تأليب الشارع.. رهان إخوان الأردن بعد خيباتهم السياسية
جذوة تحت رماد هدوء طويل يحاول إخوان الأردن إحياءها، بالدعوة لتحريك الشارع ضد الحكومة، تطبيقا لأجندات حزبية ضيقة.
ولم يجد إخوان الأردن هذه المرة مركبا للعبور إلى ضفة الفعل السياسي، غير شماعة العلاقات الأردنية الإسرائيلية، خاصة التعاون المزمع بين البلدين في مجال الموارد المائية، في دغدغة مكشوفة لمشاعر الأردنيين، لم تعد تنطلي على الرأي العام في هذا البلد، يقول مراقبون.
وركب إخوان الأردن موجة أخرى لتهييج الشارع، بإحياء الجدل حول قصة عمرها أكثر من عقد حول زيارة يهودي أمريكي لوزارة الأوقاف الأردنية، لتأليب الرأي العام.
وبدأ الجناح السياسي للإخوان، أولى خطواته التصعيدية بتجنيد كتلته النيابية لتعطيل عمل البرلمان الأردني، وفرضت أمس الإثنين تأجيل نقاش اتفاقية إعلان النوايا بين الأردن وإسرائيل حول اتفاقية الطاقة مقابل المياه.
وبمقتضي الاتفاقية ينتج الأردن 600 ميجاوات من الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية ويصدرها لإسرائيل، مقابل قيام الأخيرة بتزويد الأردن، الذي يعاني من ندرة المياه، بنحو 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
ونقلت وكالة "رويترز"، عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن المبادرة قيد الدراسة والتقييم، لكن إذا ثبتت جدواها وأتت بثمارها، فستكون ضمن أكبر مشاريع التعاون الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية.
ومنذ إعلان النوايا حول الاتفاقية، خرج أردنيون في احتجاجات ببعض الشوارع، وفي ساحات الجامعات، ودعوا الحكومة إلى إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل.
ويرى محللون أن الإخوان، رأوا في خروج الاحتجاجات فرصة استثمار للعودة إلى الساحة السياسية عبر ركوب موجة العاطفة الشعبية، لتعويض خسارة مقاعد البرلمان المدوية، في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وعكست تصريحات قيادات الإخوان خلال تلك الاحتجاجات الرغبة في إثارة الشارع وتأليب الرأي العام ضد السلطات الأردنية.
فدعا القيادي الإخواني والنائب عن كتلة الإصلاح ينال فريحات، النواب لترجمة تصريحاتهم الرافضة للاتفاقية عبر العمل الجاد على إسقاطها، وحجب الثقة عن الحكومة، وإجبار أصحاب القرار على إلغاء الاتفاقية، بحسب موقع الإخوان في الأردن.
دلالة التوقيت
ويضع محللون الصحوة الإخوانية المفاجئة في عدة سياقات للمشهد الأردني والإقليمي، تطلبت استثمار أي فرصة لإعلان الجناح السياسي للتنظيم "جبهة العمل الإسلامي"، عن نفسه، وإعادة إحياء القواعد للوقوف من صدمة هزيمة انتخابات 2020 المذلة.
ولفت المحللون إلى أن هذا النهوض الإخواني، لا يمكن فصله عن النقاش البرلماني المقرر لقانون الأحزاب السياسية، وتعديل قانون انتخابات مجلس النواب، اللذين أحيلا إلى البرلمان مؤخرا.
وتعتمد تعديلات القانونين على مقترحات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي تستهدف تمكين الأحزاب من الوصول إلى تشكيل حكومات برلمانية حزبية بالأردن، أو المشاركة فيها، ضمن تعديل دستوري مرتقب.
ووفقا لمحللين فإن هذه الجزئية الأخيرة تسيل لعاب حزب الإخوان، للاضطلاع بدور مقبل في المشاركة السياسية، إذا ما أجريت انتخابات مبكرة، بعد المصادقة على مشروع تعديل الدستور المعروض للمناقشة حاليا على البرلمان، وقد يُعتمد على الأرجح قبل نهاية العام الجاري.
ويرى الدكتور زيد النوايسة المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" أن تحرك الإخوان والإسلاميين في الأردن سيبقى في إطار المشاغلة السياسية مضبوطة الإيقاع، ولن يذهب لمرحلة الصدام.
ويقلل النوايسة، من رغبة الإخوان في الصدام، قائلا إن جناح التنظيم يدرك أن الأردن الرسمي لم يذهب كما ذهبت دول أخرى لمرحلة اجتثاث وتجريم الجماعة، وبالتالي يبقى الصوت الذي يرتفع بين فترة وأخرى، في محاولة للتأكيد على جماهيرها أنها ما زالت موجودة، ولكن في حقيقة الأمر تراجع حضورها في البرلمان، وفقدت جزءا كبيرا من حضورها في الشارع السياسي الأردني.
وحول توقعاته لاستمرار التصعيد الإخواني في الشارع ضد السلطات، قال المحلل السياسي الأردني: "لا أعتقد أن التصعيد سيستمر، خاصة وأن الحكومة الأردنية تحدثت عن اتفاق نوايا مع إسرائيل، ستتم دراسته".
وتابع المحلل السياسي الأردني: "أستبعد الوصول لصدام مع الحكومة؛ لأن الإسلاميين كحزب غير مرخص لهم بشكل شرعي والمادة 5 من قانون الأحزاب الساري تمنع تأسيس أحزاب على أسس دينية أو عرقية أو طائفية"
السياق النشاز
ويقول أحد المحللين لـ"العين الإخبارية"، إن رهان إخوان الأردن على تحريك الشارع، رهان خاسر؛ إذ أن السياق حاليا ضد تيار جماعات الإسلام السياسي عموما، خصوصا في ظل التراجع المدوي لأحزاب الإخوان في أغلب الدول العربية.
ويضيف أن صدى الدعوات الإخوانية في الأردن للخروج إلى الشارع بحجة دعم فلسطين ومناهضة إسرائيل سيكون خافتا بين الجماهير؛ إذ أصبحت هذه الورقة ممجوجة ومجترة.
كما أن السياق الإقليمي الساعي إلى التقارب بين دوله، بتغليب مصلحة الشعوب الاقتصادية، والتعاون الاستراتيجي الواعي، يقطع الطريق على الخطاب السياسي التقليدي، وتحريك الشارع وفق إرادة الأحزاب، ووقت شاءت الحركة الإيديولوجية.
ويوضح المحلل السياسي الأردني زيد النوايسة أن "جماعة الإخوان لم تعد موجودة بشكل قانوني بعد صدور قرار بحلها كجمعية؛ ولم تحصل على ترخيص رسمي بعد أن اعتمدت على ترخيص قديم في الخمسينيات من القرن الماضي".
ويمنع الإخوان في الأردن من التحرك أيضا حدوث انشقاق بين قياداته؛ إذ يشير النوايسة إلى تأسيس جمعية جديدة برئاسة المراقب العام الأسبق عبد المجيد الذنيبات والدكتور شرف القضاة، وهو ما دفع الحركة إلى ممارسة نشاطها السياسي من خلال جبهة العمل الإسلامي، وهو ائتلاف سياسي من ضمنه الإخوان، وشخصيات مستقلة، وأصبح منبرها السياسي في الاشتباك مع الحكومات بشكل عام.
ويضيف: "مؤخرا شارك ممثلوها (جبهة العمل الإسلامي) في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شكلها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، لتطوير الحياة السياسية، ولكنها تتزعم الحراك ضد أي اتفاقيات تتعلق بالتعاون المائي مع الاحتلال، إضافة لتحميلها للحكومة أسباب الأزمة الاقتصادية والمديونية الكبيرة التي يعيشها الأردن.
ورقة رابحة
المحلل السياسي الأردني، لقمان إسكندر، قال إن أحد أبرز الملفات التي تستخدمها قيادات تنظيم الإخوان في الشارع الأردني هي القضية الفلسطينية، للخصوصية التي تمتاز فيها القضية بين الأردنيين عامة.
وأضاف إسكندر، في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "في الأردن تعتبر معارضة الاحتلال الاسرائيلي معارضة آمنة لا تبعات عليها، من هنا تعتبر القضية ورقة رابحة بين الجماعة، وبرغم من ذلك يبدو أن الشارع الأردني بدأ ينتبه لهذا".
وفي يوليو/تموز 2020، باتت جماعة الإخوان، منحلة بموجب قرار قضائي من أعلى سلطة في الأردن، في خطوة على طريق قطع مسارها المشحون بانتهاكات تحولت بمرور الأيام إلى مقصلة، وضعت الحد لوجودها.
وأصدرت محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية في الأردن) حكما يقضي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منحلة حكما وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وذلك لعدم قيامها بتسوية أوضاعها القانونية وفقا للقوانين الأردنية.
وكانت الضربة القاصمة خسارة التيار الإخواني في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لوزنه الانتخابي، حيث فقد التنظيم الإرهابي تأثيره التشريعي في البرلمان، عقب هزيمته القاسية في الانتخابات البرلمانية.
وبين محاولة تحريك الشارع، وترقب تعديل الدستور واعتماد قانوني الأحزاب السياسية والنظام الانتخابي، تبقى عيون إخوان الأردن شاخصة، لوضع قدم في أي تغيير قادم للمنظومة السياسية، لكن الفيصل سيكون الشعب، الذي هو نفسه من لفظ الجناح السياسي للتنظيم في آخر انتخابات تجرى في البلاد.
aXA6IDE4LjIyNC41OS4xMDcg جزيرة ام اند امز