جاء تهديد الرئيس المصري لعملاء تركيا في ليبيا، ولتركيا ذاتها في لحظة كانت جماهير عربية واسعة متعطشة لهذا الخطاب
"عطاَشَى" كلمة قد يظن البعض أنها عامية صعيدية، ولكنها في الحقيقة فصيحة قديمة قدم اللغة العربية، يقول الشاعر العراقي عبد الغفار الأخرس المتوفى 1873م: "وإنّا في هواك كما ترانا؛ عطَاشَىَ لا تُؤَمِّلنا ببالك"، والكلمة جمع لمفرد عطشان، وهي من الكلمات المُجسِمة، التي ترسم في الذهن صورة لجمع غفير من البشر؛ بلغ منهم الظمأ مبلغاً يجعلهم يهرعون الى الماء سراعاً متلهفين.
منذ أن ابتليت مجتمعاتنا بالأحرار الخونة، دعاة الحرية، وتجار الديموقراطية الذين يقايضون حرية أوطانهم واستقلالها بحريتهم الشخصية، وحقهم الفردي في مجرد التعبير عن الرأي، حتى ولو صاحبه ضياع باقي الحقوق كالأمن والطعام والعدالة، والسلامة الشخصية، المهم هو شعار الديموقراطية ورسمها؛ حتي وإن لم تتحقق حقيقتها؛ التي تعيشها المجتمعات التي عرفتها عبر حركة تطور اجتماعي اقتصادي أخذت قرونا من التجربة البشرية، منذ أن دخل هؤلاء بغداد على ظهر دبابة الأجنبي البعيد، وتحت ظلالة عمامة الأجنبي القريب، منذ ذلك الحين وشعوبنا العربية متعطشة لسماع خبر جديد، لخطاب جديد.
جاء تهديد الرئيس المصري لعملاء تركيا في ليبيا، ولتركيا ذاتها في لحظة كانت جماهير عربية واسعة متعطشة لهذا الخطاب.
وبدلا من أن تشق الشعوب العربية طريقها نحو الرشد بعيدا عن استبدال الاستعباد بالاستبداد؛ جاء الربيع العربي المشؤوم، الذي مثل أفظع كارثة تاريخية تحل بنصف العالم العربي؛ بعد كارثة المغول في القرن الثالث عشر الميلادي التي حلت بمدينة بغداد وضواحيها. كانت كارثة ربيع الشؤم العربي فاتحة لضياع الأوطان، وطمع الجيران، وتغول الذين كانون يخافون مجرد التفكير في فعل يستثير غضب هذه الدولة العربية أو تلك.
مثل الربيع العربي الذي سيكتب تاريخه فيما بعد، وسوف تتكشف حقيقته في حينها، أسوأ لحظة تاريخية تمر بها دول عربية كانت في مرحلة معقولة في طريق البناء والتنمية والتطور الحضاري، فإذا بالربيع العربية يأتي بالخراب والدمار، فتخرج دول ومجتمعات من التاريخ، وتعود إلى أيام داحس والغبراء، وحرب البسوس، فيتم تدمير البشر والحجر، ولا يبقى في دول كاملة مثل سوريا واليمن وليبيا حجر على حجر.
وإذا بالغربان والبوم منتظرة على الأطلال؛ فتهجم على العرب من جميع الجهات، وحالة الارتباك عنوان اللحظة التاريخية، والتشتت هو الوصف الذي يليق بها، والجار العدو المتربص من الشرق والشمال؛ يشحذ سيوفه، ويعد رجاله للهجوم على الضحية المحطمة المهشمة بلا رحمة، والخونة الذين باعوا أوطانهم في إسطنبول والدوحة وطهران كشفوا عن وجوههم، وصارت الخيانة لها أسماء كثيرة جميلة مفعمة بالفخامة، فأصبح الخونة ثواراً، ومناضلين وممانعين ومقاومين...الخ.
مثلت تدخلات تركيا وإيران في العراق وسوريا واليمن وليبيا تحديا وجوديا حاسما، وفاقم من قسوة هذا التحدي الأحزاب الدينية التي شكلت عقول أجيال من العرب على كراهية أوطانها لحساب أوطان الأسياد المتوهمين في إسطنبول وطهران. في ظل هذه الحالة صار مفهوم العزة القومية، والاعتزاز الوطني من الأحلام التي تفتقد إليها العديد من الشعوب العربية التي وقعت ضحية للنظامين التركي والإيراني أو لعملائهما، وأصبح غاية ما تتمناه تلك الشعوب أن تتقي الشرور والمخاطر؛ حتى وإن تخلت عن المواجهة الصريحة واستبدلت بها الاعتراض على استحياء.
وبالأمس ولأول مرة يخرج صوت يقول للطامعين المحتلين، ولعملائهم الخونة كفى تغولاً وفساداً؛ عودوا إلى دياركم واعرفوا حدودكم، ولن نسمح لكم بالعبث بعد اليوم. كان خطاب الرئيس المصري في يوم السبت 20 يونيو 2020 لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ العرب في العقدين الأولين من الألفية الثالثة، خطاب يستبطن كل مفاعيل العزة تجاه متغطرس متخايل يحلم باستعباد العرب، لأن خياله المريض صور له أنهم ضعفاء في هذه اللحظة التاريخية، بعد أن فككت الثورات مجتمعاتهم، وأهدرت طاقاتهم، ومواردهم، وأضعفت دولهم، وأنه قادر على أن يعيد إحياء تاريخ أجداده المستعمرين، فتمثل شخصية سليم الأول؛ أول سلاطين بني عثمان الذي بدأ احتلال العالم العربي في 1516 في معركة مرج دابق شمال حلب حين هزم جيش المماليك، وسليم الأول هذا يعرف بالتركية باسم: "غازي ياوز سلطان سليم خان أول"، وكلمة "ياوز" تعني بالتركية قاسي القلب، والمتوحش والمفترس، فتقمص رجب طيب أردوغان؛ ذلك البهلول الفقير؛ الذي بدأ حياته بائعاً متجولا في حواري إسطنبول؛ يبيع "السوبيا"؛ وهي مشروب رخيص. تقمص رجب شخصية سليم، ومارس كل القسوة على العرب الأقربين والأبعدين، ووجد في دويلة قطر مركزا للخيانة والعمالة والغدر بكل العرب الأقربين والأبعدين.
جاء تهديد الرئيس المصري لعملاء تركيا في ليبيا، ولتركيا ذاتها في لحظة كانت جماهير عربية واسعة متعطشة لهذا الخطاب؛ الذي يحمل جينات العزة في مواجهة الغطرسة التركية الشرسة؛ التي فاقت كل الحدود والتوقعات. كانت هذه اللحظة مثل ينبوع ماء لقوم عطاشى لموقف فيه عزة وكرامة في مواجهة معتدٍ غاشم، لا أخلاق ولا قيم له، فامتلأت فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي بما كان مكمورا في الأنفس الأبية؛ التي أرهقتها غطرسة تركيا في سوريا والعراق وليبيا، وجبروت إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
نحن أمة تستبطن في روحها حكمة لعنترة بن شداد تعلمتها منذ الصغر من أبي رحمة الله عليه، تقول: "لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ/ ماء الحياة بذلة كجهنم... وجهنم بالعز أطيب منزل".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة