جاء الوقت لكي يعرف قادة الميليشيات بالعراق أن زمن الفوضى في طريقه إلى النهاية، فهي سبب رئيس لكل الأزمات التي يواجهها الشعب العراقي الآن
شهران فقط منذ نيل حكومة مصطفى الكاظمي ثقة مجلس النواب العراقي "البرلمان" ومعها برنامجه السياسي الذي سينفذه، لكنها كانت فترة كافية لكي تعطي أملاً جديداً ليس للشعب العراقي فحسب، وإنما لجواره الجغرافي وللعالم في استرجاع هيبة الدولة العراقية وسيادتها بعد اختطافها من الفصائل الشيعية الموالية للنظام الإيراني التي استفادت كثيراً من حالة الفراغ السياسي والأمني في فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين.
فهو –الكاظمي- قام بعدد من الإجراءات في سبيل فرض سيادة الدولة، أكثرها جرأة اتخاذه قراراً يوم الجمعة الماضية بمداهمة مقر كاتب حزب الله العراقي في منطقة الدورة جنوب بغداد واعتقال 14 فرداً، منهم خبير عسكري إيراني بعدما تم جمع معلومات استخباراتية عن استعدادهم لإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية في العراق ومطار بغداد، مما أثار غضب وانزعاج زعماء الكتل السياسية التابعة للحشد الشعبي، على اعتبار أن القرار لم يتجرأ أحد قبل الكاظمي على فعله منذ 17 عاماً.
ومع أن هناك أكثر من شخصية سياسية عراقية عبرت عن غضبها من قرار المداهمة الذي نفذه جهاز مكافحة الإرهاب بقيادة القائد العسكري "الشهير" عبدالوهاب الساعدي، الذي تم تهميشه في عهد حكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة بضغط من فصائل الموالاة.
إلا أن أكثر المنزعجين كان قيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحق" أحد أخطر الفصائل العسكرية، وهو الذي استخدم لغة لا تليق بمخاطبة رئيس أكبر سلطة تنفيذية في العراق وذكره "بأن رؤساء الحكومات السبعة السابقون كانوا يغضون الطرف عما تقوم به الميليشيات"، وكأنه يلمح للكاظمي بأن يغض طرفه أيضاً.
بشكل عام عندما يبالغ زعيم حزب في التذكير بما يمكن فعله والتهديد، كما فعل قيس الخزعلي وغيره، فإن ذلك يعطي انطباعاً للمراقبين بأنه قلق وبدأ يخاف من القادم، بل ذلك يؤشر إلى أنه يدرك أن الأرضية السياسية التي يقف عليها "هشة"، والشيء المعروف عن الميليشيات الطائفية في العراق أنها تحتاج عادة إلى عدم الاستقرار.
بجانب غياب دور الدولة، وإلى درجة كبيرة من التوتر الأمني بين الولايات المتحدة وإيران كي تستمر في وجودها، وبالتالي الاستفادة من الفساد الذي ينخر البلاد ويضعف العراق داخلياً وإقليمياً.
جاء الوقت لكي يعرف قادة الميليشيات في العراق أن زمن الفوضى في طريقه إلى النهاية، فهي سبب رئيس لكل الأزمات التي يواجهها الشعب العراقي الآن
وعليه فإن قرار المداهمة نبه الفصائل المستفيدة من حالة "اللادولة" أنهم أمام مرحلة جديدة لإعادة سيادة الدولة، تقتضي تخليص الدولة من التدخلات الإيرانية ومن الميليشيات وألا تعمل بعيداً عن أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الكاظمي، وأن سياسة "غض الطرف" عن تجاوزات هذه الفصائل خلال الحكومات السابقة لن تدفع الحكومة الحالية لتكرار هذه الأخطاء ضد الوطن، التي تحمل نتائجها الإنسان العراقي إلى أن قام بثورة ضد تلك الممارسات وأجبر حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة وتكليف الكاظمي بتوافق كل الكتل السياسية.
وبلا شك الكل يدرك أن المهمة صعبة نتيجة لتغول هذه الميليشيات في مفاصل المجتمع العراقي ومؤسساته وكانت قد وضعت "خطوطاً حمر" للحكومات السابقة، لذا لم تتوقع أن الكاظمي يمكن أن يفاجئهم ويتجاوز تلك الخطوط ويعلن استعداده المواجهة متسلحاً بإرادة الشعب العراقي الذي شعر بأمل عودة دولتهم، وأعلن تأييده وسعادته بتلك الخطوة الجريئة، ومتسلحاً أيضاً بالشرعية السياسية التي حصل عليها من خلال ثقة البرلمان العراقي.
جاء الوقت لكي يعرف قادة الميليشيات في العراق أن زمن الفوضى في طريقه إلى النهاية، فهي سبب رئيس لكل الأزمات التي يواجهها الشعب العراقي الآن، وأن "الزعامات الواهية" لم يعد لها مكان في فترة ما بعد ثورة أكتوبر الماضي.
وأنه لم يعد مقبولاً في العراق وغيره من دول العالم، مسألة الولاءات العابرة للحدود أو الولاءات الطائفية، وبالتالي فإن الانزعاج من إجراءات الكاظمي الذي يسعى لاستعادة هيبة الدولة العراقية هي بمثابة شهادة واعتراف له يحتاجهما لتأكيد صحة مواقفه الوطنية والقومية.
حققت حكومة الكاظمي خطوات إيجابية نحو إعادة هيبة الدولة العراقية، فإذا كان إصراره على رفض دخول قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني دون حصوله على تأشيرة زيارة للعراق قبل فترة حق سيادي لأي دولة في العالم، فإن قرار الاعتقال الأخيرة ورفضه للواسطة هو تأكيد أنه جاد في مساعيه الوطنية حتى لو أدى ذلك إلى المواجهة مع هذه الميليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة