الوثائق المسربة.. إدارة بايدن لا تفهم ما حدث
لشهور عدة ظلت وثائق البنتاغون المسربة "طائرة" على شبكات التواصل الاجتماعي ولم تتمكن الحكومة الأمريكية من اصطيادها.
أمر أثار تساؤلات عن كيفية عدم ملاحظة الإدارة الأمريكية صور الوثائق السرية المسربة، خاصة أن تداولها كان واضحا على موقع شهير للتراسل، خلال فترة تعود إلى يناير/كانون الثاني الماضي.
ولم تلتفت إدارة البيت الأبيض على مدار هذه الشهور للوثائق إلا في الوقت الذي نُشرت فيه بوسائل الإعلام أوائل أبريل/نيسان الجاري.
وقال مسؤول أمريكي، طلب عدم تسميته، لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية: "لم يعلم أحد بالحكومة الأمريكية أنها كانت هناك".
وحول سبب عدم معرفة الحكومة الأمريكية، قال مسؤول كبير آخر بإدارة الرئيس جو بايدن، طلب عدم كشف هويته: "لا يمكننا الإجابة عن ذلك بعد. نود جميعا أن نفهم كيف حدث ذلك".
وفي 6 أبريل/نيسان الجاري، تم إطلاع كبار المسؤولين بأجهزة الأمن القومي على مسألة الوثائق، وهو نفس اليوم الذي نشرت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن التسريب للمرة الأولى، بحسب مسؤولين أمريكيين كبار.
وبدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن النظر في قضية التسريب الأسبوع الماضي فقط.
نقطة عمياء
تأخير دفع مسؤولين حاليين وسابقين للتساؤل حول سبب عدم ملاحظة الخرق لفترة طويلة. ويرجح أنه ربما يكون هناك نقطة عمياء كبيرة على شبكة الإنترنت في عملية جمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية.
وقال جون كوهين المسؤول السابق بوزارة الأمن الداخلي: "الوكالة الفيدرالية لا تراقب بشكل استباقي المنتديات الإلكترونية بحثا عن الأنشطة المرتبطة بتهديدات. إذا نشر شخص أو كيان معلومات سرية على أحد هذه المنتديات، هناك احتمال كبير ألا يكتشفها مسؤولو الحكومة".
ولا يزال المسؤولون بالدوائر العليا من البنتاغون ومجتمع الاستخبارات وفي وزارة العدل يسعون جاهدين لمعرفة من سرب المعلومات للمرة الأولى، وكيف لا يزال يتم تداول العديد من الوثائق الأمريكية السرية، ولماذا لم يلحظها أحد.
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الخميس، عن أن المسؤول عن التسريب الهائل للوثائق السرية الخاصة بالحكومة الأمريكية عمل في قاعدة عسكرية أمريكية.
ولفتت إلى أن المسؤول عن التسريب هو شاب متحمس ومهتم بالأسلحة النارية، وشارك وثائق سرية للغاية مع مجموعة من المعارف البعيدة الذين يبحثون عن رفقة وسط عزلة وباء كورونا.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن المجموعة المسؤولة عن التسريب تتألف من حوالي 20 شخصا "اتحدوا بحبهم المتبادل للبنادق والعتاد العسكري"، ومعظمهم من الرجال والفتيان وتجمعوا منذ عام 2020 على منصة "ديسكورد".
ووفقا لـ"بوليتيكو"، قال مسؤولون سابقون وحاليون إنه في حين كل وكالة مسؤولة عن التحقيق في انتهاكات الاستخبارات داخل إداراتها، لا يوجد مكتب مسؤول عن مراقبة، على سبيل المثال، مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن تسريبات سرية.
نفي للشبهات
وتؤكد الحكومة الأمريكية -بما في ذلك البنتاغون والوكالات بمجتمع الاستخبارات- أنها لا تتجسس على الأمريكيين، وهناك حجة مفادها بأن مراقبة هذه المنتديات الإلكترونية -حتى ولو من أجل المواد المسربة بشكل غير قانوني- يمكن اعتباره هكذا.
وقال مسؤول استخبارات أمريكي سابق مطلع على التحقيق بشأن الوثائق: "هل نريد حقا أن تراقب الحكومة كل شيء يقال على مواقع التواصل الاجتماعي؟ الإجابة عن ذلك هي لا. إذا فعلت ذلك، ستدخل تلقائيا في مسألة الحريات المدنية".
وأضاف: "لم نتبين بعد طريقة لموازنة تلك الدائرة بين حماية حقوق الناس في التحدث من ناحية، واكتشاف ما يحدث من ناحية أخرى".
وبدأ أعضاء خادم على "ديسكورد"، أصبح معطلا الآن، أن يروا للمرة الأولى معلومات حكومية بشأن قضايا عالمية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، هذا الشتاء، بحسب أشخاص اطلعوا على المحتوى من هذه المجموعة.
وبدأ أحد المستخدمين من هذه المجموعة -الذي حذف حسابه- نشر المعلومات في شكل مكتوب وملخص في وقت ما من فصل الشتاء.
وبعدها بأسابيع، أي بداية في يناير/كانون الثاني، بدأ المستخدم نشر صور لما بدا أنه وثائق سرية أمريكية داخلية تم طباعتها وطيها من المنتصف. وكان بعضها مصنفا "سري" و"سري للغاية".
ثم في مارس/آذار الماضي، أعاد أحد المستخدمين من خادم ديسكورد نشر هذه الصور على مجموعة ثانية على الخادم الذي يعرف باسم "واو ماو".
وقال اليوتيوبر الفلبيني الشهيرن ماو، الذي أنشأ تلك المجموعة: "نُشر أكثر من 30 وثيقة تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف ماو أن الشخص الذي نشر الوثائق ربما كان يحاول أن يكون "رائعا" أو "مضحكا".
وتابع: "لا بد أنه كان قريبا من الدوائر حيث توجد قراصنة. هناك خوادم على ديسكورد حيث ينشر الناس مواد مقرصنة وجدوها وأشياء عثروا عليها على الدارك ويب، وتتم مشاركتها فقط في تلك الدوائر. وأحيانا تتسرب بعض الأشياء من هناك".
وبعدما نشرت الوثائق على "واو ماو"، ظهرت أيضا على مواقع تواصل اجتماعي أخرى، من بينها "تويتر"، و"إنستغرام"، و"تليغرام".
قيود قانونية
جون كوهين المسؤول السابق بوزارة الأمن الداخلي أكد كذلك أنه على مدار السنوات الماضية، أصبحت عدة وكالات حكومية على دراية بالجانب الإيجابي المحتمل لمراقبة منتديات إلكترونية محددة، لكن المشكلة تكمن في وجود قيود قانونية معينة على ما يمكن لمسؤولي الحكومة فعله لمراقبة نشاط الأمريكيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أنه مسموح لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" بالتحرك على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية الأخرى لمراقبة النشاط عندما تفتح قضية معينة.
ويمكن لوزارة الأمن الداخلي أيضًا مراقبة أنشطة إلكترونية معينة، لكن فقط على المنتديات المفتوحة للجميع. ويمكن لمجمع الاستخبارات كذلك مراقبة الرسائل على الشبكات الاجتماعية، فضلًا عن الاتصالات الأخرى للأجانب.
لكن في هذه الحالة، لم يكن الفرد يهدد بأعمال عنف، ولم تكن هناك مؤشرات على أن هذا الشخص كان معروفا لدى سلطات إنفاذ القانون لأي سبب آخر.
ولم يتضح عدد الوثائق التي تم تداولها على الإنترنت منذ عملية النشر الأصلية على ديسكورد. واختفى منذ ذلك الحين العديد من المستخدمين والخوادم حيث ظهرت الوثائق للمرة الأولى.
إلا أن شخصا اطلع على الوثائق على خادم ديسكورد الأصلي قال إنه يعتقد أن هناك ربما العشرات من الوثائق السرية الإضافية التي لم يكشف عنها للجميع.