العلاقات الأمريكية- الخليجية.. أحجية الصعود والهبوط خلال عقدين
جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، التي بدأها الأربعاء ويختتمها السبت من السعودية، تأتي في لحظة دقيقة من علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج.
وخلال العقدين الأخيرين، مرت العلاقات الأمريكية- الخليجية بعدد من المنعطفات في مسارها، فيما اتسمت قبل ذلك إلى حد كبير بالاستقرار والتفاهم بين الجانبين باستثناء بعض الأحداث التاريخية الفارقة والتي تم استيعابها فيما بعد مرة أخرى داخل إطار الثبات والاستمرارية في العلاقات التي وصلت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.
وعلى مدار عقود من التفاهمات الأمريكية - الخليجية، كانت العلاقات بين الرياض وواشنطن تعد مؤشرا أساسيا ورئيسيا وحجر زاوية في العلاقات بين الولايات المتحدة وكامل دول الخليج.
ومنذ تولي جورج دبليو بوش رئاسة الولايات المتحدة عام ٢٠٠١، وحتى نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، مرت العلاقات الأمريكية - الخليجية بعدة محطات، شهد بعضها اختلاف وجهات النظر في القضايا الإقليمية ومبادئ التحالف الثنائي المتعلقة بالأمن الإقليمي والحرب على الإرهاب.
"العين الإخبارية" تستعرض أبرز النقاط الفارقة في علاقات الجانبين مؤخرا ومآلاتها على صيرورة التفاهم الأمريكي الخليجي.
أوائل الألفية
مع اندلاع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، شهدت العلاقات الأمريكية والسعودية بعض الاضطرابات مع تورط سعوديين في الهجمات التي شهدتها الولايات المتحدة وسببت صدمة لدى الأمريكيين ودفعتهم للنظر بعين الريبة إلى كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين.
ووفقا للمحلل الأمريكي، ناثان براون، خلال مقابلة مع جريدة الأخبار المصرية في 2013، فإن المزاج العام الأمريكي في ذلك الوقت لم يكن مستعدا للتفرقة بين ما هو مسلم معتدل أو إسلامي متشدد أو حتى إرهابي مسلح.
وكردة فعل عنيفة غير مبررة، تم الهجوم على الحكومة السعودية في وسائل الإعلام وجلسات مجلس الشيوخ وأماكن أخرى.
وفي السعودية، وُصفت الآراء المعادية لأمريكا بـ"الشديدة" وأنها "في أعلى مستوياتها على الإطلاق".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2002 قال متحدث باسم الحكومة السعودية إن بلاده كانت ضحية تعصب أمريكي لا مبرر له تصل إلى حد العداوة.
واستمر الحال إلى عام 2003، عندما قام رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز بزيارة للسعودية حيث دشن مجددا مرحلة التعاون الثنائي لمحاربة الإرهاب.
واستمر التعاون لا سيما عندما استهدفت العديد من الهجمات المجمعات الأمريكية ووزارة الداخلية السعودية والعديد من الأماكن الأخرى داخل المملكة في مايو/أيار 2003.
وفي إطار التفاهمات الثنائية، استخدمت احتياطيات البترول السعودية في زيادة المطروح واحتواء الأسعار وخفضها من 37 دولارا إلى 27 دولارا للبرميل إبان حرب العراق.
بالمقابل أنهت واشنطن الحظر الذي كان مفروضا على نشر طائرات إف 15 السعودية في قاعدة تبوك في الشمال، والتي كانت إسرائيل ترفضه.
وتعهدت الولايات المتحدة للسعودية ودول الخليج والدول العربية بدور نشيط يكفل تنفيذ خطة خارطة الطريق التي تستهدف تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن مع إسرائيل.
ظلت العلاقات بوتيرة مستقرة في الظاهر حتى نهاية عهد الرئيس جورج بوش الذي زار السعودية مرتين في يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2008، إلى جانب زيارات للدول الخليجية الأخرى على مدار فترتيه الرئاسيتين.
فقد زار بوش في يونيو/حزيران 2003 قطر للقاء الأمير حمد آل ثاني، كما زار الكويت في يناير/كانون الثاني 2008 حيث حضر في معسكر عريفجان المائدة المستديرة حول الديمقراطية والتنمية، قبل أن يغادر في نفس الجولة إلى البحرين حيث التقى الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة في المنامة.
وشملت نفس الجولة أيضا زيارة إلى دولة الإمارات حيث التقى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات الراحل، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وضمن جولته غادر بوش إلى الرياض والتقى في الجنادرية العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
وفي مايو/أيار 2008، زار بوش السعودية مرة ثانية حيث اجتمع مع الملك عبد الله.
ومثل خطاب بوش حول الديمقراطية وحقوق الإنسان سببا للسخرية يالدول العربية مع حقيقة انكشاف انتهاكات القوات الأمريكية بشكل مستمر في العراق.
وهو ما انعكس أيضا على العلاقات بين أمريكا والدول الخليجية والعربية بشكل عام. كما أغضب الدول الخليجية حقيقة أن الغزو الأمريكي للعراق أفسح المجال آنذاك أمام تغلغل النفوذ الإيراني في هذه الدولة العربية الهامة.
تأرجح أوباما
ومع تولي باراك أوباما السلطة، تبنى خطابا يدعو للانفتاح بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية بعد فترة من التوترات الثنائية على خلفية الحرب على الإرهاب في مفهومها وتطبيقها، والذي طال من الدول في الشرق الأوسط وتسبب في فوضى حقيقية ترافقت مع مصطلحات تبنتها إدارة بوش السابقة مثل "الشرق الأوسط الكبير" و"الفوضى الخلاقة".
وأملت الدول الخليجية أن تنضبط بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية مرة أخرى لكن سياسات أوباما باستراتيجية التوجه نحو آسيا والابتعاد عن الشرق الأوسط، ودعم ما سُمي "الربيع العربي"، والاتفاق النووي مع إيران، مثلت ثلاث ضربات هزت الثقة بشكل فادح مع الحلفاء الخليجيين الذين رأوا في ذلك مؤشرا على مزيد من الفوضى في المنطقة.
ودعّم أوباما تنظيم الإخوان في مصر لدى وصوله للسلطة عام ٢٠١٢، وعادى الجيش الذي استجاب لإرادة الملايين في شوارع البلاد عام ٢٠١٣ وخلّص مصر من حكم الجماعة الإرهابية.
كما أن إدارة أوباما اتخذت موقفا سلبيا من تطورات النزاع باليمن وانتهى ذلك بتوقيعه اتفاقا نوويا مع طهران عام 2015 أتاح لها استخدام أموال كانت مصادرة بفعل العقوبات في تسليح الانقلابيين الحوثيين وإطلاق يدهم إقليميا بما يهدد المصالح الخليجية والعربية، ما أدى إلى توتر وتدهور العلاقات بين أمريكا والدول الخليجية.
وفي سبتمبر/أيلول 2016، تلقت العلاقات الأمريكية الخليجية، ولاسيما السعودية ضربة أخرى مع إقرار قانون جاستا الذى يتيح لعائلات ضحايا هجمات سبتمبر/أيلول 2001 مقاضاة دول أجنبية ومطالبتها بتعويضات.
وحذرت السعودية آنذاك من "العواقب الوخيمة" التي قد تنتج عن قرار الكونجرس الأمريكي تبني قانون جاستا، والذى رفعت بموجبه لاحقا دعاوى ضد الرياض.
ترامب وبايدن
ومع تولى دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة، بدا أنه أراد ضبط البوصلة في علاقات بلاده مع الخليج مرة أخرى، منتبها لأهمية هذه المنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكية الاستراتيجية.
واستضافت العاصمة السعودية الرياض في 2017، أعمال القمة العربية الإسلامية الأمريكية، بمشاركة عدد كبير من زعماء العالم الإسلامي والعربي ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
وقبل انطلاق القمة، قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إنها "ستوثق التحالف ضد التطرف والإرهاب".
واستقرت علاقات الجانبين بشكل كبير واتفقا على التصدي لطموحات إيران بالمنطقة، لاسيما مع انسحاب أمريكا الأحادي من الاتفاق النووي وتوقيع مجموعة قاسية من العقوبات ضد طهران.
تحسنت علاقات أمريكا مع دول الخليج، لكن بعض ردود الفعل من قبل إدارة ترامب كان لها أثر سيئ مرة أخرى في مسار العلاقات حيث تجاهل عام 2019 القصف الإيراني لمنشآت نفطية سعودية في بقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019.
واختار ترامب حينها عدم الرد على تلك الهجمات “ما قوّض أربع عقود من السياسة الأمريكية التي كانت تستهدف الدفاع عن الحقول النفطية في الخليج ضد التهديدات المنبعثة من داخل وخارج المنطقة”، بحسب “فورين بوليسي”.
ومثلت تلك التطورات إرثا للرئيس التالي جو بايدن الذي لم يصلحه فحسب، بل زاده سوءا بالتمادي في تجاهله للمنطقة وسعيه الحثيث لتوقيع اتفاق نووي مع إيران علاوة على موقفه من الهجمات الحوثية.
غير أن بايدن وعقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بدا يحاول ضبط بوصلته وطي الخلافات مع دول الخليج والدول العربية الإقليمية، وهو ما تؤشر له زيارته للسعودية وعقد قمة أمريكية خليجية بمشاركة مصر والأردن والعراق.