بالفيديو.. الاستفتاء يفجر خلافات النخبة داخل "العدالة والتنمية" الحاكم بتركيا
خلافات يبدو أنها تتحول تدريجيا إلى شرخ كبير ، وسط مطالبات بحملة تغيير بالحزب
فجرت نتيجة الاستفتاء الشعبي الأخير في تركيا خلافاً في صفوف مفكري وإعلاميي حزب "العدالة والتنمية" الحاكم.
خلافٌ يبدو أنه يتحول تدريجياً إلى شرخ واسع لن يكون بمقدور القياديين ترميمه إلا عبر حملة تطهير وتغيير واسعة يطالب بها الكثيرون، لأنها بدأت كما يرون، تؤثر سلبا على قوة الحزب ونفوذه وصورته أمام الرأي العام في البلاد.
الفتيل أشعله مؤخراً الإعلامي "جم كوتشوك" عندما طالب بإبعاد "مجانين" يتحملون مسؤولية ضرب علاقات تركيا مع أكثر من جهة خارجية، كما حدث في مسألة أسطول مرمرة، حيث تسببوا في "ضرب وتدهور العلاقات التركية الإسرائيلية".
أقلامٌ وأصواتٌ كثيرة مقربة إلى قياديي الحزب سارعت للرد على كوتشوك، محملة أمثاله مسؤولية تراجع أصوات "العدالة والتنمية" والتسبب في توتير العلاقة بين القاعدة والقيادة.
"نوزات تشيشاك" و"إسماعيل كوشوك أرصلان" كتبا يقولان "وصلنا إلى السلطة، لكننا فقدنا الكثير لأن أشخاصاً (في إشارة إلى كوتشوك دون أن يسمياه) يتسترون على أفعالهم عبر إعلان محبتهم للحزب، لكنهم عبر كلام من هذا النوع يهددون مباشرة فكر الحزب ومبادئه، ويقومون بإلحاق أضرار أكبر في صورته وبنيته .
النائب والكاتب المعروف في الحزب "محمد متينار" استغل الفرصة لنقل المواجهة والتصعيد إلى جبهة أخرى، وللتذكير بما اعتبرها "الأضرار" التي تسبب بها القيادي ورئيس البرلمان السابق بولنت أرينش، وكذلك الوزير السابق سعاد كيليتش، من خلال مواقفهما حول أنصار جماعة "فتح الله جولن" الذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016.. هذه المواقف التي أدت إلى تأخر المواجهة مع هذا التنظيم داخل المؤسسات التركية .
الإعلامي "هاقان البيرق" من صوبه، كتب ينتقد محاولات تحميل الرئيس التركي السابق عبد الله غل، ورئيس الوزراء المستقيل أحمد داوود أوغلو، مسؤوولية "التوتر والتأزم" في الحزب، داعياً إلى عدم نكران الجميل وما بذلاه من جهد وعطاء لإيصال الحزب إلى ما هو عليه اليوم، رغم أن هذا الموضوع لن يُغلَق في "العدالة والتنمية" بمثل هذه السهولة كما يبدو للكثير من المحللين وعلى رأسهم الكاتب "أحمد طاش غتيران" .
رئيس الوزراء بن علي يلدريم يقول "تسلمنا رسالة المواطن التركي، الشعب يثق بنا، لكن علينا إعادة النظر في الكثير من الأمور"، غير أن لا أحد يعرف بعد، كيف سيتصرف الرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن يتسلم منصب رئاسة الحزب خلال أسابيع؟، وكيف ستكون عملية التغيير والتجديد في صفوف قيادات وكوادر الحزب العليا؟ رغم أن الجميع يلتقي حول نقطة ضرورتها وحتميتها إذا ما كان "العدالة والتنمية" يريد أن يحصّن مواقعه ودوره في العملين الحزبي والسياسي في البلاد.
نتيجة الاستفتاء التركي لم تكشف فقط عن حجم الانقسامات على ما يبدو وحِدّتها، بل ستقود إلى ضرورة مراجعة أسس فكرية واجتماعية تعرضت للتغيير في السنوات الأخيرة وصفها البعض ببراغماتية سياسية وأيديولوجية تتقدم على حساب فكر الحزب ومبادئه المعلنة يوم التأسيس قبل 15 عاما .
وهنا يبرز موضوع ضرورة مناقشة أسباب خسارة الحزب للمدن الكبرى في الاستفتاء الدستوري، مثل انقرة واسطنبول وازمير، وربط المسألة بالأرقام التي تقول إن نسب المتعلمين في هذه المدن كلما ارتفعت كلما صوتت ضد الحزب، فيما دعمت الأرياف التركية، حيث نسب التعلم متراجعة بالمقارنة مع المدن .
النقاش هنا يتمحور حول مسألة أن الثقافة السياسية في المدن أعمق من الثقافة السياسية لسكان الريف. ومن هنا كانت خشية البعض أن استمرار ارتفاع النسب على هذا النحو سينعكس سلباً على شرائح الحزب وعمله في المدن التي يريد أن يقودها بالفوز في الانتخابات المحلية والبلدية.
"كمال أوز تورك"الكاتب في صحيفة "يني شفق"، والمدير العام السابق لوكالة أنباء الأناضول، يدعو لإنهاء هذا التوتر الذي ينعكس مباشرة على موقع ودور الحزب وقواعده الشعبية وإعطاء الأولوية لإنجاز الخطط والمشاريع.
الامتحان الأصعب الذي ينتظر "العدالة والتنمية" لن يكون فقط حول ما الذي سيقرره أردوغان، بل ضرورة مراجعة وتدقيق استطلاعات الرأي الجديدة، بعد إعلان نتائج الاستفتاء والتعامل معها بدقة، خصوصاً وأن أولها صدر قبل أيام يقول إن أصوات النساء لعبت دوراً أساسياً في فوز الحزب، وأن غالبية النساء كنّ من ربات المنازل اللواتي قُدنّ الحملات الدعائية والترويج للحزب .
هناك من يحاول أيضاً أن يقدم المشهد على أنه أمرٌ مطلوب وصحي، ويدل على صحة الحزب وقوته خصوصاً وأن عودة أردوغان إليه ستكون خطوة إيجابية كبيرة مثل ما يقوله "أوكان مدرس أوغلو" . وهذا ما يؤكده كذلك ألاكاديمي التركي المقرب من الحزب "فخر الدين التون" بقوله إن هذه المرحلة تتطلب منا أن نتعامل بكثير من الهدوء والحكمة، وأن تركيا الغد ستكون غير تركيا اليوم والأمس، لكن الكرة هي في ملعب أردوغان، وكيف ستكون قراراته وأسلوب إدارته للحزب والبلاد من مكان واحد؟.
مهمة الرئيس التركي الحزبية هذه المرة ستكون صعبة . سيحظى بمساحة أوسع لاتخاذ القرار وتنفيذه ربما، لكنه سيعاني من مشكلة إدارة الحزب والبلاد والجمع بينهما في أحيان كثيرة، فهل ينجح في ذلك ؟
دخول النخبة الفكرية والإعلامية المحسوبة على حزب "العدالة والتنمية" في هذه المواجهة المفتوحة أول مؤشر على صعوبة المهمة .