كأنّ جيرة إيران وتركيا للدول العربية لا تخرج عن الإطار التاريخي الموهوم الذي لا يزال النظامان يدوران في فلكه.
يزور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تركيا، مصرحاً في ختام زيارته بأنه "من الضروري القيام بهذه الزيارة للبحث في القضايا الثنائية واستئناف العلاقات الاقتصادية والتعاون في مجال الطاقة والبحث في القضايا الإقليمية"، أو فلنقرأها "الخبث في القضايا الإقليمية"، لما تعنيه هذه الزيارات التنسيقية من اختلال واضح في ميزان العلاقات الدولية وحسن الجوار على حساب الطرف العربي من العراق إلى تونس مروراً بسوريا وقطر والصومال وليبيا.
إنه التعاون الذي يعكس بحسب مفردات ظريف نفسه "عمق العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات"، هذا العمق المتناغم في الأدوار التخريبية في المنطقة العربية، حيث يتواجه الطرفان أمام الإعلام والرأي العام، لكنهما في حقيقة الأمر ينسّقان المواقف والخرائط من أقصى شمال سوريا قرب إدلب، حتى أقصى جنوب الجزيرة العربية في مشارف مأرب.
هذا التعاون الذي بات اليوم أكثر إلحاحاً في ظل انكفاء الدور الروسي وتمايزه عن المحور الإيراني وعدم رضاه عن سياساته في سوريا خاصةً، ودلالة ذلك، الإلغاء المفاجئ لزيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو إلى تركيا تزامناً مع وجود ظريف فيها.
أضف إلى ذلك انكشاف عربدة نظام أردوغان وتابعه تميم جنباً إلى جنب مع نظام طهران، والتي لا يمكن اختصارها بدعم الإرهاب العالمي، وجماعات القاعدة والنصرة وداعش، واستباحة التراب الوطني العراقي والسوري والليبي، أو قمع المعارضين وملاحقتهم حتى اغتيالهم داخل دولهم وخارجها، بلا أدنى مراعاة لحقوق الإنسان وأعراف اللجوء وسيادة الدول على أراضيها.
كأنّ جيرة إيران وتركيا للدول العربية لا تخرج عن الإطار التاريخي الموهوم الذي لا يزال النظامان يدوران في فلكه.
إنها فعلاً "علاقات متجذرة وقوية" في دبلوماسيات الاغتيال والإرهاب، وتصدير السلاح واختراق حدود "الجيران" في إطار ما وصفه ظريف بقوله "إنّ العلاقات مع الجيران هي أولوية في سياستنا الخارجية"، قاصداً علاقات تناغم أدوار نظامي أردوغان وطهران في اجتياح التراب العراقي، واحتلال الشمال السوري خاصةً، مقابل تسهيل الإخوان التمدد الإيراني، وليس أدل على ذلك التناغم القواعد العسكرية التركية والإيرانية في قطر.
بجانب التواجد العسكري التركي الإيراني في ضواحي إدلب، وما خفي أعظم في الأصابع الخفية لتنسيق البلدين في غرب ليبيا وجنوب السودان والحدود الإثيوبية وغيرها من بؤر التوتر التي يؤججها النظامان في سبيل تسجيل النقاط لصالحهما في معادلات المنطقة.
وكأنّ جيرة إيران وتركيا للدول العربية لا تخرج عن الإطار التاريخي الموهوم الذي لا يزال النظامان يدوران في فلكه، مقتسمين الدول العربية كما في زمن المناذرة والغساسنة، والدولتين العثمانية والصفوية، دون أن يدور بخلد القائمين على هذه السياسات الواهمة ولو للحظة، انقلاب الحال الذي بقاؤه من المحال، كأن تصبح إيران وتركيا معاً ساحتين مفتوحتين لصراعات الدول الكبرى وخرائط المصالح العالمية كما حدث لهما في أكثر من محطة تاريخية، وإنّ غدا لناظره قريب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة