عبر إكسبو أوساكا 2025.. اليابان تستحضر ذكريات معجزتها الاقتصادية

عندما استضافت مدينة أوساكا معرض إكسبو العالمي لأول مرة في عام 1970، كانت اليابان تخرج بقوة من ظلال الحرب العالمية الثانية، وقد بدأت تتجلى ملامح المعجزة الاقتصادية اليابانية التي حيرت العالم.
فبعد ربع قرن فقط من نهاية الحرب، كان الاقتصاد الياباني يشهد طفرة غير مسبوقة في معدلات النمو والتصنيع والابتكار التكنولوجي، جعلت منه ثاني أكبر اقتصاد في العالم آنذاك. وقد عكس معرض إكسبو هذا الزخم، حيث استعرضت اليابان إنجازاتها أمام أكثر من 64 مليون زائر، في حدثٍ وصفه كثيرون بأنه ولادة جديدة لليابان على الساحة الدولية.
كان المعرض بمثابة منصة لاستعراض التقدّم السريع في التكنولوجيا، وصورة رمزية لنهضة أمة تجاوزت الهزيمة لتصبح قوة صناعية عالمية في غضون جيل واحد فقط.
وكان هذا أول معرض إكسبو عالمي يُقام في آسيا، وهو تقليد يعود إلى عام ١٨٥١ حيث تجتمع الدول لعرض ثقافاتها وإنجازاتها.
وفي معرض 1970 أنفقت اليابان ببذخ، وعرضت ابتكارات مثل الممرات المتحركة، والنماذج الأولية للهواتف اللاسلكية، وتمثالًا بطول ٢٣٠ قدمًا بقناع ذهبي قيل إنه يتطلع إلى المستقبل، واستقطب المعرض ٦٤ مليون زائر، أي ما يعادل أكثر من نصف سكان اليابان آنذاك.
الآن، وبعد 55 عامًا، تستضيف أوساكا معرض إكسبو العالمي مرة أخرى على جزيرة اصطناعية في خليج المدينة، وأقام المهندسون المعماريون حلقة خشبية بطول ميل تُحيط بعشرات الأجنحة.
ولكن بينما يسعى معرض إكسبو الحالي، الذي افتُتح قبل أسبوع، إلى استعادة حماس سابقه، فإن اليابان تقف في تناقض مع ما كانت عليه عام 1970 على المستوى الاقتصادي.
وتقول نيويورك تايمز، إنه منذ انفجار فقاعتي العقارات والأسهم في اليابان في أوائل التسعينيات، شهد الاقتصاد ركودًا، حيث يتقلص عدد سكان البلاد ويتقدمون في السن بسرعة.
وتضخمت مستويات الديون، وتتعرض آفاق النمو لمزيد من المخاطر بسبب تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
وعند التفكير في العقود التي انقضت منذ معرض إكسبو 1970، يُلمح العديد من زوار الحدث الأصلي، الذين تجاوزوا الستين من العمر، إلى شعور بأن القوة الاقتصادية اليابانية قد تراجعت في عالم تعصف به الانقسامات التجارية بشكل متزايد.
ويأمل البعض أن يكون المعرض الحالي بمثابة لحظة لإعادة اختراع موطنهم من جديد.
كيف قارن اليابانيين بين إكسبو 1970 و2025 ؟
ونقلت الصحيفة تصريحات لعدد من نماذج المواطنين في اليابان، عبروا عن أمنياتهم لوطنهم في ظل تكرار تجربة إستضافة معرض إكسبو العالمي.
وفي حي هادئ بأوساكا، على بُعد بضع محطات قطار من موقع معرض أوساكا 2025، كان أحد النماذج هو "تاكاهيرو موريتاكا"، البالغ من العمر 65 عامًا، والذي يدير مطعمًا صغيرًا يقدم فطائر يابانية لذيذة، وكان موريتاكا في العاشرة من عمره عندما اصطحبه والداه إلى معرض إكسبو 1970.
ويقول السيد موريتاك، "كان الجو مختلفًا تمامًا آنذاك في السبعينيات، كان الشعور بأن العديد من الأشياء في صعود وتقدم سريع".
وكان معرض إكسبو 1970، بالنسبة لـ موريتاكا وكثيرين من جيله، إحدى تجاربهم الأولى مع الثقافات الأخرى التي عرضتها أجنحة ومعارض المعرض.
وفي المعرض، رأى موريتاكا وآخرون أجانب لأول مرة وتذوقوا أطعمة مثل دجاج كنتاكي المقلي لأول مرة.
في تلك الفترة أيضًا، بدأ الكثيرون في الغرب يدركون اليابان الحديثة والتقدم الهائل الذي حققه اقتصادها منذ هزيمتها العسكرية في الحرب العالمية الثانية.
وعرضت أجنحة الصلب والإلكترونيات والسيارات نماذج مستقبلية لمنتجات كانت اليابان تُصدرها إلى الخارج بشكل متزايد.
وقال كينجي يوشيدا، كبير مستشاري معرض إكسبو 2025، إن الهدف من معارض إكسبو آنذاك، بما في ذلك المعرض الذي أُقيم سابقًا في نيويورك عام 1939، كان أن تُبرز "القوى العظمى" نظرتها للعالم والتقنيات التي حققتها، وأضاف، "الآن، مرّ 55 عامًا، وتغيرت اليابان وعلاقتها بالعالم".
ويتطلع المنظمين للمعرض هذا العام لاستعادة الحماس الوطني الذي أحاط بحدث عام ١٩٧٠.
وصرح منظمو المعرض بأنهم يريدون جذب أكثر من ٢٨ مليون زائر خلال الأشهر الستة التي سيستمر فيها الحدث، لكن مبيعات التذاكر تأخرت كثيرًا عن هذا الهدف.
ومؤخرًا، ألقى الرئيس ترامب بظلال أكثر قتامة على الحدث، حيث أعلن، قبل أيام قليلة من افتتاح المعرض، عن فرض رسوم جمركية بنسبة مئوية من رقمين على العديد من الدول المشاركة، وشمل ذلك رسومًا جمركية بنسبة ٢٤٪ على السلع اليابانية، وصفها رئيس الوزراء الياباني بأنها "أزمة وطنية".
قال هيروكي أوغاساوارا، أستاذ الدراسات بين الثقافات بجامعة كوبي، إن تصاعد الأعمال العدائية التجارية سيظل على الأرجح محط اهتمام عالمي في الأشهر المقبلة، وسيؤثر على طريقة تذكر المعرض، وأضاف، "على ماذا يركز العالم حاليًا؟ رسوم ترامب الجمركية"، وفيما يتعلق بالمعرض، قال السيد أوغاساوارا، "ربما تكون اليابان هي الوحيدة التي تولي اهتماما به".
إكسبو أوساكا يبشر بمستقبل أكثر إشراقا
وتحدثت إيكو ناكانيشي، البالغة من العمر 49 عامًا، لنيويورك تايمز، عن تجربة زيارتها للمعرض في اليوم التالي للافتاح، وبرفقتها والدها ماساو ناكانيشي، البالغ من العمر 77 عامًا، وزيارتهم للجناح الأمريكي.
وقالت السيدة ناكانيشي إن والدها كان يرغب في زيارة الجناح الأمريكي لرؤية صخرة قمرية.
هذه الصخرة جُمعت خلال مهمة أبولو الفضائية عام 1972 - تشبه إلى حد كبير صخرة القمر التي شاهدها معروضة في معرض إكسبو عام 1970 عندما كان في الثانية والعشرين من عمره.
أعربت السيدة ناكانيشي عن إعجابها بالتقنيات المعروضة في المعرض التي بثت رسائل حول التلاحم العالمي.
وأضافت، "المجتمع الياباني ككل يتراجع، وأصبح مجتمعًا يصعب فيه الشعور بالتحفيز"، وتابعت، "لكن المجيء إلى هنا يجعلك تعتقد أن المستقبل قد يكون مشرقًا".
aXA6IDMuMTM3LjE2MS4yNTAg جزيرة ام اند امز