ماذا لو كانت جماعة الإخوان قد تمكنت من السيطرة على مصر ولم تنجح هذه الثورة الشعبية في الإطاحة بها؟!
تحل اليوم ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو 2013، ثورة الشعب المصري على نظام حكم الإخوان المسلمين، والتي أطاحت بحكمهم بعد سنة واحدة كادت أن تضع هذا البلد المعروف تاريخياً بتماسكه الداخلي ووحدته الوطنية، على طريق الفتنة والفرقة والانقسامات بل والصراعات الأهلية، بسبب السياسات الفاشلة لهذه الجماعة، وسعيها المستميت لـ"أخونة" الدولة ومؤسساتها وإقصاء أغلب فئات الشعب المصري، وفرض رؤاها المتطرفة والظلامية عليه.
ثورة المصريين على "الإخوان"، والتي وقفت معها القوات المسلحة المصرية بالرغم من تهديدات الجماعة وإرهابها للمصريين، لم تحم مصر فقط من خطر هذه الجماعة الإرهابية، التي كانت ستوردها حتماً موارد الهلاك، وإنما حمت المنطقة العربية كلها من خطرها ومشروعها التفكيكي والتدميري. فمصر درة التاج، والسيطرة عليها تفتح الطريق للجماعة لفرض مشروعها للهيمنة الإقليمية، بالتعاون مع الأجندات الإقليمية الأخرى التي تتحالف مع الجماعة وتنبثق عنها، ولاسيما حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي سارع عقب تسلم الإخوان الحكم في مصر عام 2012 إلى الحديث عن مشروع تحالف إخواني تركي- مصري إقليمي.
ثورة الثلاثين من يونيو لم تنجح فقط في استعادة مصر من قبضة جماعة الإخوان والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها، ولكن أيضاً في حماية الأمن القومي العربي برمته.
لا أحد ينكر تأثير مصر الإقليمي، فهي الدولة الأكبر عربياً في عدد السكان، وهي التي شهدت نشأة هذه الجماعة الإرهابية "الإخوان المسلمين" في أواخر عشرينيات القرن العشرين، وانطلاق مشروعها الرامي إلى إعادة إحياء ما يسمونه الخلافة الإسلامية، ليس بهدف إحياء أمجاد هذه الأمة كما تصور هذه الجماعة وأبواقها، ولكن كشعار يغلف طموحها الحقيقي في السيطرة على السلطة والتسلط على رقاب العباد. ولذلك، رأينا كيف أدت سيطرة الجماعة على الحكم في مصر بعد فوضى ما يسمى الربيع العربي، إلى تحريك كل أتباعها والموالين لها في الدول العربية الأخرى لاقتناص ما كانوا يعتبرونه "فرصة تاريخية" للانقلاب على حكوماتهم ومحاولة السيطرة على السلطة، والخروج من حالة التخفي و"التقية" التي كانوا يمارسونها، والكشف علناً عن مخططاتهم الحقيقية.
وحتى نستوعب الصورة بشكل أفضل، ونفهم الأهمية التاريخية لثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر، يمكن أن نطرح السؤال بالمخالفة: ماذا لو كانت جماعة الإخوان قد تمكنت من السيطرة على مصر ولم تنجح هذه الثورة الشعبية في الإطاحة بها؟!
لاشك أن السيناريوهات كانت ستكون مرعبة. فدولة بحجم مصر كان يمكن أن تكون عرضة لحرب أهلية، كما حدث في كل مكان تمكنت فيه الجماعة من بسط نفوذها وسلطتها. ولنا أن نتصور حالة الفوضى التي كانت ستعم المنطقة، بل والعالم كله، إذا حدث هذا السيناريو المرعب.
كان من الممكن، بل والمرجح، أن نشهد تحالفاً إخوانياً تركيا- مصرياً يسعى إلى فرض أجندته التخريبية في المنطقة بكاملها، ويسهل لتركيا تدخلها وهيمنتها على العالم العربي كله. ولنا أن نتخيل لو كان هذا التحالف قائماً الآن ماذا كان سيحدث في ليبيا التي تشهد حالياً تدخلا تركياً- إخوانياً فجاً للسيطرة عليها وعلى مقدراتها، وهو التدخل الذي تم عرقلته بسبب تدخل مصر والخطوط الحمراء التي رسمتها لأنقرة وحلفائها من الميليشيات الإخوانية في هذا البلد. كان من الممكن أيضاً أن نشهد تحالفاً إيرانياً- مصرياً إخوانيا يهدد الأمن والاستقرار في مناطق أخرى من المنطقة العربية، وغير ذلك من السيناريوهات الظلامية التي تمكن الشعب المصري من إبعادها من خلال إطاحته بهذه الجماعة الإرهابية.
إن ثورة الثلاثين من يونيو لم تنجح فقط في استعادة مصر من قبضة جماعة الإخوان والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها، ولكن أيضاً في حماية الأمن القومي العربي برمته، من خلال دورها المهم في إفشال المخططات التخريبية لهذه الجماعة ومشروعها الإقليمي للهيمنة والتسلط وفرض رؤاها الظلامية على شعوب المنطقة، وإعادة دولة بحجم مصر إلى مسارها الطبيعي كدولة عمق وظهير وسند لأشقائها العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة