قصر النيل .. من الخديوي إسماعيل إلى هوس "السيلفي"
"كوبري قصر النيل" الذي عرف قديمًا باسم كوبري الخديوي إسماعيل، أصبح في السنوات الحالية مصدرا للبهجة والسعادة عندما تمر من عليه.
ملتقى الأحبة ومتنزه لجميع المصريين باختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية، ونظرًا لموقعه الساحر وقربه من أهم معالم العاصمة القاهرة كـ نهر النيل، وبرج القاهرة، والمتحف المصري، أصبح له طابع خاص ومميز عن باقي الكباري المصرية المنتشرة بالقاهرة الكبرى.
"كوبري قصر النيل" الذي عرف قديمًا باسم كوبري الخديوي إسماعيل، نسبة إلى صاحب فكرة إنشائه، أصبح في السنوات الأخيرة مصدرا للبهجة والسعادة عندما تمر من عليه، ففي مشهد يتكرر يوميًا تنتشر المارة على جوانبه المختلفة، رغبة في قضاء وقت ممتع ونزهة قريبة ومناسبة في الأسعار، ليلتقط البعض صورًا تذكارية، ويفضل البعض الآخر تأجير "الحنطور" لمشاهدة الكوبري وأسوده الأربعة والاستمتاع برؤية نهر النيل من أعلى الكوبري.
تاريخ إنشائه
وترجع فكرة بناء كوبري قصر النيل إلى عهد الخديو إسماعيل، عندما قرر أن بنهض بمصر اقتصاديًا ومعماريًا، بالربط بين القاهرة وتحديدًا من ميدان التحرير ومنطقة الجزيرة الواقعة في الضفة الغربية للنيل، ليقوم بعدها بإنشاء الكوبري كمعبر رئيسي بين الجانبين عام 1869.
وقامت شركة فرنسية بتشييد الكوبري بتكلفة قدرت بحوالي 108 آلاف جنيه مصري، وبلغ طوله 406 أمتار و10 أمتار ونصف للعرض، ليصمم مزودًا بفتحتين على دعائم مكونة من الحجر الجيري الصلب، بطول يبلغ 32 مترًا، وعملت الشركة المصممة على وضع أساسيات قوية للكوبري بحيث يتحمل المارة والعربات بأوزان مختلفة، ووضعت الأساسيات بطريقة الهواء المضغوط للتحمل أوزان من 6- 40 طنا، وقديمًا كانت فتحاته الرئيسية هي مخصصة للملاحة والمناورة التي تتم يدويًا وتدار بواسطة تروس خفيفة وسهلة الاستخدام.
وفي يوم 10 فبراير/ شباط 1872 تم افتتاح كوبري قصر النيل ليسمح بمرور العربات والمارة من عليه، لتمر أول مجموعة مدافع مكونة من 6 مدافع ذخيرة، كتجربة أولى لاختبار قوة تحمل الكوبري، ودرجة الاهتزاز التي يتعرض لها نتيجة مرور عربات أو معدات ثقيلة الوزن عليه.
وفي الوقت نفسه وضعت الشركة الفرنسية "فيف ليل" المسؤولة عن التصميم وبتوصية من الخديوي إسماعيل، مواصفات الشكل والدهان التي تغطي الأجزاء المعدنية الخاصة بالكوبري، لتتكون من طبقات أربعة، السلاقون، التي تم تحديد الدهان والشكل داخل مصانع متخصصة، ومفاصل وأجزاء أخرى تدهن قبل مرحلة التركيب، وأخرى تم إنهاء التصميم والدهان الخاصة بها في معامل كيميائية، بحيث لا تتأثر هذه المواد والأجزاء بدرجة المناخ والحرارة والأمطار، أو التأثر بمرور السنوات والتغيرات المناخية.
الأسود الأربعة .. هوس الـ سيلفي
وأصبحت الأسود الأربعة جزءًا أساسيًا من التصميم، لتقام الأسود على مداخل الكوبري، وهى تماثيل مصنوعة من البرونز تم تصنيعها في فرنسا، ونقلت بعدها لمحافظة الإسكندرية لتقام منذ هذا الوقت وحتى الآن على مداخل الكوبري، ليطلق على الكوبري والخديو إسماعيل اسم " أبو الأشبال"، و" أبو السباع" نسبة للتماثيل الأربعة المميزة للمعبر الرئيسي بين ميدان الإسماعيلية وقتها "ميدان التحرير"، والجزيرة بمنطقة الزمالك حاليًا، وسمح الكوبري بنقل البضائع والأشخاص بشكل أكثر سهولة، وساعد في حماية أصحاب المراكب والصيادين من مياه النيل في أوقات الفيضان.
وبعد أكثر من 60 عاما على إنشاء الكوبري، قام الملك فؤاد الأول في الرابع من فبراير/ شباط 1931، بوضع بعض التجديدات والتغييرات على الكوبري، ليطلق عليه اسم كوبري" الخديوي إسماعيل" تخليدًا لذكراه، وهو الاسم المحفور على بعض جوانب الكوبري حتى يومنا هذا، ومن أهم التغييرات التي أدخلها الملك فؤاد هو وضع مصابيح وإضاءة على مداخل الكوبري وأسفل الأسود الأربعة.
وفي الوقت الحالي يمثل أسود قصر النيل مزارا مهما وصورة تذكارية أساسية يحرص جميع المارة على التقاط الصور بجوارهم، وفي السنوات الأخيرة انتشر هوس التصوير "سيلفي" بجوار الأسدين، كما يلجأ البعض من الشباب والأطفال تسلق أحد الأسدين أثناء التصوير، وعند المرور بالقرب من الكوبري خاصة أوقات الظهيرة تجد جموع كبيرة من الأطفال وتلاميذ المدارس الذين يتسابقون في التقاط الصورة الأفضل مع أحد الأسود الأربعة.
رسوم العبور والنزهة
وقديمًا لم يكن العبور مسموحا للمارة والماشية أعلى الكوبري، وبعد أكثر من أسبوعين من افتتاح الكوبري، أصدر الخديو إسماعيل قرارا رسميا في 27 فبراير/ شباط 1872، يسمح بمرور الجمال والخيول والأبقار وكافة أنواع الماشية برسوم، وتراوحت المبالغ ما بين قرش إلى 3 قروش، كما قدرت رسوم عبور المارة من النساء والرجال والأطفال فوق الـ 6 سنوات 100 فضة، على حسب الحمولة أو البضاعة المنقولة معهم، بهدف تغطية تكاليف ومصاريف تشييد وبناء الكوبري وتجهيزه.
وفي نهاية القرن العشرين أصبح الانتقال عبر الكوبري بدون رسوم، وفكرت وزارة النقل وقتها بوضع دراسة جديدة تسمح بعبور أعداد أكبر من السيارات والأشخاص، واستعانت بخبير بلجيكي، وتراوحت آراء المهندسين بين توسيع الكوبري، أو الإبقاء عليه كما هو، أو إزالته وبناء كوبري أكبر، لينتهي الأمر بتوسيع الكوبري بوضع أرصفة على الجانبين وتقسيم الطريق إلى ناحيتين من حيث حركة السيارات.
والآن.. ليس قصر النيل مجرد مكان للعبور أو جسر يربط بين ميادين وأحياء القاهرة المهمة، بل هو متنزه لجميع المصريين غير مكلف بالمرة، حيث يتواجد بائعو الجرائد والمجلات على أحد الجوانب، وتنتشر الحناطير وبائعو الورود الذين يعملون صباحًا ومساءً، حيث يسير العشاق والأحبة على الكوبري، لتشعر في لحظة أنك تتواجد على أحد الجسور بالعاصمة الفرنسية باريس، لتشاهد أقفال الحب المدون عليها أحرف أو أسماء للمحبين، والتي تركها المحب كـ ذكري لحبه وعربون حب للطرف الآخر.
إصلاحات وإجراءات
وبالرغم من أن التصوير بجوار الأسدين هي صورة تستهوي جميع العشاق والمارة والشباب، إلا أن هذا المشهد أصبح يؤرق الجهات المسؤولة عن عملية صيانة وإصلاح الكوبري، لتعلن إدارة الطرق والكباري التابعة لمحافظة القاهرة في منتصف العام الماضي، البدء في أعمال تطوير وإصلاح الأسود الأربعة، خاصة وأنهم مسجلون كآثار، بالإضافة لإجراءات محافظة القاهرة بإقامة حواجز حديدية حول الأسود الأربعة، منعًا من تسلق الشباب لجوانب الكوبري، وإقامة ممشي جديد أسفل الكوبري لاستيعاب أعداد المتنزهين التي تتضاعف في ساعات الليل.