بعثة لحفظ السلام في غزة.. هل تكون الخيار الأفضل؟
لأكثر من 10 أشهر، تواصلت الحرب في قطاع غزة مخلفة عواقب كارثية وحصيلة ضخمة من القتلى والدمار وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة ودول المنطقة لإنهاء القتال ووضع ترتيبات لليوم التالي للحرب يؤيد خلالها الكثيرون فكرة نشر بعثة دولية لحفظ السلام.
ويأمل أنصار هذا الاقتراح أن تتمكن البعثة من فرض وقف إطلاق النار، وضمان الاستقرار في المنطقة المدمرة، وإعادة بنائها في نهاية المطاف وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وقد تكون بعثة حفظ السلام هي أفضل وسيلة لمساعدة غزة على التعافي حيث من المتوقع أن تستغرق عمليات إعادة بناء القطاع المدمر عدة سنوات كما أنها ستتطلب مستويات غير عادية من التمويل والتعبئة وهو ما يعني الحاجة إلى جهد دولي ضخم لتوفير القانون والنظام، وإعادة فتح المدارس والمستشفيات، ورفع الأنقاض، وإزالة الذخائر غير المنفجرة.
وحاليا، لا تتمتع بعثات حفظ السلام الأخيرة بسجل مثالي فعلى سبيل المثال، فشلت الولايات المتحدة بشكل كارثي في خلق بديل لحكم طالبان في أفغانستان كما أن بعثة الأمم المتحدة في مالي تعرضت للطرد من قبل المجلس العسكري العام الماضي.
ووفق المجلة، يرى عدد كبير من المنتقدين أن بعثات حفظ السلام غير فعّالة ولا يمكنها إدارة التحولات السياسية المعقدة والحقيقة أن الكثير من هذه الانتقادات صحيح إلا أنه لا يجب الخلط بين البعثات وبين العمليات السياسية التي يُفترض أن ترافقها.
ومن المفترض أن تكون عمليات حفظ السلام مجرد تدابير قصيرة الأجل بهدف تسهيل التغييرات السياسية لكنها ليست حلولاً للصراعات نفسها كما أن بعض البعثات بما في ذلك في الشرق الأوسط، ساعدت في إنهاء الحروب وتعزيز الاتفاقيات، ومنع التصعيد العسكري.
وقد تكون بعثة حفظ السلام قادرة على العمل في غزة، لكن الولايات المتحدة ستضطر هي وإسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى وضع الشروط اللازمة لنجاحها حيث يتعين على واشنطن العمل لتنسيق الجهود الإنسانية بين شركائها على نحو أفضل في حين يحتاج القادة الإسرائيليون والفلسطينيون إلى تقديم تنازلات صعبة لإقناع الدول بالانضمام إلى البعثة والأهم هو التوصل في البداية لوقف إطلاق النار.
كان مفهوم حفظ السلام قد نشأ من الصراع العربي الإسرائيلي فقد تم إنشاء أول بعثة حفظ سلام مسلحة متعددة الجنسيات، وهي قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في 1956.
وأشرفت قوات الطوارئ على انسحاب إسرائيل من سيناء وغزة وظلت منتشرة على الجانب المصري من خطوط وقف إطلاق النار لأكثر من عشر سنوات لتقليل التوترات وردع القتال.
واستمرت قوات حفظ السلام في الانتشار على خطوط التوتر المختلفة في الصراع العربي الإسرائيلي فعلى سبيل المثال جرى إنشاء قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة في 1974 بين إسرائيل وسوريا والتي لا تزال قائمة حتى اليوم حيث تحافظ على منطقة عازلة بين الجانبين في الجولان.
كما أنشأت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، قوة متعددة الجنسيات وهي قوة حفظ سلام غير تابعة للأمم المتحدة تشرف على تنفيذ المعاهدة وتتكون الآن من قوات من 13 دولة.
في المقابل، يُظهر تاريخ بعثات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان الصعوبات التي ينطوي عليها العمل في منطقة تضم جهات فاعلة غير حكومية قوية فضلا عن وجود فراغ في الحكم.
وجرى نشر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان في الأصل في عام 1978 للإشراف على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي احتلتها أثناء قتالها للمسلحين الفلسطينيين.
وتستمد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان تفويضها الحالي من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله.
ولكن القرار 1701 لم يتم تنفيذه بالكامل قط ولم تكن القوة الأممية في وضع يسمح لها بمواجهة حزب الله ومع تجدد الأعمال العدائية بين الجانبين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ستحتاج أي قوة دولية هناك إلى إعادة النظر فيها.
وحتى الآن تنتمي جميع بعثات حفظ السلام المنتشرة في الشرق الأوسط إلى الجيل الأول من بعثات حفظ السلام، المعروفة باسم قوات "التدخل" والتي يقتصر دورها في الغالب على مهام أساسية ورمزية وتعمل كحواجز بين القوات المتحاربة ويمكنها تقديم التقارير وتسهيل تنفيذ المعاهدات أو الاتفاقيات والتزام كل جانب بها.
لكن الوضع في غزة يتطلب بعثة أكثر تعقيداً، على غرار تلك التي جرى نشرها في كوسوفو وتيمور الشرقية وهي بعثات أكثر شمولاً تضمنت تشكيلة واسعة من وكالات الأمم المتحدة والوكالات الدولية التي يمكنها أن تعمل كإدارات مؤقتة إضافة إلى عملها على توفير الأمن.
ويمكن لهذه البعثات لعب دور في تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية ودعم السلطات المحلية وإعادة فرض القانون والنظام وتوفير الخدمات الحيوية مثل الصحة والتعليم والكهرباء ويتطلب نشر مثل هذه البعثة في غزة توفير الدعم الدولي اللازم لإعادة الإعمار.
كما يتطلب نشر البعثة التوصل لوقف إطلاق النار في غزة وأن تفسح حماس المجال لإدارة جديدة في القطاع بقيادة السلطة الفلسطينية والتي قد تطلب من مجلس الأمن نشر البعثة كما يجب أن توافق إسرائيل على سحب قواتها من المنطقة ولا يمكن للبعثة أن تكون فعّالة إذا ما نظر إليها باعتبارها امتداداً لنظام إسرائيل.
وبسبب العداوة بين إسرائيل والأمم المتحدة، فمن غير المرجح أن تقبل تل أبيب بعثة تديرها المنظمة الأممية بالكامل.
وفي الوقت نفسه، هناك خطوات يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها لإرساء الأساس لمهمة دولية ناجحة، من خلال البناء على قرار مجلس الأمن رقم 2735، الذي حدد في يونيو/حزيران الماضي الخطوط العريضة لوقف إطلاق النار.
يمكن لواشنطن أن تبني على القرار من خلال إنشاء مجموعة اتصال لدعم القرار وتنسيق الاستجابة الدولية في غزة ونشر قوة بحرية متعددة الجنسيات قبالة سواحل غزة لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية ومكافحة تهريب الأسلحة.
وينبغي للولايات المتحدة أن تعيد فتح قنوات الاتصال بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة بما يساعد في تيسير تدفق المساعدات وضمان وصولها للأماكن الصحيحة.
ورغم أن نشر بعثة حفظ سلام دولية قد يبدو غير واقعي اليوم، إلا أنه قد يكون الأمل الأفضل لتعزيز وقف إطلاق النار وبدء الطريق الطويل نحو التعافي بالنسبة لسكان غزة.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xNTMg جزيرة ام اند امز