«أرض الخوف».. عندما تحكي الألوان قصتنا

في فيلم "أرض الخوف" (1999) من إخراج داوود عبد السيد، تُعد الألوان من أهم العناصر التي تُستخدم لإبراز تعقيدات شخصيات الفيلم، وعلى رأسها شخصية البطل يحيى أبو دبورة، الذي جسده الفنان المصري أحمد زكي.

تُفتتح قصة الضابط يحيى بمشهد يعكس الانقسام الداخلي بين الأبيض والأسود. اختياره لهذه الألوان المحايدة يرمز إلى تردده بين عالم القانون (الشرطة) وعالم الجريمة (المخدرات). هذا الانقسام يظهر ليس فقط في شخصيته، بل في محيطه أيضًا، حيث تتناسق ألوان الديكور والملابس لتُبرز هذا الصراع.

تطور الألوان مع تقدم القصة

تظهر الملابس في الفيلم كعنصر محوري في تحديد الصراع الداخلي ليحيى، من خلال تدرج الألوان المستخدمة. يبدأ الفيلم بملابس يغلب عليها اللونان الأبيض والأسود، ما يعكس حالة التردد والانقسام الداخلي في شخصيته بين الخير والشر.

فكرة ارتداء يحيى لألوان تُذكّر بتفاحة آدم تُشير إلى النزول إلى الأرض والوقوع في الخطيئة. الألوان التي يختارها تصبح رمزية لتعبيراته الداخلية؛ ويبدأ بالتغير تدريجيًا مع دخول يحيى لعالم الجريمة، حيث تتداخل الألوان الداكنة مع الألوان المحايدة لتعبر عن انجذابه المتزايد لذلك العالم المظلم.

ما بين الزواج من رباب وهناء

يظهر تضاد الألوان في مشهده الأول مع الراقصة رباب، حيث يرتدي ألوانًا فاتحة تتناقض مع الألوان الحمراء الغامقة التي تميز عالم الراقصة، مما يعكس عدم انسجامه بعد مع عالم "أرض الخوف". 

عندما يتزوج هناء وينخرط في عالم المعلم هدهد، يتخلى عن بذلته الرسمية ويرتدي الجلباب كنوع من التكيف مع المحيط الجديد. إلا أن هذه الرحلة تنتهي بعودته إلى بذلته، مما يدل على صراعه مع التغيير والهوية.

لكن مع مرور الوقت وتزايد اندماجه في هذا العالم، تتناسق ألوان ملابسه مع بيئته المحيطة، مما يعكس التغييرات الداخلية التي يمر بها.

مع دخوله عالم "أرض الخوف"، تتحول ملابسه تدريجيًا من الألوان المحايدة إلى درجات من الرمادي والبني، مما يشير إلى انصهاره داخل هذا العالم. يُظهر ذلك رمزيًا انغماسه في المهام الموكلة إليه، وموافقته الضمنية على التخلي عن هويته السابقة كضابط.

الرجوع إلى عالم فريدة

عندما يدخل يحيى في علاقة حب مع فريدة، تظهر ألوان ملابسه بشكل متناقض تمامًا مع عالمها، لكن مع تطور العلاقة، يأخذ جزءًا من هذا العالم ويرتدي ربطة عنق تتناسق مع ديكور المكان، مما يشير إلى تأثره بعالمها وتأقلمه معه. 

في نهاية الفيلم، يعود يحيى إلى الألوان التي بدأ بها، مع دلالة على السكون الداخلي والاستسلام للقدر، حيث ينهي رحلته بملابس فاتحة تميل إلى الأبيض، ما يرمز إلى الاختيار النهائي بترك عالم "أرض الخوف" والعودة إلى السلام الداخلي.