كوسوفو وصربيا وخارطة أوروبا.. "شبه اتفاق" في النفق
على ضفاف بحيرة أوهريد في جنوب غرب مقدونيا الشمالية، ولد "شبه اتفاق" بين صربيا وكوسوفو لتنفيذ خطة أوروبية لتطبيع العلاقات.
"نوع من الاتفاق"، هكذا أصر أن يسمي الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ما اعتبره منسق السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "توافقا" بشأن تنفيذ اتفاق يدعمه تكتل القارة العجوز لتطبيع العلاقات مع كوسوفو.
جمل بدت متضاربة وتعكس حجم التوتر ومشقة المحادثات التي جرت السبت الماضي واستمرت 12 ساعة، حتى أن بوريل نفسه وصفها بالصعبة، لكن يبدو أن الأمر كان يستحق عناء إعلان أي تقدم بعد فشل المحادثات في بروكسل الشهر الماضي، والتي كشف خلالها عن خطة سلام أوروبية.
بدا بوريل مفعما بشعور النصر وهو يقول للصحفيين عقب محادثات جمعته بفوتشيتش ورئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، إن "كوسوفو وصربيا اتفقتا على تنفيذ ملحق للاتفاق على طريق تطبيع العلاقات بينهما".
لكن ذلك لم يكن على ما يبدو رأي فوتشيتش الذي قال إن كوسوفو وصربيا توصلتا إلى "نوع من الاتفاق" بشأن تنفيذ اتفاق يدعمه الغرب لتطبيع العلاقات.
وأضاف فوتشيتش في تصريحات إعلامية أدلى بها في أوهريد: "اتفقنا على بعض النقاط.. ليست كل النقاط.. هذا ليس اتفاقا نهائيا"، وبدا مصرا على نفي حدوث اتفاق كلي.
ويضم المقترح الأوروبي لتطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا 11 بندا، تنص على "اعتراف الطرفين بشكل متبادل بوثائقهما ورموزهما الوطنية الخاصة بكل منهما"، وعلى عدم استخدام العنف لحل الخلافات.
كما ينص على "عدم معارضة صربيا انضمام كوسوفو إلى منظمة دولية، وتقترح منح "مستوى مناسب من الحكم الذاتي" للأقلية الصربية في كوسوفو.
ولطالما رفضت صربيا الاعتراف بإعلان كوسوفو الاستقلال أحاديا في العام 2008، مع اندلاع اضطرابات متفرقة بين بلغراد وإقليمها الانفصالي السابق.
وأعلنت كوسوفو -ذات الأغلبية الألبانية- استقلالها عام 2008، بعد 10 سنوات تقريبا من الحرب التي أنهت الحكم الصربي، لكن صربيا لا تزال تعد كوسوفو إقليما منفصلا.
وتأتي المحادثات في أعقاب جهود دبلوماسية مكثفة هدفت إلى إحياء الآمال في حل التوترات بين بلغراد وبريشتينا، التي ما زالت مستمرة بعد نحو 25 عاما من حرب دامية، انتهت بحملة عسكرية قادها حلف شمال الأطلسي لحماية ألبان كوسوفو.
اتفاق أم لا؟
تضارب جزئي في التصريحات عكس حجم الضغوط التي خيمت على قمة السبت الماضي، وتطرح سيناريوهات ضبابية حول مدى التزام فوتشيتش بالتزامات بلغراد بملحق التنفيذ الصادر في أوهريد وبقية البنود التي تم التفاوض عليها ببروكسل في 27 فبراير/ شباط الماضي.
اللافت أن الرئيس الصربي رفض أيضا التوقيع على البنود المتفق عليها بمباحثات العاصمة البلجيكية، ما يفجر استفهامات بخصوص جدوى المحادثات نفسها والتوافقات المعلنة.
ففي ظل الحيثيات، يتساءل خبراء حول جدوى تقديم رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي ضمانات غير محددة لصرب كوسوفو إذا كانت كوسوفو لا تعرف على وجه اليقين إن كانت صربيا ستلتزم بنصيبها من الاتفاق أم لا، وما إن كانت ستعترف ضمنيا بكوسوفو بموجب الاتفاقية أم أن الأمر يعتمد على خطوات أخرى؟
باختصار، تخيم سحابة من عدم اليقين على أهم المفاوضات في البلقان منذ أكثر من 20 عاما، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي حل الخلاف التاريخي في ساحته الخلفية، خوفا من أن يمنح النزاع فرصة لروسيا والصين للتموقع بالمحيط الأطلسي.
خارطة
فشل توافق محادثات مقدونيا الشمالية ستكون له تداعيات وخيمة ليس فقط على البلدين المعنيين وإنما على أوروبا والغرب عموما.
هذا ما يعتقده محللون يرون أن الوقت يفرض على واشنطن وبروكسل - وليس فقط بلغراد وبريشتينا - تحمل مسؤولياتهما خصوصا في ما يتعلق بالغموض المخيم على الاتفاق.
وبناء على ذلك، قد تساعد بعض الخطوات في إنجاح المساعي، من ذلك تخلي أوروبا عن التظاهر بأنها مجرد وسيط بين الطرفين، كما ينبغي على واشنطن أن تتخلى عن الادعاء بأنها مجرد داعم يتبع قيادة الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن الاتفاق نفسه يقوم على "اقتراح أوروبي" في عنوانه، تدعمه الولايات المتحدة بالكامل.
ففي الوقت الحالي، يؤكد بوريل أن التنفيذ متروك للأطراف، مما يقلل من دور تكتل القارة العجوز في المراقبة، وفي الواقع، لا يوجد طرف لديه التزامات رسمية بموجب محادثات بروكسل أو أوهريد أكثر من الاتحاد الأوروبي نفسه، إذ هناك ما لا يقل عن خمس مهام مختلفة وافق عليها التكتل.
ومن بين المهام، لا يوجد حاليا ما هو أكثر أهمية من الالتزام المذكور مرتين للاتحاد الأوروبي "لرئاسة" لجنة مشتركة لضمان والإشراف على تنفيذ "جميع الأحكام"، مع مهلة زمنية صارمة مدتها 30 يومًا لإنشاء لجنة المراقبة المشتركة.
وهنا، سيتعين على بروكسل أن تظهر قوة غير مألوفة، حيث أن التنفيذ يتطلب إجراءً حاسما بعيد عن أي غموض محتمل.