قرار المقترع التركي الذي خرج من صناديق التصويت يوم الأحد المنصرم بتاريخ 16 أبريل / نيسان 2017 لم يفرح حزب العدالة والتنمية لكنه لم يساعد المعارضة التركية على إعلان فوزها أيضا.
قرار المقترع التركي الذي خرج من صناديق التصويت يوم الأحد المنصرم بتاريخ 16 أبريل / نيسان 2017 لم يفرح حزب العدالة والتنمية لكنه لم يساعد المعارضة التركية على إعلان فوزها أيضا.
النتيجة شبه الرسمية تقول إن نسبة 51.4 صوتت لصالح رزمة التعديلات الدستورية بينما عارضتها نسبة 48.6، لكن هناك حقيقة سياسية واجتماعية أخرى تقول إن المجتمع التركي انقسم إلى نصفين حول التعديلات التي ستنقل البلاد من نظام الحكم البرلماني إلى الرئاسي مع صلاحيات استثنائية لرئيس الدولة.
رغم إعلان أردوغان أن إقرار التعديلات الدستورية في الاستفتاء هو نصر لتركيا، فإن المعارضة ترى أن النتيجة انتصار لها
رغم إعلان الرئيس التركي أن إقرار التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي، هو نصر لتركيا بأسرها، فإن المعارضة ترى أن النتيجة هي أيضا انتصارا لها مطالبة بالتراجع عن المضي في هذه المغامرة الدستورية التي سيكون لها ارتداداتها الاجتماعية والسياسية الكبيرة على تركيا . فما هي أبرز الدروس الواجب استخلاصها تركيا على ضوء النتائج والتطورات الحاصلة بعد الانتهاء من الاستفتاء ؟
- الاستفتاء والنقاش الحاصل لا يجري فقط حول تغيير بسيط في الدستور يتعلق بمادة حياتية يومية بل هو يطال البنية السياسية والدستورية لتركيا التي وضعت أسسها قبل 150 عاما وثبتها "أتاتورك" عام 1923 مع إعلان أسس الدولة التركية الحديثة ومعالمها بالنسبة للأتراك ويريد حزب العدالة والتنمية اليوم قلبها رأسا على عقب .
- تقارب نسب الدعم والرفض على تصويت لإقرار عملية تغيير في 18 مادة دستورية أساسية تتطلب قراءة سياسية جديدة في صفوف الحكم والمعارضة تأخذ بعين الاعتبار خطورة المرحلة والملفات الداخلية والخارجية الساخنة التي تنتظر تركيا .
- فشل الحزب الحاكم في الحصول على الدعم الواسع الذي كان يمني النفس به وخسارته المدن الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول وأزمير يرتبط مباشرة بمسألة ترك موضوع التعديلات الدستورية جانبا والتركيز على مسائل سياسية وأمنية واقتصادية لها علاقة بالانجازات التي تحققت طيلة 15 عاما من حكم العدالة وتقديم دور وعامل الرئيس رجب طيب أردوغان وثقله في الحملات والمهرجانات التي نظمها.
- تجاهل حزب العدالة والتنمية حقيقة قلق شرائح واسعة من المجتمع التركي ترى أن التصويت في الاستفتاء هو أساسا يطال تغيير النظام العلماني الأتاتوركي لصالح نظام رئاسي يقوده الجناح الإسلامي في تركيا يريد الانتقال بتركيا إلى الجمهورية الثانية إداريا ودستوريا.
- تحمل الرئيس أردوغان مسؤولية قيادة الحملات والدخول في نقاش يومي مع المعارضة حول أهداف التعديلات في محاولة لإقناع وكسب دعم المواطن التركي والتي لم تؤد إلى النتيجة المتوخاة.
- قدرة ما سمي بالتيار الصامت في حزب العدالة من سياسيين ومثقفين على توجيه رسائل معاكسة في رفض ما يجري بينها قيادات اختارت السكوت على إعلان موقف واضح مثل الرئيس التركي السابق عبدالله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو .
- عجز حزب العدالة والتنمية عن كسب أصوات فئة جديدة تلتحق للمرة الأولى في العملية الانتخابية وهي فئة الشباب التي تصل إلى مليوني مقترع تقول استطلاعات الرأي التي نشرت بعد إعلان نتائج الاستفتاء أن نسبة 58 بالمائة عارضت دعم مشروع التعديلات.
- الأضرار السياسية التي تسبب بها قبل أيام فقط من التوجه إلى صناديق الاقتراع أحد مستشاري الرئيس أردوغان الذي حاول مغازلة الأصوات الكردية بقوله إن الباب سيفتح في المرحلة المقبلة لمناقشة موضوع نظام الولايات في البلاد مما أغضب القوميين الأتراك ودفعهم إلى التراجع عن دعم الاستفتاء حيث تقول الاستطلاعات أن 3 بالمئة فقط من مجموع أصوات الحركة القومية التي تصل إلى 11 بالمئة أيدوا التعديلات الدستورية .
- تحول الأصوات الكردية في مناطق جنوب شرق تركيا إلى بيضة القبان التي سهلت للعدالة والتنمية المتحالف مع حزب يميني قومي أن يحصل على ما يريد في الاستفتاء وهي رسالة يمكن تفسيرها كما تقول قيادات كردية على شكل مطالبة الحكومة بتغيير طريقة تعاملها مع المسألة الكردية في تركيا.
خلوة حزبية باكرة لحزب العدالة والتنمية باتت حتمية لتحليل وفهم ما جرى وتحديد استراتيجية تحرك جديدة في الداخل لأن سياسات تركيا الداخلية والخارجية هي التي ستكون أمام الامتحان الصعب في المرحلة المقبلة ، خصوصا وأن الرئيس التركي يقول منذ الآن أنه جاهز للذهاب وراء استفتاءات أخرى في مسائل حساسة مثل إعادة العمل بقانون الإعدام والاستفتاء على مصير العلاقات التركية الأوروبية.
=========
كاتب ومحلل تركي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة