اتفاق مشترك لعقد COP31.. حالة نادرة لكن ليست غريبة
بعد اتفاق مشترك لاستضافة COP31 في تركيا وتقود أستراليا المفاوضات..هل تعد الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف للمناخ "COP"؟
أخيرا وبعد التسابق الحاد بين أستراليا وتركيا للحصول على موافقة لاستضافة الدورة الحادية والثلاثين من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP31)، حُسم الأمر باتفاق بين البلدين بأن تستضيف تركيا المؤتمر في مدينة أنطاليا على أن تتولى أستراليا رئاسة مسار المفاوضات ضمن اتفاق بين البلدين.
ربما يكون اتفاق مثل هذا في تاريخ مؤتمرات الأطراف للمناخ نادرًا، لكن بالفعل هناك حالات سابقة كانت رئاسة المؤتمر فيها تتبع دولة، لكن إقامة المؤتمر كانت في بلد آخر. وفي هذا التقرير، نطرح أنظمة التناوب المتعارف عليها لاستضافة المؤتمر، والحالات غير المعتادة، وأكثر الدول استضافة للمؤتمر، والدوافع التي قادت لاستضافة تركيا لـ COP31 وتصميم أستراليا على الظهور في الصورة؟
نظام التناوب
هناك 5 مجموعات إقليمية حددتها الأمم المتحدة، وهي: المجموعة الأفريقية (African Group)، آسيا والمحيط الهادئ (Asia-Pacific Group)، أوروبا الشرقية (Eastern European Group)، أمريكا اللاتينية والكاريبي (GRULAC)، وأوروبا الغربية ودول أخرى (WEOG). وعادةً، تتناوب تلك المجموعات لاستضافة مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ، لكن هذا التناوب ليس شرطًا أن يكون إلزاميًا، لكنه في أغلب الأحيان، يكون توافقيًا، حسب من يتقدم لاستضافة المؤتمر ويستوفي الشروط.
ويوضح هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لـ"العين الإخبارية"، بعض تفاصيل نظام التناوب، قائلًا للعين الإخبارية: "هناك قواعد لاستضافة المؤتمر، منها تناوب الاستضافة بين الدول المتقدمة والنامية، وعلى أن يكون هناك أيضًا تناوب بين القارات لاستضافة المؤتمر". ويشرح عيسى أنّ استضافة المؤتمر أيضًا تتوقف على قدرة الدولة على الاستضافة التي تُحملها تكاليف مالية وخدمات لوجيستية؛ لأنه على الرغم من أنّ الأمم المتحدة تدعم الدولة المستضيفة للمؤتمر، إلا أنه يقع على عاتق الدولة المستضيفة بعض التكاليف المالية أيضًا.
بين أستراليا وتركيا
بمراجعة سريعة على تناوب دورات COPs على مناطق الأمم المتحدة، نجد التالي:
- COP26: استضافته غلاسكو بالمملكة المتحدة؛ ممثلة منطقة أوروبا الغربية ومناطق أخرى (WEOG).
- COP27: استضافته مدينة شرم الشيخ في مصر؛ ممثلة منطقة المجموعة الأفريقية (AG).
- COP28: استضافته مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة؛ ممثلة آسيا والمحيط الهادئ (APG).
- COP29: استضافته مدينة باكو في أذربيجان؛ ممثلة منطقة أوروبا الشرقية (Eastern European Group).
- COP30: استضافته مدينة بيليم في البرازيل؛ ممثلة أمريكا اللاتينية والكاريبي (GRULAC).
وبحسب نظام التناوب هذا، يبدو أنّ المنطقة التالية هي منطقة أوروبا الغربية ومناطق أخرى (WEOG). وبالفعل قدمت تركيا وأستراليا التابعتنا لتلك المنطقة عرضًا لاستضافة COP31، واستمرت المنافسة بينهما حتى حُسم الأمر في الأيام الأخيرة من COP30، بأن تستضيف تركيا المؤتمر في أنطاليا على أن تتولى أستراليا رئاسة المفاوضات، وتلك حالة نادرة.
من جانبه، يُوضح هشام عيسى أنّ من ضمن الأسباب قرار كهذا، هو بُعد المسافة بين البرازيل وأستراليا؛ فتركيا تقع موقع جغرافي أسهل للوصول من جميع أنحاء العالم مقارنة بأستراليا، ويقول عيسى لـ"العين الإخبارية: "في هذه الحالة، أثر الموقع الجغرافي على القرار، إضافة إلى التكلفة المرتفعة التي اضُطر عليها الحضور والمندوبون للسفر والإقامة في بيليم خلال فترة المؤتمر، وقد تتكرر نفس المشكلات اللوجيستية إن انعقد المؤتمر في أستراليا".
حالات غير معتادة
في عام 1996، انعقد COP2 في جنيف في سويسرا، في حين كان رئيس وزير البيئة والسياحة في "زيمبابوي" وقتها تشين تشيموتينغويندي، وكان توليه هذا المنصب بترشيح من مجموعة الدول الأفريقية. وهنا يتجلى أنّ رئاسة المؤتمر ذهبت إلى أفريقيا، بينما كانت الاستضافة في مكان آخر، ويمكن تفسير هذا أنه وفقًا لنظام التناوب الإقليمي بين مناطق الأمم المتحدة الخمس، كان الدور على القارة الأفريقية لرئاسة المؤتمر، أما بالنسبة للاستضافة؛ فقد عرضتها سويسرا باعتبار أنها مركز رئيسي للبيئة الدولية والعمل المناخي، ما يؤهلها لتوفير بيئة مناسبة للعمل على بروتوكول كيوتو، والذي كان من المقرر أن يخرج من COP3 في العام التالي.
في عام 1999، انعقد COP5 في مدينة بون بألمانيا، وتحديدًا في مقر الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي كانت أُنشئت عام 1996 لدعم مسار المفاوضات المناخية، لكن رئاسة المؤتمر كانت لدولة بولندا نيابة عن منطقة "أوروبا الشرقية"؛ وقتها كانت الاستضافة بناءً على عرض ألمانيا لاستضافة ذلك الاجتماع الفني والسياسي لتعزيز بروتوكول كيوتو.
وفي عام 2017، استضاف مقر الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في بون بألمانيا COP23، لكن رئاسة المؤتمر كانت لدولة فيجي، وهي إحدى الدول الجزرية الصغيرة المهددة بالغرق، وبرئاستها للمؤتمر؛ فهي بذلك تمثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد استضافت بون المؤتمر على الرغم من رئاسة فيجي لعدة أسباب تتعلق بالصعوبات اللوجيستية لدولة فيجي لاستقبال مؤتمر بهذا الحجم، يتطلب فنادق ومطارات تناسب الأعداد الهائلة المهتمة بحضوره؛ فكان مقر الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في بون هو الاختيار الأفضل؛ خاصة وأنها توفر قاعات وبنية تحتية قوية بالإضافة إلى تقنيات لوجيستية قوية.
وفي عام 2019، كان الاختيار واقعًا على تشيلي لاستضافة COP25، في مدينة سانتياغو، لكن قبل المؤتمر بوقت قصير، انتقلت الاستضافة إلى مدينة مدريد في أسبانيا، واحتفظت تشيلي برئاسة المؤتمر؛ وهذا بسبب بعض الاضطرابات السياسية التي حدثت في تشيلي قبل المؤتمر، فصار من الصعب أن تستضيف المؤتمر.
أكثر المناطق استضافة للمؤتمر
تتبعنا دورات مؤتمرات الأطراف على موقع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، ووجدنا أنّ أكثر مناطق الأمم المتحدة استضافة لمؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ هي منطقة "أوروبا الغربية ودول أخرى" (WEOG)، وسجلت 11 مرة من عدد من مرات الاستضافة في 9 من دولها، وتلك الدول هي:
- ألمانيا: استضافت وترأست COP1 في برلين، ومرة أخرى استضافت COP5 في بون برئاسة بولندا، وفي المرة الثالثة استضافت COP23 في مدينة بون برئاسة دولة فيجي.
- فرنسا: استضافت وترأست COP21 في باريس، ومن هناك خرج اتفاق باريس.
- المملكة المتحدة: استضافت وترأست COP26 في غلاسكو.
- هولندا: استضافت وترأست COP6 في لاهاي.
- سويسرا: استضافت COP2 في جنيف، وكان رئيس المؤتمر من زيمبابوي.
- الدنمارك: استضافت وترأست COP15 في كوبنهاغن.
- إسبانيا: استضافت COP25 في مدريد، وكانت رئاسة المؤتمر لدولة تشيلي.
- إيطاليا: استضافت وترأست COP9 في ميلانو.
- كندا: استضافت وترأست COP11 في مونتريال.
أما عن "منطقة أوروبا الشرقية" (Eastern European Group)؛ فقد استضافت المؤتمر 4 مرات في دولتين، وهما كالتالي:
- بولندا: استضافت وترأست COP14 في بوزنان، وCOP19 في وارسو، ثم COP24 في كاتوفيتسه.
- أذربيجان: استضافت وترأست COP29 في باكو.
وبخصوص منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي (GRULAC)؛ فقد استضافت المؤتمر 5 مرات في 4 دول، كالتالي:
- الأرجنتين: استضافت وترأست COP4، ثم COP10 في بونيس آيرس.
- المكسيك: استضافت وترأست COP16 في كانكون.
- بيرو: استضافت وترأست COP20 في ليما.
- البرازيل: استضافت وترأست COP30 في بيليم.
وعن "منطقة آسيا والمحيط الهادئ" (APG)؛ فقد استضافت المؤتمر 5 مرات في 5 دول، كالتالي:
- اليابان: استضافت وترأست COP3 في كيوتو.
- الهند: استضافت وترأست COP8 في نيودلهي.
- إندونيسيا: استضافت وترأست COP13 في بالي.
- قطر: استضافت وترأست COP18 في الدوحة.
- الإمارات العربية المتحدة: استضافت وترأست COP28 في إكسبو دبي.
وهناك "المجموعة الأفريقية" (AG)، استضافت المؤتمر 5 مرات في 4 دول، وهم:
- المغرب: استضافت وترأست COP7 وCOP22 في مراكش.
- كينيا: استضافت وترأست COP12 في نيروبي.
- جنوب أفريقيا: استضافت وترأست COP17 في ديربان.
- مصر: استضافت وترأست COP27 في شرم الشيخ.
من ذلك، نجد أنّ أكثر المناطق استضافة لمؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ (COPs)، هي منطقة أوروبا الغربية ومناطق أخرى (WEOG)، بعدد مرات بلغ 11 مرة؛ أي ما يُعادل 36.6% من إجمالي استضافة مناطق الأمم المتحدة الخمس الإقليمية للمؤتمر، من بعدها مناطق آسيا والمحيط الهادئ (APG) والمجموعة الأفريقية (AG) وأمريكا اللاتينية والكاريبي (GRULAC)، كل منهما استضافت مؤتمرات الأطراف 5 مرات؛ أي بنسبة تُعادل 16.6% لكل منهما، ثم منطقة أوروبا الشرقية (Eastern European Group) التي استضافت المؤتمر 4 مرات، بنسبة تُعادل 13.3%.
أما بخصوص استضافة COP31؛ فهناك العديد من الدوافع التي قد تدفع تركيا لاستضافة مؤتمر بهذا الحجم؛ فهو على أي حال فرصة لتعزيز المكانة الدولية، ويُتيح للدولة المستضيفة إبراز مشاريعها البيئية والمناخية على مستوى عالمي، كما أنه أداة فعّالة لكسب الدعم الشعبي خاصة من الناشطين البيئين، ونلاحظ أيضًا أن المؤتمر من المقرر انعقاده في مدينة أنطاليا السياحية، ما يُوفر مساحة للحضور لاستكشاف المدينة والترويج لها سياحيًا.
من جانب آخر، صممت أستراليا على الظهور في الصورة، وعرض الاستضافة والتنافس عليه، يرجع هذا بصورة كبيرة إلى أنّها تعرضت لانتقادات واسعة خلال السنوات الماضية حول سياساتها للاعتماد على الفحم وتأخرها الملحوظ في صياغة السياسات المناخية، وترأسها لمفاوضات المؤتمر، بمثابة تسويق لسياساتها الجديدة الداعمة للقضايا المناخية بعد انتخاباتها الداخلية الأخيرة التي انتهت بفوز حزب العمال في الانتخابات الفيدرالية الأخيرة في مايو/أيار 2025؛ علمًا بأنّ حزب العمال من أبرز المؤيدين في أستراليا للعمل المناخي واستضافة COP31؛ لتصحيح العلاقات مع دول المحيط الهادئ؛ خاصة وأنّ تلك الدول كانت تعاني من سياسات أستراليا في العمل المناخي.
وبعد أن توّصل الطرفان لاتفاق مشترك من أجل الاستضافة الفعلية للمؤتمر؛ فهذا يمثل تضافر جهود دبلوماسية داخل منطقة "أوروبا الغربية ودول أخرى" (WEOG).
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTExIA== جزيرة ام اند امز