مصر سعت ومعها العرب إلى تحقيق السلام في ليبيا، فطرحت إعلان القاهرة، لكنها لم تلق إلا غطرسة وغرور زائف من تركيا
لعلنا لا نجاوز الحقيقة والمنطق إذا وصفنا خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم السبت 20 يونيو 2020، والذي رسم فيه خطوطاً حمراء للأتراك وعملائهم في ليبيا، بأنه نقطة تحول فاصلة بين مرحلتين.
مرحلة الصمت والإحساس بالعجز في مواجهة تدخلات نظام تركي متغطرس منح لنفسه الحق في انتهاك سيادة دولنا العربية من دون خوف أو خجل أو حياء، ومرحلة الصحوة والعزة والحزم في مواجهة غطرسة هذا النظام الذي غره الصمت العربي، وتمسك العرب بمبادئ السلام والتسامح والتعايش السلمي المشترك مع جيرانهم في استباحة أراضي العرب من سوريا إلى العراق وأخيراً ليبيا، التي يكاد يزعم المتابع للإعلام التركي والإخواني الموالي له بأنها أصبحت محافظة تركية وليست دولة عربية مستقلة لها سيادتها وشعبها وجيشها الوطني، الذي لن يقبل بالخضوع للاستعمار التركي العثماني من جديد.
لقد كان الرئيس السيسي حاسماً عندما أكد أن سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لأمن بلاده القومي التي لن تسمح للمليشيات والمرتزقة الأتراك بتجاوزه، ويدرك الجميع أن هدف تركيا الأول من هذا التدخل العسكري هو الاستحواذ والسيطرة على النفط الليبي في شرق سرت.
الرئيس المصري كان حازما وحاسما بالتصريح علنا بـ"تدخل مباشر" للقوات المصرية في مواجهة هذه الميليشيات، إذا لم تلتزم بالخطوط الحمراء المصرية، معتبراً أن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة لجهة حق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، مجلس النواب.
بقدر ما كانت هذه التصريحات صادمة لأردوغان وأتباعه من الخونة الإخوان، فإنها لامست قلوب ومشاعر ملايين العرب الأحرار.
كما كان الرئيس السيسي حريصاً خلال خطابه على تصحيح المفاهيم المغلوطة والقناعات الزائفة التي كونها الأتراك وأتباعهم من الإخوان والقوى العميلة، والتي فسرت عدم التحرك المصري بأنه ضعف أو خوف، وليس بأنه حرص على علاقات الأشقاء وتأكيداً للنهج المصري والعربي في احترام سيادة الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم، حيث قال: "يخُطئ من يعتقد أو يظن أن الحُلم ضعف ويخطئ من يعتقد أو يظن أن الصبر تردد أو ضعف". ولذا جاءت تصريحات السيسي من داخل أكبر قاعدة عسكرية في مصر والمنطقة، مدمرة لهذه القناعات الزائفة، وصادمة للنظام التركي الذي لن يفهم سوى لغة القوة.
وبقدر ما كانت هذه التصريحات صادمة لأردوغان وأتباعه من الخونة الإخوان، فإنها لامست قلوب ومشاعر ملايين العرب الأحرار الذي يرفضون هذه الاستباحة التركية لسيادة بلادهم وثرواتهم.
وأعادت التفاف الشعوب العربية حول مصر بوصفها قلب العروبة النابض، وأحيت مشاعر العز والفخر العربي بعد سنوات طويلة من الهوان بسبب كوارث ما يعرف بالربيع العربي. ولكنها كشفت في الوقت نفسه حقيقة باعة الأوطان وعملاء السلطان الذين لا يعرفون معاني الولاء والكرامة والنخوة ولديهم قابلية عالية للاستعمار والاستغفال معاً.
إذا تحركت مصر تحرك معها باقي العرب، وهذه حقيقة لا مراء فيها، فبمجرد إعلان السيسي استعداد بلاده للتدخل العسكري المباشر في ليبيا لوضع حد للغطرسة التركية هناك ولعملائها من الإخوان، حتى سارعت كل الدول العربية إلى تأكيد دعمها ومساندتها لمصر في حماية أمنها القومي.
وهذا الدعم العربي الكبير الذي لاقته كلمة السيسي، لا يمثل فقط دعما لمصر وحقها في حماية أمنها، وإنما أيضاً مؤشراً واضحاً علي رفض العالم العربي لاستباحة سيادته وحدوده من قبل الدول الاقليمية، كما أشار إلى ذلك معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات.
تحرك مصر لم يحرك العرب فقط، وإنما القوى الدولية أيضاً التي غضت الطرف في الشهور الماضية عن الانتهاكات التركية الواسعة للقرارات الدولية الخاصة بليبيا وقيامها بنقل الأسلحة والمليشيات إلى الأراضي الليبية دون تدخل أو ردع، حيث أكدت الخارجية الأمريكية، أن تصريحات السيسي تؤكد أهمية أن تعمل ليبيا وجيرانها وكل الجهات الخارجية الفاعلة معا لتعزيز وقف إطلاق النار عند خط المواجهة الحالي في سرت والجفرة لتجنب التصعيد إلى صراع أكبر.
لقد سعت مصر ومعها العرب إلى تحقيق السلام في ليبيا، فطرحت إعلان القاهرة قبل أسبوع، ولكنها لم تلق إلا الغطرسة والغرور الزائف، فكان الخيار الحتمي هو الحسم، لأن القوى الإقليمية التي استمرأت التدخل في شؤوننا لا تعرف غير لغة الردع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة