"إعلان جدة".. أول اختراق نحو "حل مستدام" لأزمة السودان
اتفاق أولى وقعه الطرفان المتصارعان في السودان، هو الأول من نوعه منذ بداية المعارك في منتصف أبريل/نيسان الماضي، اعتبره محللون "خطوة إيجابية وأول اختراق" لإطفاء لهيب الأزمة في ثالث أكبر بلد أفريقي.
ووقع ممثلو كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مساء الخميس، بمدينة جدة السعودية "إعلان مبادئ أولى" في ختام محادثات مباشرة لإنهاء اقتتال داخلي، أكد أهمية "السماح لجميع المدنيين في السودان بمغادرة مناطق الأعمال العدائية والمحاصرة والالتزام بالإجلاء وفترات التوقف الإنسانية".
ويقر الإعلان التزامات إنسانية تنفذ فورا، مثل "تمكين إيصال المساعدات الإنسانية بأمان، واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، والسماح بدفن الموتى باحترام"، فضلا عن جدولة محادثات مباشرة جديدة بين الطرفين.
والجمعة، أعلنت السعودية استمرار محادثات جدة بين طرفي النزاع في السودان، بهدف التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بينهما لقرابة 10 أيام بمراقبة أمريكية سعودية دولية، ثم مشاورات أخرى لوقف دائم.
خطوة إيجابية
وحول أهمية إعلان جدة، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني عبدالله رزق "يشكل إعلان جدة خطوة إيجابية للأمام، على الرغم من أنه لن يحدث أثرا ملموسا وفوريا على واقع الحرب اليومي، وإن دخل حيز التنفيذ من ساعة التوقع عليه مساء أمس".
وأضاف رزق في حديثه لـ"العين الإخبارية": "لكي يكون الإعلان حاكما يتعين أن يتحول لاتفاق أو عدة اتفاقات، وهو يمهد لما سيأتي لاحقا من محصلة تفاوض الطرفين في جدة من اتفاقات حول أجندة مبرمجة، أولها وقف إطلاق نار قصير المدى للاحتياجات الإنسانية ومراقبته وحماية المدنيين، ووضع جدول أعمال المفاوضات اللاحقة".
وتابع: "وثانيهما وقف إطلاق نار دائم، وما يرتبط بذلك من التزامات من قبيل نقل القوة العسكرية خارج العاصمة وتفكيك أي قوات غير تابعة للجيش وتسريحها أو إعادة دمج منسوبيها".
وأشار إلى أن المرحلة الختامية الثالثة تتعلق بالمشاورات السياسية لتكوين حكومة مدنية والتي يتوقع أن تشمل القوى السياسية المدنية".
وأكد أنه "ما لم تنجز هذه الاتفاقات والتي تتعلق بوقف إطلاق النار على المدنيين القصير والدائم، فإن الإعلان لن يكون أكثر من إطار أخلاقي، لكنه ملزم باتفاق طرفيه أثناء انخراطهم في الحرب التي لم تتوقف حتى الآن رسميا، إذ إن ذلك يتطلب اتفاقا آخر لكن الإعلان حتى في هذا المستوى الافتراضي الذي يؤسس لأخلاق الحرب فإنه يؤكد موقفا مبدئيا ضد الحرب داخل العاصمة، أكبر تجمع سكاني واقتصادي في البلاد، إذ إن الاستمرار في الحرب بشكلها الراهن وسط المدنيين والمنشآت المدنية هو أمر يرقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب".
أول اختراق بالأزمة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر إنه "من الواضح أن مفاوضات جدة تتخذ حزما متدرجة وصولا لاتفاق شامل، ونجاح إعلان جدة بإلزام الطرفين بحماية المدنيين في السودان".
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية" أوضح بابكر أن "الحزمة الأولى ركزت على الشأن الإنساني وانسحاب القوات من المراكز الصحية والخدمية عموما، وتشديد الإعلان على تنفيذ هذه الحزمة فورا يشير إلى ضرورة ذلك للانتقال إلى الحزمة الثانية المتعلقة بوقف إطلاق نار لعشرة أيام ومن ثم وقف دائم، وهذا يتطلب مزيدا من الضغوط لإرغام الطرفين وزحزحتهما عن المواقف المتشددة، بالضرورة إعادة انتشار القوات خارج المناطق السكنية وتحديد نقاط تجميع للقوات وغيرها من الترتيبات التي تسهل مراقبة وقف إطلاق النار".
وأضاف: "إعلان جدة يمثل الاختراق الأول لحالة التخندق التي استمرت قرابة الشهر وخرق الهدن المعلنة، وتبقى كيفية مراقبة التزام الطرفين بما ورد في الإعلان مع استمرار المباحثات بشأن الخطوة التالية، فالنجاح في تثبيت آليات لتنفيذ الحزمة الأولى يؤشر إلى حجم الضغوط التي تمارس من الوسطاء للوصول إلى المرحلة الثانية".
يتماشى مع القانون الدولي
بدوره، قال أمجد فريد، مستشار رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، لـ"العين الإخبارية"، إن "إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في جدة مكون من نصوص موجودة أصلا في القانون الدولي والمعاهدات المتعلقة بمعاملة المدنيين في أوقات الحرب وكان على الطرفين الالتزام المسبق أصلا بها ولم يحدث ذلك، ولا أتوقع أن يغير ما تم توقيعه في جدة من طبيعة الأحداث.
ترحيب دولي
ولاقى إعلان أزمة بشأن السودان ترحيبا واسعا، حيث أشادت الآلية الثلاثية الأممية الأفريقية وقوى مدنية سودانية، فجر الجمعة، بتوقيع ممثلي الجيش والدعم السريع "إعلان مبادئ أولي" بالسعودية، يلزمهم بحماية المدنيين وإنهاء القتال المستمر منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وقالت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي َوالهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" في بيان، إن الاتفاق المبدئي الذي تم توقيعه بين ممثلي الجيش السوداني والدعم السريع "خطوة أولى مهمة نحو التخفيف من المعاناة الإنسانية، وحماية حياة وكرامة المدنيين في السودان" .
وحث البيان الأطراف المختلفة في السودان على "ترجمة" التزاماتهم بموجب الإعلان إلى "عمل ملموس على أرض الواقع".
وأضاف "يتعين على الأطراف إعطاء تعليمات واضحة إلى الرتب الدنيا للتقيد بإعلان الالتزام بحماية المدنيين، وتسهيل المرور الآمن للمساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، إضافة إلى الدفن اللائق للموتى".
وأشار البيان إلى استعداد "إيغاد" لدعم الأطراف والداعين للمحادثات من أجل التنفيذ الكامل لإعلان المبادئ، مؤكدا أهمية الدعم المستمر والمنسق من قبل المجتمع الدولي خلال هذا الوقت الحرج.
ولفت إلى أنه مع تقدم المحادثات فإن المشاركة الهادفة والواسعة لأصحاب المصلحة المدنيين والسياسيين، بما في ذلك النساء "أمر ضروري".
كما رحب مصر بإعلان جدة مؤكدة أنه خطوة مهمة تسهم في توفير الحماية للمدنيين من أبناء الشعب السوداني، وإتاحة الفرصة لوصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، والحفاظ على المنشآت والمرافق العامة، وتسهيل عمليات الإجلاء.
وأعربت الخارجية المصرية، في بيان، عن تطلعها لأن يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه من تعهدات، وأن تفسح تلك الخطوة المجال لأطراف النزاع، بمساعدة الوسطاء والشركاء الإقليميين والدوليين، للتوصل لوقف شامل ودائم لإطلاق النار واستئناف الحوار بما يسهم في إخراج السودان من محنته، واستعادة الشعب السوداني لحقه في أن ينعم بالسلم والأمن والاستقرار.
ترحيب سوداني
وفي السياق، قالت قوى مدنية سودانية، في بيان، إن هذا الاتفاق "خطوة أولى مهمة في طريق إنهاء الكارثة التي حلت ببلادنا عقب اندلاع الحرب".
وشددت القوى الموقعة على البيان على أن هذه الخطوة "تتطلب المزيد من الجهد لاستكمالها، وصولا لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار ومن ثم حل سياسي شامل ومستدام".
وحث البيان على الالتزام بنصوص الاتفاق والعمل على الإسراع بتطويره، لوقف دائم لإطلاق النار في أسرع وقت.
بدورها، أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) ترحيبها بالتوقيع على الإعلان المبدئي للالتزام بحماية المدنيين في السودان، واعتبرته "خطوة أولى مهمة نحو إنهاء الحرب الدائرة في البلاد".
ودعت "الحرية والتغيير" الطرفين للالتزام الصارم والجاد ببنود الاتفاق، والمضي قدما وصولا إلى تحقيق وقف دائم ونهائي لإطلاق النار، وإنهاء الخلافات بالحوار بعيدا عن استخدام للعنف والقوة المسلحة.
ونقل البيان شكر "الحرية والتغيير" لأصدقاء الشعب السوداني من المجتمع الإقليمي والدولي، بما فيه السعودية، والولايات المتحدة، لدورهما وجهودهما في رعاية المفاوضات بين الطرفين والتوصل لهذا الاتفاق.
ويعد الإعلان الموقع اتفاقا أوليا يعقبه جولة محادثات أخرى من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين المتصارعين.