سباق قوي نحو باب مسرب الوثائق.. الصحافة ضد "إف بي آي"
البداية خرق أمني ووثائق سرية تنتشر على الإنترنت، ثم صعوبة في العثور على المٌسرب، ما رسم صورة قاتمة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
وقال عميل مخضرم سابق بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي" إن المكتب يتمتع بسلطة غير مقيدة لمراقبة الشبكات الاجتماعية وغرف الدردشة، لكنه فشل في اكتشاف وثائق البنتاغون المسربة.
وأثار مرور أشهر قبل أن يعلم مكتب التحقيقات الفيدرالي بوجود الوثائق السرية على منصة "ديسكورد" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، المخاوف بشأن قدرته على مراقبة مواقع الإنترنت الخاصة والعامة التي قد تنتهك الأمن القومي.
وقال مايكل جيرمان، الذي كان عميلا خاصا متخفيا بـ"إف بي آي" لمدة 16 عاما، لصحيفة "التايمز" البريطانية، إنه كان من الغريب أن يكون أول من يطرق باب المشتبه فيه في تسريبات البنتاغون مراسلين من صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية وليس أفراد وكالة إنفاذ القانون الفيدرالية.
ولم يظهر وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أمام منزل المشتبه به ببلدة دايتون في ولاية ماساتشوستس الأمريكية إلا بعد ساعات من زيارة مراسلي الصحافة، واعتقلوا جاك تيشيرا (21 عاما)، المتخصص في تكنولوجيا المعلومات بجناح الاستخبارات في الحرس الوطني الجوي بالولاية.
وقال جيرمان: "توسعت سلطة مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل كبير لمراقبة شبكات التواصل الاجتماعي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001. ولا توجد قيود على البحث بدقة في أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي بالرغم من أن القواعد أكثر تعقيدا عند التعامل مع المنتديات الخاصة".
وأشارت "التايمز" إلى أن جيرمان تخصص في الإرهاب الداخلي والعمليات السرية مع "إف بي آي" من 1988 إلى 2004، حيث قضى معظم وقته متخفيا في لوس أنجلوس، وبوسطن، وسياتل، وأتلانتا، متسللا إلى العصابات اليمينية العنيفة. أما الآن، فهو زميل بمركز برينان للعدالة في نيويورك.
وشهد كتاب قواعد "إف بي آي"، الذي يعرف باسم دليل التحقيقات والعمليات الداخلية، مزيدا من التحديثات بعد الهجوم على مبنى الكابيتول الذي شنه أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 6 يناير/كانون الثاني عام 2021، وتوجد بالكتاب أقسام محددة بشأن مراقبة منتديات التواصل الاجتماعي.
وأضاف جيرمان: "يوظف مكتب التحقيقات الفيدرالي شركات خاصة، للتحقق من الشبكات الاجتماعية بموجب عقود بقيمة ملايين الدولارات، لكن في كثير من الأحيان يبدو أنهم يركزون على مجموعات الاحتجاجات، مثل نشطاء البيئة والسياسة".
وأضاف أنه كانت هناك عدة أدلة على الشبكات الاجتماعية بشأن التخطيط لهجوم على الكابيتول، ومع ذلك "بدت السلطات غير مستعدة" لما حدث، "وإما كانت الشركات المتعاقد معها تبحث في الأشياء الخطأ وإما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي تجاهلهم".
وقبل فتح تحقيق بشأن منصة تواصل اجتماعي محددة أو غرفة دردشة، يجري مكتب التحقيقات الفيدرالي "تقييما" للنشاط. ويمكن أن يستند ذلك إلى تحذير من مخبر داخلي بشأن أنشطة قد تصنف بأنها تخص الأمن القومي، أو الإرهاب، أو أنشطة إجرامية.
وفي حالة وثائق البنتاغون المسربة يبدو أنه لم يكن هناك تقييم لمكتب التحقيقات الفيدرالي من شأنه أن يؤدي لفتح تحقيق بشأن تسريب مشتبه فيه.
وأوضح جيرمان: "كان التحدي أن الوثائق كانت موجودة في الأصل على منتدى خاص والذي يصعب مراقبته، لكن من الممكن إجراء التحقيق بموجب دليل التحقيقات والعمليات الداخلية".
ويستدعي الأمر أمر محكمة لتسجيل اتصالات خاصة بالوقت الفعلي على منتدى يقيد الوصول إليها.
ويتمثل التحدي الذي يواجه مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى بموجب التوجيهات الليبرالية المصرح بها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول وأحداث 6 يناير/كانون الثاني، في أنه يتعين على جميع العملاء العمل في إطار الدستور، الذي يدير حرمة حرية الخطاب والحرية الشخصية.
وتنص قواعد الدليل على أنه يتعين على العملاء "التأكد من حماية الحريات المدنية والخصوصية خلال عملية التحقيق"، واستخدام الوسائل "الأقل تدخلا".
مع ذلك، تدرك التوجيهات أنه لا يمكن لعملاء "إف بي آي" الانتظار ببساطة لظهور أدلة، وربما يتعين عليهم اتخاذ إجراء استباقي إذا كان هناك اشتباه في تهديدات جنائية أو على الأمن القومي.
كما أن التدخل المبكر له ما يبرره من أجل "منع انتهاكات جنائية أو للأمن القومي قبل حدوثها".
اكتشاف تيشيرا
وحتى مثول جاك تيشيرا أمام المحكمة الفيدرالية، صباح الجمعة، كان مسألة الكشف عن مسرب وثائق البنتاغون تبدو وكأنها رواية غامضة.
وكان من بين الباحثين عن أدوار البطولة في هذه المسألة مجموعة "بيلينغ كات" الإلكترونية، التي حددت في 9 أبريل/نيسان علنا خادم منصة "ديسكورد" حيث يقال إن تيشيرا نشر الوثائق السرية.
وكذلك، صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي طابقت صورا لمطبخ عائلة تيشيرا حيث يزعم أن صور الأوراق السرية للغاية صٌورت ورفعت إلى الحساب الشخصي للشاب ذي الـ21 عبر منصة التواصل الاجتماعي.
وزاد من حالة الغموض تأكيد صحيفة "نيويورك تايمز" أن صحفييها تجمعوا بالفعل أمام محل إقامة تيشيرا في دايتون، بعد فترة قصيرة من نشر هويته، الخميس، قبل وصول فريق من ستة أشخاص من العملاء الفيدراليين.
لكن يبدو أن "إف بي آي" كان قد اكتشف أمر تيشيرا أيضا، على الأقل وفقا لوثائق المحكمة التي تم الإعلان عنها، الجمعة، وتناولت بالتفصيل الشكوى الجنائية ضده.
ولا تكشف الإفادة الخطية، التي وقع عليها العميل الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي باتريك لويكنهوف، أي تفاصيل كبيرة بشأن ما قاد المكتب إلى الشاب، وكذلك لا تكشف طبيعة الدور الذي ربما لعبته المعلومات التي نشرتها مجموعة "بيلينغ كات" أو غيرها بأي مرحلة.
وتستشهد الإفادة الخطية، بالمحادثات بين "إف بي آي" وأحد مستخدمي مجموعة دردشة على "ديسكورد" في 10 أبريل/نيسان، والتي قال فيها المستخدم إن تيشيرا كان ينشر مواد سرية في وقت مبكر يرجع إلى ديسمبر/كانون الأول 2022.
وأشارت الإفادة إلى أن السجلات التي تم إنتاجها في 12 أبريل/نيسان أظهرت أن تيشيرا وضع اسمه وعنوانه كمعلومات فوترة.
كما كشفت عن أن "وكالة حكومية أمريكية ثانية مجهولة يمكنها مراقبة عمليات بحث محددة أجريت على شبكاتها السرية"، وجدت أن تيشيرا استخدم حاسوبه الحكومي للبحث عن كلمة "تسريب" في 6 أبريل/نيسان.
وفي تغريدة نشرت، الجمعة، بعد فترة قصيرة من مثول تيشيرا أمام المحكمة، قال إريك توليرمدير، خبير الأبحاث والتدريب في "بيلنج كات"، والذي يظهر اسمه أيضًا في تغطية "نيويورك تايمز" للقصة، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان متقدما في تحديد هوية تيشيرا.
وأضاف: "كان يجب أن يكون ذلك واضحا، لكن لا، تسمية قصتنا لمسرب البنتاغون/ديسكورد لم تساعد الفيدراليين في العثور عليه، علموا بالفعل قبل يوم واحد على الأقل من تحديدنا لهويته".
ومع ذلك، بحسب "الغارديان" البريطانية، كان ما أظهرته "بيلينج كات" و"نيويورك تايمز" هو مدى انتشار مشاركة الوثائق، وإهمال تيشيرا الواضح حيث ترك آثارا رقمية أدت إلى كشف هويته.
وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" قصة الوثائق المسربة للمرة الأولى في 7 أبريل/نيسان، مشيرة إلى عمل مجموعة "بيلينغ كات" في إيجاد قسط من الوثائق التي تمت مشاركتها في مارس/آذار عبر "ديسكورد".