ومأكولات شعبية.
لقد كانت دعوة مصر كضيف شرف الجنادرية فى دورته هذا العام بادرة إيجابية لا شك فى ذلك، فهل يحق لنا أن نسأل الآن كيف استفادت مصر من هذه المناسبة حتى تنقشع «العواصف والزوابع» التى تلوح فى أفق العلاقات المصرية السعودية فى الوقت الحالي؟.
نقلا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة