"سيفيرودونيتسك".. كييف تسابق الزمن وبوتين يكرر أخطاء الماضي
هل يمكن أن يتدخل القائد السياسي في أمور الحرب التكتيكية؟.. سؤال كان محل جدل كبير، حتى استقر الباحثون على رأي يعادي هذا التدخل.
في قلب هذا الرفض، تقع بعض الحوادث التاريخية الشهيرة، لتدخل قيادات سياسية في أمور الحرب التكتيكية، ما أنتج واقعا صعبا، أو حتى حرك وتيرة الهزيمة العسكرية بشكل أسرع.
وأحدث هذه الأمثلة هو تدخل حكومة كييف في الشؤون العسكرية على المستوى التكتيكي في معركة سيفيرودونيتسك في مايو/أيار الماضي، وأصرت على الدفاع بكل الوسائل عن المدينة غير المهمة استراتيجيًا.
كان قرارا خاطئا من الناحية الاستراتيجية، وفق مجلة دير شبيجل الألمانية، وفيما ألحقت المقاومة بالمدينة خسائر فادحة بالروس، لكن ألحقت أيضا خسائر أكبر بقوات النخبة الأوكرانية، لذلك كان الأفضل الاستماع للرأي العسكري بالانسحاب التكتيكي بدل الدفاع عن المدينة.
وبالتنقيب أكثر في هذا الموضوع، نصل إلى تدخل الزعيم النازي أدولف هتلر في الخطط الدفاعية ضد هجوم الحلفاء الناجح في نهاية الحرب العالمية الثانية، ما أدى لتسريع وتيرة الهزيمة بشكل كبير.
لكن القدر كان رحيما ببريطانيا على سبيل المثال، إذ يمكن القول إن أحد أكثر المواقف أهمية في الحرب العالمية الثانية، هو إصرار رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل، على قيادة قوات الإنزال في نورماندي بنفسه، لكن الملك جورج السادس منعه تحت تهديد مرافقته شخصيًا إلى الجبهة.
دور بوتين
ورغم هذه الحوادث، يبدو من المفارقات في الوقت الراهن، أن فلاديمير بوتين يرتكب "خطأً مماثلاً"، وفق مجلة دير شبيجل.
فالقوات الأوكرانية تطوق مدينة ليمان في دونيتسك أوبلاست على بعد 50 كيلومترًا فقط من سيفيرودونيتسك، إذ تعد ليمان مهمة، لكنها ليست مفصلية في مسار المواجهات.
في المقابل، يمكن أن تبرز في حال سقوطها بيد كييف، الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الروسية في الهجوم الأوكراني المضاد.
ووفق المصدر ذاته، كان من الممكن تجنب حصار القوات الروسية الحالي في ليمان، من خلال التراجع التكتيكي في الوقت المناسب.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ذكرت بدورها "يبدو أن بوتين يشارك بشكل شخصي ومتزايد في مثل هذه القرارات العسكرية. ويقال إن الرئيس أمر بعدم الانسحاب من خيرسون في الجنوب".
وتابعت "نتيجة ذلك، فإن أكثر من 20000 عسكري روسي بعيدون إلى حد كبير عن خطوط الإمدادات، ما يجعل الحفاظ على هذه المدينة صعبا على المدى الطويل".
معركة ليمان
ووفق التقرير ذاته، فإن خيرسون ودونيتسك تستعدان للانضمام إلى الاتحاد الروسي بعد استفتاءات مثيرة للجدل، لهذا السبب لا تستطيع روسيا تحمل خسارة الأراضي في هذه المنطقة.
لذلك تلقي موسكو بكل ما لديها في المعركة الدائرة حاليا في محيط المنطقة. ووفقًا للتقارير الأولية، من المحتمل أن يتم إرسال بعض المجندين المنضمين في إطار التعبئة الجزئية، إلى الجبهة دون أي تدريب، بحسب "دير شبيجل".
وتابعت المجلة "من المحتمل أن تكون القيمة العسكرية للتعبئة الروسية محدودة في البداية، لكن المجندين ذوي التدريب المنخفض يمكن أن يساعدوا أيضًا في العمليات الدفاعية الأساسية".
وبحسب هذه التقارير الأولية، فإن أولى القوات المعبئة حديثا، بدأت الوصول بالفعل إلى الجبهة، خاصة أولئك الذين لديهم على الأقل بعض الخبرة العسكرية.
وفي ليمان، تتألف القوات الروسية بالفعل من مزيج من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط والمقاتلين الانفصاليين، ما ساعد في تقوية الدفاعات الروسية بعض الشيء.
وبعد الانسحاب من خاركيف قبل أسابيع، حاول الروس بالفعل إنشاء خط دفاعي على نهر أوسكيل. ومع ذلك، عبر الأوكرانيون المياه بسرعة نسبية وتمكنوا من تطويق ليمان من هذا الاتجاه.
هدف سيفيرودونيتسك
ووفق دير شبيجل، إذا سقطت هذه المدينة، فمن المحتمل أن تكون الأهداف الأوكرانية التالية هي ليسيتشانسك سيفيرودونيتسك؛ وهي المناطق ذاتها التي لم يكن بوسع روسيا أن تسيطر عليها إلا بعد معارك كبيرة في الصيف.
ورغم هذا السيناريو المتفائل، فإن كييف تسابق الوقت يضًا، إذ ينتظر أن يظهر أثر التعبئة الروسية بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، وفقًا للمدون العسكري الروسي وضابط المخابرات السابق، إيغور جيركين.
فالهدف الأكبر الآن هو استعادة سيفيرودونيتسك قبل الشتاء، وهو ما يمكن أن يكون مدمرًا بشكل رمزي للكرملين: حتى المكاسب التي تحققت من هجوم الصيف، سيتم القضاء عليها.
وفي مكان آخر، بالقرب من باخموت جنوبًا في دونباس، يحاول الروس شن هجوم مضاد، وإن كان ذلك بنجاح ضئيل حتى الآن، والمدينة تحت نيران المدفعية الروسية المستمرة.
ووفق مراقبين، فإن التعبئة الروسية ستزيد من أمد الحرب، إذ كتب الجنرال الأسترالي السابق ميك رايان على "تويتر": "سوف يملأ الروس خطوطهم الأمامية الضعيفة بهؤلاء الجنود الجدد".
ولذلك، سيكون لدى الروس في نهاية المطاف عشرات الآلاف من المجندين الجدد تحت تصرفهم، وهو أمر سيتعين على الأوكرانيين تجاوزه أولاً، إذا أرادوا المضي قدما في الهجوم المضاد.