قانون النظام العام.. هل ينهي السودان عقدين من الجدل؟
الرئيس السوداني عمر البشير ينتقد قانون النظام العام المثير للجدل بعد 22 عاما من صدوره.
بعد حوالي 22 عاماً من الانتقادات لقانون النظام العام المثير للجدل محلياً ودولياً، بدأ مسؤولون بالحكومة السودانية في مقدمتهم رئيس البلاد عمر البشير إجراءات عملية لمراجعته، الأمر الذي اعتبره كثيرون خطوة تستوجب المضي فيها قدماً.
فقانون النظام العام السوداني الذي يجري تطبيقه منذ عام 1996، ويُعني بتجريم السلوكيات الشخصية مثل ما يعرف بالزي الفاضح، وشرب الخمر، والأعمال الفاحشة، والأعمال الفاضحة، والإغواء، والمواد والعروض المخلة بالآداب العامة، خلف الكثير من المشكلات لدى حكومة الخرطوم وأصبح بعض من ضحاياه محل اهتمام الرأي العام الدولي، كونه يمنح سلطة تقديرية لأفراد الشرطة تقترب من المزاجية في الحكم على أذواق الناس في اختيار زيهم وطريقة تعبيرهم.
وتباينت آراء مهتمين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" بشأن توجه الحكومة السودانية الجديد تجاه قانون النظام العام، ففي الوقت الذي رأى البعض أن الخرطوم تود كسب شريحة الشباب والفتيات التي تضررت من القانون والذين يشارك غالبيتهم في حركة الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ الـ19 من ديسمبر الماضي، بقيادة تجمع المهنيين السودانيين، فيما يرى آخرون أن إلغاء هذه البنود القانونية يمثل أحد مطلوبات حوار الخرطوم مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن لائحة الإرهاب.
وظل تشريع "النظام العام" الذي يعطي صلاحيات واسعة للشرطة بملاحقة أي سلوك تعتقد أنه مخل بالآداب والذوق العام، محل انتقاد المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة، منذ تطبيقه مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكثيراً ما أدخل حكومة الخرطوم في حرج دولي.
وفي أحدث الانتقادات لقانون "النظام العام" هاجم الرئيس السوداني عمر البشير، مواد القانون بشدة، قائلاً إنه أصبح محلاً للابتزاز والتشهير بالمواطنين.
وأعلن البشير الذي كان يتحدث لعدد من الصحفيين وقادة الإعلام بالسودان، ليل الأربعاء الماضي، أنه سيقوم باستدعاء المسؤولين في الشرطة والنيابات لأجل إيقاف ما وصفه بالعبث، بعد أن أصبح تطبيق القانون خاطئاً ويتم استخدامه في الابتزاز والتشهير.
وأشار البشير إلى أن التجسس على خصوصيات الآخرين محرم شرعياً وأن الشخص داخل منزله مباحاً له فعل كل شيء.
وسبقت انتقادات البشير لقانون "النظام العام" توصيات اعتمدها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في آخر اجتماع لمكتبه القيادي، قضت بمراجعة بعض مواد القانون المثير للجدل بغرض وقف التضييق على الشباب الذي خرج في تظاهرات تنادي بالحرية، حسب وصفه.
شرط أمريكي
ويقول المحلل السياسي أحمد حمدان إن الخطوات الحكومية بشأن إلغاء قانون النظام العام مردها إلى الحوار الأمريكي السوداني الذي ينتظر أن تنطلق المرحلة الثانية منه في الأيام المقبلة.
وقال حمدان لـ"العين الإخبارية" إن واشنطن وضعت إلغاء مواد قانون "النظام العام" بجانب المادة 126 من القانون الجنائي والمتعلقة بحد الردة، ضمن شروط أخرى ينبغي أن تنفذها الخرطوم تمهيداً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأشار إلى أن الورشة التي عقدتها وزارة الخارجية السودانية قبل أيام وحضرها القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم ستيفن كوتسيس، كانت واحدة من توصياتها إلغاء المواد المتعلقة بقانون "النظام العام" من القانون الجنائي.
و لا يستبعد حمدان في ذات الوقت أن تكون خطوة إلغاء القانون نتيجة تأثر منسوبين للمنظومة الحاكمة به بعد أن أصبح أداة لتصفية الحسابات السياسية من واقع أحداث عاصفة خلفها توقيف رموز بارزه على ذمة "النظام العام" خلال الأشهر والأيام الماضية.
عربون سياسي
لكن هذه الخطوات الحكومية بشأن قانون النظام العام تبدو محل شكوك بالنسبة للناشطة الحقوقية تهاني عباس التي لا تعتبرها أكثر من عربون سياسي للحركة النسوية بعد مشاركتها الواسعة في الاحتجاجات التي انطلقت بالسودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بقيادة تجمع المهنيين السودانيين.
وقالت تهاني وهي عضو بمبادرة "لا لقهر النساء" لـ"العين الإخبارية" إن شريحة النساء كانت الأكثر تضرراً من قانون "النظام العام" طوال فترة تطبيقه؛ حيث انتهك كرامة النساء وخصوصيتهن.
وأشارت إلى أن ضرر النساء من القانون لم يتوقف على الزج بهن خلف الحراسات وإنما وصولاً لفقد الأرواح؛ حيث قتلت في عام 2012 فتاة تدعى عوضية عجبنا بعد مداهمة دورية شرطة لمنزل أسرتها في منطقة الديم بالعاصمة الخرطوم.
وأكد القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الطاهر حسن عبود أن حزبه جاد في مراجعة قانون النظام ولم يكن توجههم نتاج لمزايدات سياسية كما يدعي البعض، لافتاً إلى أن الأصل في أي تشريع أن تتم إعادة النظر فيه من واقع الأخطاء التي تظهرها الممارسة.
وقال عبود لـ"العين الإخبارية" "القانون أدخل البلاد في مشكلات عديدة مع المؤسسات الدولية، وأصبح ينظر للسودان كدولة مقيدة للحريات، بجانب أنه واجب على السلطة مراجعة أي تشريع إذا ثبت تسببه في ضرر لأي شريحة مجتمعية خلال الممارسة والتطبيق".
وأضاف "ليس هناك عيب في الاعتراف بالخطأ في قانون النظام العام، فمن الحكمة أن تفكر القيادة جاهدة في إعادة النظر بالقانون وجبر الضرر".
ويعطي القانون المثير للجدل شرطة النظام العام التي تم إنشاؤها بموجب مواد هذا القانون سلطة الاقتحام والضبط الجنائي لإنفاذ مواده، مما جعل منها رقيب على السلوكيات الشخصية للمواطنين، بحسب منتقدين للقانون.
انتهاك للحرية الشخصية
وفي تقرير أعدته "المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً" عن قانون "النظام العام" يوضح أنه عبارة عن منظومة مواد قانونية يتضمنها القانون الجنائي السوداني، بالإضافة إلى ما يعرف بقانون سلامة المجتمع الذي صدر للمرة الأولى، بعد وصول حكومة الإنقاذ للحكم في 1989، كقانون ولائي في ولاية الخرطوم تحت مسمى قانون النظام العام، والذي دشنته الحكومة في ولاية الخرطوم عام 1992 ثم أعادت إصداره عام 1996، قبل أن يتم تعميمه على ولايات البلاد كافة.
ويتضمن القانون عدة مواد تتعلق بالمظهر العام والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين، بما يجعل الدول رقيباً شخصياً على المواطنين وسلوكياتهم بشكل يتعمد إذلالهم وإهانتهم وامتهان كرامتهم والتعدي على حقوقهم، بحسب التقرير.
ويؤكد التقرير، الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن محتوى قانون "النظام العام" يتعارض مع مبادئ الحرية الشخصية التي ينص على حمايتها الدستور السوداني لعام 2005 وتعديلاته اللاحقة، كما يصاحب التطبيق مشاكل متزايدة وتجاوزات من الناحية التنفيذية والقضائية، بالإضافة إلى التمييز السلبي المباشر ضد المرأة والفئات الإثنية والدينية والطبقية المستضعفة في المجتمع.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg جزيرة ام اند امز