«إم 23» ومناجم الشرق الكونغولي.. من هنا بدأت الأزمة

كيف لفصيل متمرد أن يتمكن من البقاء لعقود ويقود هجمات مستمرة على قوات حكومية، بل يتمكن من تحقيق تقدم على الأرض؟
استفهام يتبادر للذهن في ظل التطورات المتسارعة شرق الكونغو الديمقراطية، هناك حيث أحرز متمردو حركة «23 مارس» المعروفون اختصارا بـ«إم 23» تقدما كبيرا بالمنطقة منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
واستولى المتمردون على مدينتي غوما وبوكافو الرئيسيتين، ما دفع مئات آلاف السكان إلى النزوح.
الكونغو الديمقراطية و« إم23».. محادثات مباشرة لـ«تسوية سلمية»
إم 23.. طموح يتجاوز الكونغو إلى البحيرات العظمى
المناجم.. السر الأكبر
تتفرّع دهاليز المناجم تحت المرتفعات الجبلية والحقول الخصبة في شرق الكونغو الديمقراطية وهي منطقة تدر أموالا طائلة تستفيد منها حركة "إم 23" بدلا من الحكومة الكونغولية.
ويعد منجم روبايا بمثابة جوهرة التاج للتوسع الإقليمي للحركة، وهو أكبر منجم للكولتان في البلاد، ويعود على الجماعة بعائدات تبلغ نحو 800 ألف دولار شهريا، وفقا لخبراء الأمم المتحدة.
والكولتان معدن يُستخرج منه التنتالوم، المستخدم عادةً في الإلكترونيات مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وسيطرت الجماعة المسلحة على منجم روبايا والمناطق المحيطة به في إقليم شمال كيفو منذ عام 2024، وأنشأت إدارتها الخاصة في المناطق التي سيطرت عليها.
وقام حاكم شمال كيفو المعين من قبل المتمردين، باهاتي إيراستون، بزيارته الأولى الأسبوع الماضي إلى مدينة روبايا للتعدين، حيث ألقى الحفارون أدواتهم بعد أن طُلب منهم حضور اجتماع مع إيراستون.
وأطلق المتمردون حملة تجنيد في المنطقة، على أمل جذب الناس لمساعدتها في الإطاحة بالحكومة في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية - على بعد نحو 1500 كيلومتر إلى الغرب.
وأكد إيراستون: "أين الشباب؟ فليأتوا وينضموا إلينا".
واندفع بضع عشرات من الشباب والشابات عبر الحشد للتسجيل وسط هتافات المتفرجين، على الرغم من أنه كان من الصعب معرفة ما إذا كان دعمهم صادقا.
وأكد ديو ميرسي باهاتي، وهو حفار حرفي، لوكالة فرانس برس: "لم تعد وظيفتي تسمح لي بدعم احتياجاتي، لذلك قررت الانضمام إلى المتمردين للدفاع عن بلدي".
شبه دولة
يعتقد أن شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية يحتوي على ما بين 60 و80% من احتياطيات الكولتان العالمية.
ونظرا إلى أن حركة "إم 23" تفرض ضريبة قدرها 7 دولارات للكيلوغرام على جميع الكولتان المُنتَج والمُتاجر به، فإن هذا المعدن يُعدّ تجارة مربحة للجماعة المسلحة.
ومع ذلك، لا يُمثل هذا سوى جزء ضئيل من عائدات الضرائب من التجارة، حيث تسعى الجماعة المسلحة إلى حكم الشرق.
وفي روبايا، أنشأت حركة "إم 23" إدارة خاصة بها "تشبه إدارة الدولة"، بحسب خبراء الأمم المتحدة.
وأشاروا إلى أن الحركة قامت بإنشاء "وزارة مسؤولة عن استغلال المعادن"، تُصدر "تصاريح للحفارات والفاعلين الاقتصاديين".
ومنذ بداية العام، استولى المتمردون على غوما وبوكافو، المدينتين الرئيسيتين في شمال وجنوب كيفو على التوالي، في إطار هجوم خاطف.
وهذا يعني أن الحركة تسيطر الآن على جميع النقاط التجارية في جمهورية الكونغو الديمقراطية المؤدية إلى الحدود الرواندية.
وتشير مصادر اقتصادية وأمنية إلى أن "إم 23" تفرض ضريبة قدرها آلاف الدولارات على كل شاحنة متجهة إلى رواندا عند النقاط الحدودية قرب غوما.
ويعتمد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير على المنتجات المستوردة من رواندا، كما يُصدّر منتجات زراعية إلى رواندا ودول أخرى في منطقة البحيرات العظمى.
من نوع جديد
يبدو أن عمال المنجم، مثل الحفارين، سعداء بالأمن النسبي الذي يتمتعون به في أثناء وجودهم في مكاتبهم تحت الأرض.
وتروي غريس موغيشا، وهي حفارة في روبايا: "أخذت المليشيات الموالية لكينشاسا المال والهواتف منا، لكن منذ وصول إم 23 لم أتعرض لأي هجوم".
لكن مع التحسن الأمني، فرضت قيود من نوع جديد.
ففي جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، فرضت حركة "إم 23" ما يُعرف بـ"سالونغو" - وهو نوع من الخدمة المجتمعية غير مدفوعة الأجر يُجبر السكان على أدائها مرة واحدة أسبوعيا.
ويرى جيرمان نكينزو، أحد قادة إم 23 في مينوفا، وهو ميناء تجاري على بحيرة في جنوب كيفو، أن "سالونغو" يهدف إلى غرس "الانضباط" و"تغيير العقليات" من أجل تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لكن امرأة قالت وهي تحمل مجرفة لدى عودتها من الخدمة المجتمعية "يجب أن تكون التنمية ثمرة إرادة الجميع، لا عملا قسريا".