كواليس أول مؤشر عربي للقراءة.. لقاءات خاصة لـ"العين" مع القائمين عليه
أمة تقرأ لم تبتعد فعلاً عن القراءة.. هذا ما أثبته "مؤشر القراءة العربي" الأول الذي أعدته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
أمة تقرأ لم تبتعد فعلاً عن القراءة.. هذا ما أثبته "مؤشر القراءة العربي" الأول الذي أعدته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أُعلنت خلاصاته الثلاثاء في "قمة المعرفة"، مقدماً أرقاماً مفاجئة أرقام مفاجئة لما هو متدوال عن معدلات القراءة في العالم العربي.
وبلغ متوسط عدد ساعات القراءة للإنسان العربي سنوياً 35 ساعة تقريبا تقسم كالتالي 15 ساعة للمجالات ذات الصلة بالدراسة أو العمل و20 ساعة خارج الدراسة أو العمل، أما المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنويا فيصل إلى 16 كتابا منها 7 كتب تقريبا ذات صلة بالدراسة أو العمل وتسعة كتب في مجالات خارج الدراسة أو العمل.
وجاء لبنان في المرتبة الأولى في مؤشر القراءة العربي الذي شارك في استبيانه نحو 148.000 مواطن عربي من كل الدول العربية ويعتبر الأضخم على مستوى العالم. وبلغ منسوب القراءة في لبنان 96 % وبلغ متوسط ساعات القراءة سنوياً 59 ساعة، وبلغ متوسط عدد الكتب المقروءة سنوياً 29 كتاباً، وجاءت مصر في المرتبة الثانية ليلها كل من المغرب و الإمارات والأردن.
ويتزامن صدور هذا التقرير مع دخول مشروع المعرفة العربي سنته العاشرة، وهو مشروع أختص مذ بدايته بالتركيز على ثنائية المعرفة والتنمية في سياق تكاملي تفاعلي يراعي خصوصية المنطقة والتحديات التي تواجهها، حيث إنتقل المشروع من طور إستقراء الوضع المعرفي إلى مرحلة الرصد الفعلي والكمي للمشهد، وهو ما يتيح للمعنين من الدوائر والسياسيين والأكاديميين والباحثين وصناع القرار بناء سياسات مدروسة مدعمة ببيانات وشواهد علمية.
ويخرج المشروع هذا العام بإصدارين، الأول منهما نسخة 2016 لمؤشر المعرفة العربي، أما الإصدار الثاني فجاء تحت عنوان "مؤشر القراءة العربي" الذي يمثل مبادرة جديدة من مشروع المعرفة العربي استندت على استبيان إلكتروني ضخم.
التعليم المستمر كعصب رئيسي
الدكتور هاني تركي مدير مشروع المعرفة العربي قال في حديث خاص مع "العين" إن "مشروع المعرفة يسير في مسار متصل مذ عام 2007، حيث صدرت 3 تقارير للمعرفة خرج الأول فيها ليحدد المفاهيم، والثاني أستهدف عمل اختبارات على النشء، والثالث ركز على دراسة شريحة الشباب الجامعي، ليخرج المشروع بفكرة "مؤشر القراءة" لقياس وضع المعرفة في العالم العربي". وأضاف "من خلال بعض المخرجات لتقرير المعرفة العام الماضي وجدنا أن العالم متوجه بشكل كبير إلى فكرة التعلم المستمر الذي يعتمد بشكل رئيسي على التثقيف الذاتي والقراءة وهواية المطالعة ومنه توجهنا إلى ضرورة قياس سلوك ونمط القراءة العربي".
ويعتبرتركي "أن التعلم المستمر يعد عصباً رئيسياً للتثقيف والتنمية المستمرة، وهو سلوك مرتبط بكثير من النواحي الإقتصادية لحياة الأفراد، وهو ما يكفل فرص حقيقة لتطوير الذات واكتساب المعرفة والمهارات المختلفة، وعلى عكس ذلك فإن إفتقاد الأشخاص لهذه الآلية الحيوية للمعرفة المستمرة يفقدهم فرصة للحصول على مستقبل، وهو ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، فالقراءة جزء مهم من العملية التعليمة والتنموية وتدخل في النظام الإقتصادي العالمي الراهن بشكل مباشر وغير مباشر".
كيفية قياس ساعات القراءة
وللوقوف على حقيقة الأرقام المتداولة حول ساعات القراءة عربياً تقول د.نجوى الفزاع غريس الكاتب الرئيسي وعضو الفريق المركزي لمؤشر القراءة لـ"العين"، "حينما حاولنا توثيق المعلومات المتوفرة عن المقروئية في العالم العربي ومصادرها، وجدنا أن أغلب المعلومات تدور حول ثلاث أرقام مجهولة المصدر رغم انتشارها الواسع، والغريب أن هذه الأرقام هزيلة للغاية إذ ما قورنت بمعدلات القراءة في المجتمعات الغربية. وعندما عكفنا على إخراج "مؤشر للقراءة" لم يكن الهدف أن ندافع عن هذه الأرقام أو نهاجمها، لكن فقط الوقوف على الحقيقة ووضعها في يد صناع القرار للاسترشاد بها في إتخاذ الإجراءات السليم".
وعن أليات ومناهج البحث أشارت إلى أنه "المؤشر حدد مفاهيم القراءة بهدف قياسها، فهناك خلط بين القراءة والقرائية ووالقراءة الحرة أو المطالعة، حيث تعرف القراءة على أنها إمكانية فك الرمز وأشكال الحروف، فيما يتم استخدام مصطلح القرائية على أنه مرحلة ترتقي بالقراء إلى مرتبة فهم ما يقرأ وتحليله وإدراك المغزى منه، ليصل الأمر إلى هواية المطالعة التي تصل بالقارئ إلى شغف يجعل من القراءة عادة يومية وأسلوب حياة".
وتشير غريس إل أن المؤشر يناقش 3 محاور رئيسية لقياس معدل القراءة في العالم العربي تتمحور حول منسوب القراءة، وإتاحتها، والسمات الشخصية للقارئ، وكل عنصر من هذه العناصر يلعب دوراً في تحديد النمط القرائي".
148 ألف استمارة
تصرح الكاتب الرئيسي للمؤشر: "من خلال إستبيان إلكتروني تم الوصول إلى شريحة واسعة في المجتمع العربي، حيث تمحورت الأسئلة عن طبيعة موضوعات القراءة ونوع الوسيط المعرفي وعدد الساعات وأوقاتها والموضوعات المفضلة.... لتصل عدد أسئلة الإستبيان إلى 30 سؤال، جاوب عنه 160 ألف شخص في حين أن توقعاتنا لم تكن تتجاوز حوالي 20 ألف فقط، ومع منهجيتنا الإحصائية تم أستبعاد 12 ألف شخص للشك في مصدقية ردودهم من خلال أسئلة خداعية وضعت للمقاربة الإجابات مع بعضها والكشف عن الإستمارات متناقضة المحتوى وغير المنطقية، ليصل عدد الإستمارات الحصيحة 148 ألف إستمارة، وهو التي تم تحليلهم إحصائيا لنخرج بـ مؤشرات القراءة العربية".
تدعيم الإحصائيات لصناعة القرار
تعد نتائج هذا الإستبيان مشجعة للغاية ومفاجأة وخطيرة في ذات الوقت، حيث يعطي المؤشر صورة كاملة عن وضع القراءة في العالم العربي، وهو ما يمكن استغلاله بصورة إيجابية على مستوى الحكومات العربية وصناع القرار، هذا ما أكده جمال بن حويرب العضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم مصرحا بقوله: "التقرير يوفر أرقام دقيقة عن طبيعة الوسائط المعرفية الأكثر مقروئية، وطبيعة الموضوعات، حيث يمكن استخلاص برامج يمكن من خلالها توجيه الشباب بالتركيز على الوسائط الأكثر تأثيرا فيهم، ويظهر المؤشر معدل قراءة الشباب للوسط الرقمي أكثر من الرقمي، وهو ما يجعل متخذ القرار يعكف على توجيه الرسائل إلكترونيا لتحقيق تفاعل أكبر كون الوسيط الأكثر إستخداما لهم على سبيل المثال.
لكن بشكل عكسي هذه الأرقام يمكن أن تستخدم أيضاً من جهات أخرى للتأثير على الشباب ودوافعهم بشكل يجعل المشاكل أكثر تفاقما، لذا ننوه إلى أن الحكومات وصناع القرار إن لم يسرعوا بإستخدام هذه المؤشرات لصالهم فستستخدم ضدهم وهنا يجب أن نأخذ الأمر مأخذ الجد ونسرع في تحقيق مجتمعات المعرفة التنويرية التي تقضي على الظلامية والجهل وتمنح فرص حياتية وإقتصادية أفضل، فنحن كمشروع معرفي وفرنا المعلومة وعلى الدول أن تدرس وتتفحص وتقيم وتحلل تلك الأرقام لتنتفع بها وتوظفها في صالح تنمية المورد الأهم المتمثل في البشر.
ويضيف حويرب: "لا معرفة بدون قراءة ولا مسقبل بدون كتاب كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فالقراءة رافد مهم بل هي الطريق الوحيد للمعرفة المستمرة والبحث والإبتكار، من هنا يأتي توجه الإمارات بالقراءة الذي ترجم في عديد المبادرات منها تخصيص عام 2016 للقراءة وإطلاق مبادرة "تحدي القراءة العربي" ليخرج مؤخرا مرسوم قانون القراءة ليؤطر نهج المعرفة بشكل صارم كمنهاج للدولة، وفي السياق ذاته يحضر "مؤشر القراءة" اليوم ليغير مفاهيم العالم عن مقروئية العالم العربي، وقد خرج هذا المؤشر في ظل المبادرة العربية التي أطلقها صاحب سمو حاكم دبي وشارك فيه ملاين العرب ليقرأوا أكثر من 50 مليون كتاب في سنه، وهوما ألقى ضوءا إيجابيا على المؤشر، ليكون مؤشر القراءة العربي الأول مفتاحا للوقوف على تمكين العرب من أليات مجتمع المعرفة".
وعن أليات توظيف المؤشر في مجتمع المعرفة يتحدث العضو المنتدب: "نحن نروج للمعرفة ونخرج تقارير ومؤشرات معرفية نادرة ومهمة، ونتيح من خلال قمة المعرفة وغيرها من المؤتمرات والندوات وورش العمل لصناع القرار كافة المعلومات البحثية المطلوبة ليتحاورون مع خبراء المعرفة، فنحن كمؤسسة معنيون بإخراج الأبحاث والكتب وهم عليهم أن يرسمو ويتشرفوا الغد في ظل هذه المعطيات".