عودة «كابيلا» تُربك الكونغو الديمقراطية.. وسيط سلام أم انقلاب ناعم؟

عودة مفاجئة للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، إلى البلاد تربك الشارع السياسي وسط مشهد مضطرب شرق البلاد.
وما زاد من الجدل حول عودة الرئيس السابق الوجهة التي اختارها وهي مدينة غوما أكبر مدن شرق البلاد الغنية بالمعادن والتي يسيطر عليها المتمردون من حركة «إم 23» منذ نهاية يناير/كانون الثاني بعد تقدم خاطف أجبر آلاف الأشخاص على الفرار وأثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية.
ويرى خبراء مختصون في الشأن الأفريقي أن عودة الرئيس الكونغولي السابق إلى مدينة غوما، بعد ست سنوات من المنفى، تشكّل "منعطفًا غامضًا" في خضم النزاع المستعر مع حركة إم 23، وتثير تساؤلات حول أبعاد هذه الخطوة إن كانت تحمل نيةً للتوسّط، أم رسالة تحدٍّ للحكومة الحالية.
فبينما أعلنت السلطات الكونغولية تعليق حزب كابيلا ومصادرة أصوله، وسط اتهامات بدعمه للحركة المتمردة، اختار الأخير أن يتوجّه مباشرة إلى قلب الأزمة في شرق البلاد، معلنًا مشاركته في "جهود وقف إطلاق النار".
لكن اختياره مدينة غوما كبوابة للعودة، لا يُقرأ، بحسب مراقبين، كتحرك بريء، بل كمناورة سياسية قد تؤثر بشكل مباشر على توازنات القوى في المنطقة، وربما على مفاوضات السلام المتعثرة.
وتتهم السلطات كابيلا باتخاذ موقف "غامض" من الحركة، ورفضه المتكرر لإدانة التمرد أو دعم رواندا للحركة. كما اعتبرت دخوله إلى البلاد عبر مدينة غوما -الخاضعة جزئياً لسيطرة M23- خطوة "متعمدة ومثيرة للشك"، خاصة أن هذه المدينة تشهد توترات عسكرية مستمرة.
من جهته، رد حزب كابيلا على الاتهامات في بيان مطوّل موجه إلى وزارة الداخلية، نافياً جميع المزاعم، ومعتبراً أن ما يجري هو "حملة اضطهاد سياسي". وأكد الحزب أنه يتبع نهج "المقاومة السلمية"، وأن كابيلا لم يزر غوما كما تدّعي الحكومة، رغم ظهور تغريدات من مقربين منه تلمّح إلى وجوده هناك وإعداده لإلقاء خطاب.
كما رفض الحزب ما وصفه بـ"الاستغلال السياسي" لعودة كابيلا، مؤكداً أن "زيارة مدينة غوما -عاصمة إقليم كونغولي- لا يمكن اعتبارها دليلاً على دعم التمرد".
صراع نفوذ
وعن رد فعل الحكومة على عودة الرئيس السابق، قال مارك ديسروشر، خبير في مركز الأبحاث الأفريقية (CERI – Sciences Po) لـ"العين الإخبارية" إن "السلطات الكونغولية اختارت التصعيد ضد كابيلا ليس فقط لأسباب أمنية، بل أيضاً لأهداف سياسية داخلية.
وأضاف أن "هناك محاولة واضحة من الرئيس فيليكس تشيسيكيدي لإضعاف خصومه تمهيداً للمرحلة المقبلة. عودة كابيلا تُعد تهديداً رمزياً، لأنها تعيد إلى الواجهة شخصية لها وزن تاريخي وشعبي في الشرق".
وترى كلير دوفور، باحثة في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، أن "ما يجري هو صراع نفوذ بين أجنحة السلطة. كابيلا ربما لا يملك حالياً تأثيراً مباشراً على إم 23، لكن وجوده في غوما، أو حتى الإشارة إلى ذلك، يُعد تحدياً كبيراً للنظام".
كما اعتبرت دوفور، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن ربطه بالمفاوضات الجارية في الدوحة يُربك الحسابات، لأن أي انفتاح محتمل منه على الحركة يمكن أن يقلب ميزان التفاوض.
لماذا اختار غوما؟
وتؤكد الباحثة السياسية الفرنسية أن غوما ليست مدينة عادية، لكنها "بوابة الشرق المضطرب"، ومركز النزاع بين الجيش الكونغولي وحركة إم23، التي تسيطر على أجزاء منها بدعمٍ متزايد – بحسب الحكومة – من رواندا.
كما أن كابيلا، الذي زار المنطقة بتكتم، قال إنه يسعى لـ"المساهمة في جهود وقف إطلاق النار"، لكن السلطة تشكك في نواياه، وفق دوفور، التي اعتبرت أن وجوده في هذا التوقيت وهذا المكان "إشارة سياسية مشبوهة".
هل لكابيلا تأثير فعلي على إم 23؟
وتعتبر دوفور أن الرئيس السابق، الذي حكم البلاد لعقدين (2001 – 2019)، يُعتبر شخصية مؤثرة في شرق البلاد، خصوصاً في أوساط نخب محلية لها علاقات معقدة مع الجماعات المسلحة.
لكن حتى الآن، لا يوجد دليل مباشر على علاقة تنظيمية أو تمويل واضح بينه وبين إم23. مع ذلك، يتهمه مقربون من الحكومة بأنه يملك قنوات اتصال قديمة مع ضباط سابقين مرتبطين بالحركة.
وترى الباحثة السياسية الفرنسية أن مجرد ظهوره في غوما قد يُفسَّر كـ"رسالة سياسية" مناهضة للحكومة الحالية، أو على الأقل محاولة للعودة إلى المشهد من زاوية الأزمة الأمنية.
وتجدد النزاع، الذي يعود إلى نحو 3 عقود، بشكل لافت في يناير/كانون الثاني الماضي، مع شنّ المتمردين، الذين تقودهم عرقية «التوتسي» والمدعومين من رواندا، هجوماً في شرق الكونغو الديمقراطية، متقدمين نحو مدينة غوما؛ ثانية كبرى مدن شرق الكونغو الديمقراطية وعاصمة إقليم شمال كيفو الذي يضم مناجم للذهب والقصدير، وكذلك نحو مدينة بوكافو الاستراتيجية؛ كبرى مدن شرق الكونغو وعاصمة إقليم جنوب كيفو، في أكبر توسّع بالأراضي الخاضعة لسيطرة حركة إم 23 منذ بدء أحدث تمرد لها في عام 2022، وبعد صعود وهبوط في المواجهات التي تصاعدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ومنذ 2021، أُقرّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة في شرق الكونغو الديمقراطية، الغني بالموارد الطبيعية، ويشهد نزاعات منذ مدة طويلة. وباءت بالفشل كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع.
ومطلع أبريل/نيسان الحالي، استضافت الدوحة محادثات «سرية» بين المتمردين ومسؤولين بالكونغو، وفق «رويترز»، في حين تأجَّلت محادثات علنية بعدها بأيام، وفي حين لم يتضح سبب تأجيل الاجتماع، قال مسؤول كونغولي إنها «مسألة تنظيمية ليس إلا».
والأسبوع الماضي، عين الاتحاد الأفريقى، رئيس توغو فور غناسيمبي وسيطا للاتحاد الأفريقي من أجل حل الصراع المستمر في شرق الكونغو خلفا للرئيس الأنغولي جواو لورينسو الذي شغل المنصب حتى الشهر الماضى.
والخميس الماضي، بحث الرئيس التوغولي مع نظيره بالكونغو تطورات حل الأزمة مع المتمردين خلال لقاء في كينشاسا، ضمن إطار مهمته الجديدة، وفق الرئاسة الكونغولية وإعلام أفريقي.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE5MSA= جزيرة ام اند امز