هل تستعد لوبان لـ«تفجير» فرنسا؟
وسط الأزمة السياسية في فرنسا يتعين على ماريان لوبان أن تقرر ما إذا كانت المقامرة بـ«تفجير الأوضاع»، تستحق المخاطرة قبل انتخابات 2027.
ودائما ما كانت مارين لوبان زعيمة أقصى اليمين الفرنسي تسير على حبل مشدود بين كونها دخيلة على السياسة عازمة على هدم المؤسسات الفرنسية، ومساعيها لزرع صورة تمكنها من كسب دعم واسع النطاق، على أمل أن تصبح رئيسة يومًا ما.
وسلطت الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا حاليا الضوء على هذا الاختيار حيث أعاد دعم لوبان لإسقاط الحكومة الفرنسية ودفع البلاد إلى حافة الفوضى والاضطرابات المالية صورته القديمة المزعجة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
والآن، يجب على لوبان أن تقرر خطوتها القادمة وهل ستدعم رئيس الوزراء الجديد الذي سيختاره الرئيس إيمانويل ماكرون أم ستواصل الصراخ من على الهامش؟
كانت لوبان قد أسعدت قاعدتها التقليدية بقرارها عدم دعم رئيس الوزراء ميشال بارنييه حول ميزانية تقشفية ثم صوتت لصالح حجب الثقة عن حكومته، لكن هذه الخطوة أثارت الخلاف في حزبها "التجمع الوطني" الذي يعد أحد الكتل الثلاث الكبرى في البرلمان الفرنسي المجزأ.
وقال مسؤول سابق من أقصى اليمين طلب عدم الكشف عن هويته "إن مسؤولي الحزب كانوا منقسمين للغاية حول ما إذا كان ينبغي لهم التصويت للإطاحة بالحكومة.. إنهم خائفون من العودة إلى كونهم حزبًا هامشيًا".
وأضاف "لكي تصبح لوبان رئيسة، فهي بحاجة إلى المتقاعدين، والأشخاص الذين يحبون الاستقرار ... والآن ربما ضاعوا".
وبالفعل شدد خصوم لوبان على هذه النقطة وتحدثوا بفرح عن عودتها لتصبح القوة المتهورة والمدمرة التي شهدت فوزها بعدد قياسي من المشرعين لكنها خسرت المنافسة على الرئاسة ثلاث مرات منذ عام 2012.
وإدراكًا منه لمدى سهولة خسارة لوبان للمنطقة الوسطى، انتقد ماكرون حزبها للانضمام إلى أقصى اليسار في "جبهة معادية للجمهورية".
تحول مفاجئ
وتمثل هذه التحركات تحولا مفاجئا ودراماتيكيا بالنسبة للوبان بعدما حاولت لسنوات طويلة أن تكتسب صورة أكثر منطقية، ففرضت انضباطا صارما على مسؤولي الحزب واتبعت موقفا لا يتسامح مطلقا مع العنصرية ومعاداة السامية.
ومع ذلك تمسكت لوبان بموقفها الأخير وقالت في مقابلة يوم الأربعاء "أنا لا أقامر، ولا ألعب في الكازينو ... أنا أتخذ القرارات السياسية.. لقد واجهنا ميزانية غير مسؤولة، وحاولنا أن نكون مسؤولين".
وحاليا تبقي خيارات لوبان مفتوحة، وتخفف الضغوط مع التأكيد بأنها ستصوت لصالح ميزانية الطوارئ لكنها لا تزال تحذر من أنها قد تصوت للإطاحة بالحكومة القادمة مرة أخرى.
قد يكون ذلك هو الجزء السهل فستكون هناك لحظات يتعين فيها على لوبان اتخاذ خيارات أكثر حسما، مثل دعم ميزانية الحكومة القادمة لعام 2025، وربما مشروع قانون الهجرة.
انتخابات في مرمى البصر
ولا تزال الانتخابات الرئاسية لعام 2027 في مرمى بصر لوبان وكان قرار الأسبوع الماضي الإطاحة بالحكومة محسوبا لصقل صورتها كقوة مناهضة للمؤسسة في فرنسا، لكنه يضع جهودها لتوسيع جاذبيتها على نار هادئة.
وقال برونو جانبارت، خبير استطلاعات الرأي "أعتقد أنه كان قرارا صعبا بالنسبة لها، وهو يتعارض مع استراتيجيتها لجعل التجمع الوطني أكثر شعبية.. لكن ضغوط الناخبين كانت تزداد قوة".
وأضاف "كان من المهم بالنسبة لها تأمين ناخبيها الأساسيين بدلا من جذب ناخبين جدد في وقت لم يظهر فيه بعد مرشح رئاسي وسطي معتدل لعام 2027".
وقال أحد المحافظين "إن استراتيجية تطبيع نفسها لها حدودها" مضيفا "لقد كان الخطر الذي يهدد لوبان هو أن توصف بأنها سياسية مثل أي سياسية أخرى".
"لقد اختارت لوبان الخيار الأقل انتحارا" وفقا لسيلفان كريبون، الأكاديمي والمتخصص في أقصى اليمين الذي قال "إذا لم يصوت التجمع الوطني لإسقاط الحكومة، لكان قد أصبح تحت سيطرة الحكومة، وكان ليخسر ناخبيه الذين يكرهون ماكرون".
ويحاول مسؤولو التجمع الوطني بالفعل استعادة المزيد من الناخبين الرئيسيين، بحجة أن الناخبين فهموا ودعموا تحركهم لإسقاط الحكومة.
وفي الساعات التي أعقبت التصويت، وصفت لوبان سقوط بارنييه بأنه "ليس انتصارا" وتجنب نواب حزبها الشماتة بشكل عام، ووعدوا بالمساعدة في تجنب إغلاق على غرار الولايات المتحدة.
وقال مستشار برلماني من التجمع الوطني إن أقصى اليمين يحتاج إلى "الطمأنة" باستمرار مضيفا "هناك محللون اتبعوا خط الحكومة في رغبتهم في تخويف الناس".
هجوم من نوع آخر
ومع ذلك فإن تعنت لوبان جعلها أيضا عرضة لخط آخر من الهجوم بأنها تسببت في أزمة لإنقاذ نفسها حيث تخضع للمحاكمة بتهمة اختلاس أموال الاتحاد الأوروبي، وطلب المدعون العامون من القضاة منعها من الترشح لمنصب عام ومن المقرر صدور الحكم في مارس/آذار.
وإذا تم تأكيد هذا الطلب، فقد يؤدي ذلك إلى تدمير احتمالات ترشحها في انتخابات مبكرة محتملة، أو حتى الترشح للرئاسة في عام 2027.
ووفقًا للنائب المحافظ بيير هنري دومون، فإن لوبان قررت الإطاحة بالحكومة الآن لأنه سيكون من الصعب تنظيم مواجهة مع ماكرون لاحقًا، عندما قد تكون غير مؤهلة للترشح لمنصب.
واتهم البعض لوبان بمحاولة تسريع الأزمة المؤسسية في محاولة لإجبار ماكرون على التنحي وتسريع الانتخابات الرئاسية.