بعد رئيس وزراء فرنسا.. هذا «الهدف التالي» لمارين لوبان
حين دعم أقصى اليمين الفرنسي اليسار الراديكالي للإطاحة برئيس الوزراء، بدا أن الطرفين حققا هدفهما لكن في الواقع لم يكن ذلك كل شيء.
فبعد أن أيد تيار أقصى اليمين، بقيادة مارين لوبان، الأسبوع الماضي، مقترح عزل ميشيل بارنييه وسحب الثقة من حكومته، يبدو أن بوصلتها تتجه صعودا، وتحديدا نحو الرئيس -غريمها الأزلي- إيمانويل ماكرون.
وخلال مشاوراته للبحث عن رئيس وزراء جديد، التقى ماكرون عددا من قادة الأحزاب وجها لوجه في القصر الرئاسي، لكن لم تكن من بينهم مارين لوبان زعيمة حزب «التجمع الوطني».
وبدا أن ماكرون صنف لوبان وحزبها باعتبارهما "منبوذين"، حيث أشار إلى استبعادها لأنها جزء من "الجبهة المناهضة للجمهورية"، على حد تعبيره.
لكن يبدو أن ما فعله ماكرون لن يمر مرور الكرام، خاصة بعدما أعلنت لوبان في وقت سابق سعيها للإطاحة برئيس الوزراء ميشيل بارنييه، وهو ما تحقق بعد فترة وجيزة حيث صوتت الجمعية الوطنية لصالح حجب الثقة عنه، وذلك وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى أن بارنييه كان قد حاول تمرير اقتراح الميزانية دون تصويت، كما أنه لم يتشاور مع لوبان التي لديها أكبر كتلة في البرلمان ولا يمكن تجاهلها.
والأربعاء الماضي، اقترحت لوبان أن حكومات ماكرون المتعاقبة قد تسقط حتى يتنحى، وأوضحت أنها تسعى إلى الحصول على جائزة أكثر أهمية وهي الرئيس نفسه.
عهد؟
أمام النواب الذين شعروا بالذهول، تعهدت لوبان بـ"الخلاص" لفرنسا، وقالت إن ذلك سيحدث "ربما في وقت قريب جدا"، وهو الأمر الذي بدا وكأنه وعد بقدر ما كان تهديدا.
ورغم أنها تجنبت ذكر اسم ماكرون إلا أن لوبان اعتبرت أن الأمر كله يعتمد على قرار رجل واحد، وقالت "الأمر متروك للشخص المعني، بمفرده، ليقرر ما إذا كان ينبغي له البقاء.. إن الأمر متروك لضميره، ليقرر ما إذا كان ينبغي له التضحية بالسياسة العامة ومصير فرنسا من أجل كبريائه".
وأضافت "الأمر متروك لعقله ليقرر ما إذا كان بإمكانه تجاهل الرفض الشعبي الهائل، والذي أعتقد أنه حاسم في حالته"، لكن ماكرون يصر على أنه لن يذهب إلى أي مكان.
وأصبحت لوبان أقرب إلى السلطة مما كانت عليه في أي وقت مضى بعدما أحدثت تحولاً غير عادي لحزبها على مدار أكثر من عقد، حيث لجأت إلى البرلمانيين أصحاب الحديث الناعم بدلا من عملاء ما بعد الفاشية المعروفين بفظاظتهم خلال عهد والدها جان ماري لوبان.
وبعدما حظي تصويت حجب الثقة عن بارنييه بشعبة قوية بين ناخبيها، فقد استخدمت لوبان قاعدتها الانتخابية الصلبة لرفع مكانة حزبها ودق إسفين بين الأحزاب الأخرى.
وهذا الأمر الذي يتحمل مسؤوليته بشكل كبير ماكرون الذي صاغ حياته السياسية على أساس إبعادها عن السلطة، وذلك خلال حملتيه الرئاسيتين في عامي 2017 و2022.
«نتيجة ضعيفة»
وقال غيوم ليتورنور، الخبير في المركز الأوروبي لعلم الاجتماع والعلوم السياسية "كان موقف إيمانويل ماكرون هو: أنا السور ضد مارين لوبان"، وأضاف "لابد أن نقول إن النتيجة كانت ضعيفة للغاية".
وفي حملاته الانتخابية، تمكن ماكرون من استقطاب الدعم من الناخبين اليساريين الذين كانوا ليرفضوا سياساته المؤيدة للأعمال التجارية، لكنهم دعموه بسبب كرههم للوبان كما حصل على دعم الناخبين اليمينيين التقليديين الذين استهجنوا الأصول الخشنة لحزب والدها.
لكن ماكرون فقد الآن مصداقيته بين ناخبي اليمين واليسار، بعدما فتح الباب أمام أغلبية التجمع الوطني في البرلمان بسبب دعوته غير الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة في يوليو/تموز الماضي.
وحينها، قال إنه يريد أن يوضح الناخبون خياراتهم، لكن النتائج كشفت أن الناخبين يفضلون أقصى اليمين واليسار عليه.
رغم أن لوبان سجلت ضربة قوية الأسبوع الماضي، فإن الطريق ليس واضحًا لها أيضًا، لذا يتعين عليها التحرك بسرعة حيث تخيم عليها محاكمة اختلاس الأموال العامة التي قد تُعقد في 31 مارس/آذار المقبل.
وهذه المحاكمة قد تؤدي إلى استبعادها من الترشح للرئاسة إذا تم تأييد توصيات الادعاء العام بشأن الحكم عليها.
وعلى غرار خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، تصر لوبان على أنها مستهدفة في المحاكم بسبب سياساتها.
وقالت الشهر الماضي للتلفزيون الفرنسي "الهدف هو مهاجمة شخص ما في المعارضة السياسية.. وأنا أقول للفرنسيين إن فكرة حرمانهم من اختيارهم تشكل هجوما عنيفا للغاية على الديمقراطية".
«قيد مزدوج»
لكن الأدلة ضد لوبان وضد 24 من أعضاء حزبها الذين يحاكمون أيضا كانت قوية، ولا تزال الإدانة احتمالا واضحا.
ولم تترك الشهادات أمام المحكمة أي مجال للشك في أن التجمع الوطني استخدم أموال الاتحاد الأوروبي لأغراض حزبية محلية، وهو ما يشكل إساءة استخدام لأكثر من 7 ملايين دولار من الأموال العامة.
ووفقا لعالم السياسة جان إيف كامو، فإن لوبان تعمل تحت ما يسميه "قيداً مزدوجاً"، وقال إنها لابد أن تظهر للناخبين "بصورة طبيعية قدر الإمكان، ومزعجة قدر الإمكان".
واعتبر أنه على النقيض من ترامب، فإن أنصارها يريدون المزيد من سيطرة الدولة.
وبذلت لوبان قصارى جهدها أمام البرلمان الأسبوع الماضي، لتؤكد أنها المدافع الحقيقي عن قيم فرنسا ومؤسساتها الجمهورية في حين وصفت ماكرون بأنه مُخرب للمؤسسات.
وقالت إنه الشخص الذي "عمل بلا كلل لهدم كل ما يمكنه"، وأشارت إلى وزارة الخارجية والمحافظات والحكام المحليين والشرطة ونظام التقاعد والتأمين ضد البطالة والسكك الحديدية.
ومن جهة أخرى، فإن أنصار لوبان الذين يمثلون ما يقرب من 11 مليون ناخب ليس لديهم مصلحة في دعم المحافظين التقليديين من يمين الوسط مثل بارنييه، لذا فهم حريصون على أن تقوض لوبان مثل هذه الشخصيات.
وقال الأمين العام لحزب التجمع الوطني في البرلمان، رينو لاباي: "الأمر بسيط للغاية.. نحن ندافع عن مصالح الفرنسيين ومصالح ناخبينا.. نحن ندافع عن المصلحة العامة التي لم يدافع عنها الساسة".
وتعتقد لوبان وأنصارها أنه تمت معاملتهم باستخفاف وازدراء من قبل حكومة ماكرون، وقال فيليب أوليفييه، صهر لوبان ومستشارها، إن بارنييه التقى فقط بزعيمة أقصى اليمين من أجل منح انطباع بأنه تم إجراء مناقشة جادة.
وقال أوليفييه، وهو عضو في البرلمان الأوروبي "التقت بشخص لم يحاول أبدًا إيجاد حل وسط، ولا حتى لثانية واحدة.. لم يفهم أنه كان ينبغي أن تكون هناك مفاوضات".
وأضاف "لقد اعتبرنا بلا قيمة.. لكن كل هذا قد انتهى".
aXA6IDMuMjEuMjQ2LjQ0IA== جزيرة ام اند امز