النظام الصحي اللبناني.. السقوط في "النقطة صفر"
نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان أعلن وعدد من أصحاب المستشفيات اقتصار العمل على الحالات الطارئة محذرا أن الأمور تتجه لمزيد من الانحدار
أضيف إلى أزمات اللبنانيين، الذين يصارعون للبقاء وتأمين لقمة عيشهم في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يرزحون تحتها وما يرافقها من خطر وباء كورونا، معاناة جديدة تتمثل في خطر فقدان المرضى لحقهم الطبيعي في العلاج مع إعلان المستشفيات الخاصة اقتصار عملها على الحالات الطارئة وتلويح أصحابها بالتصعيد والإقفال احتجاجا على عدم دفع الدولة مستحقاتها.
وفيما بات المواطن اللبناني ضحية هذا الخلاف، يرى البعض أن المستشفيات التي لطالما جنت الأرباح الشرعية وغير الشرعية، تستغل اليوم الأزمة للضغط على الجهات المعنية بدلا من أن تقوم بواجبها الإنساني، خاصة في ظل مواجهة وباء كورونا الذي يسجل عداده ارتفاعا غير مسبوق بالإصابات في الأيام الأخيرة بلبنان.
وكان نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، أعلن وعدد من أصحاب المستشفيات، الأسبوع الماضي اقتصار العمل على الحالات الطارئة، محذرا من "أن الأمور تتجه لمزيد من الانحدار".
وقال: "مرغمون في المرحلة المقبلة على حصر استقبال المستشفيات على الحالات الطارئة ولا سيما غسل الكلى والعلاج الكيميائي والحالات التي تهدد حياة المريض وهذا التدبير كمرحلة أولى، وسنعطي مدة أسبوعين أو ثلاثة للمسؤولين لتدارك الوضع وبعدها سننتقل إلى مرحلة أخرى".
وأشار إلى أن "الخطوة الثانية هي إقفال المستشفيات ما عدا لحالات غسل الكلى وعلاج السرطان".
وبعد أسبوع من تحذير هارون لا يزال الوضع على حاله باستثناء خطوة يصفها هارون بالخجولة وهي دفع وزارة المالية للمستشفيات مبلغ 100 مليار ليرة للمستشفيات، مشيرا إلى أن التحذير الذي أطلقوه الأسبوع الماضي لا يزال مستمرا مع تأكيده على أنه ليس تهديدا إنما واقعا يجعل المستشفيات غير قادرة على الاستمرار بعملها.
ويقول هارون لـ"العين الإخبارية" إن الأزمة التي يعاني منها مستشفيات لبنان هي نتيجة لمشكلتين، الأولى عدم دفع الدولة مستحقاتها والثانية ارتفاع كلفة الاستشفاء بشكل غير مسبوق نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، إضافة إلى نقص بالمستلزمات الطبية نتيجة عدم قدرة المؤسسات الطبية على الدفع بالدولار في الوقت التي باتت المواد الطبية الموجودة في طريقها إلى النفاذ".
وأشار كذلك، إلى أن وباء كورونا فاقم هذه الأزمة حيث تراجعت نسبة الأشغال إلى أكثر من 50%".
ويضيف: "التعريفات المحددة من قبل الدولة جميعها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف الدولار القديم، أي 1500 ليرة، في الوقت الذي نضطر فيه اليوم إلى شراء كل المواد والمستلزمات بسعر 7 آلاف ليرة، علما أن مستحقاتنا من الدولة كانت تقدر بأكثر من مليار ليرة لبنانية، وهي التي انخفضت قيمتها اليوم بشكل كبير مع تراجع قيمة الليرة، بحيث لم تعد تعادل أكثر من 300 مليون دولار".
من هنا يلفت هارون إلى أن بعض المستشفيات أوقفت العمل باقسام عدة منها قسم علاج السرطان لعدم قدرتها على دفع ثمن العلاجات وبات يقتصر العمل على الحالات الطارئة.
ويشير هارون إلى تواصل مستمر مع الجهات المسؤولة في لبنان، لكن المشكلة مادية لعدم قدرة الدولة على الدفع، ويقول: "في المقابل نحن لن نقدر على الاستمرار في وضع كهذا".
وعما إذا كان هناك إمكانية للدعم الخارجي يقول هارون: "نتواصل مع البنك الدولي وحصلنا على وعود بالمساعدة لكن حتى الآن ليس هناك أي خطوات ملموسة".
لكن في المقابل، يتحدث رئيس الهيئة الوطنية الصحية النائب السابق إسماعيل سكرية عن فساد في القطاع الاستشفائي في لبنان أدى إلى هذه الأزمة متهما في الوقت عينه الدولة بعدم قيامها بواجبتها لجهة المراقبة والمستشفيات بجني الأرباح الهائلة غير المشروعة وقيامها اليوم باستغلال الأزمة واللعب على وتر صحة المواطن.
ويقول سكرية لـ "العين الاخبارية": "في مثل هذه الأزمة لا يجوز للمستشفيات أن تستعمل لغة التهديد وهي التي طالما جمعت الثروات من عملها عبر تقديم الفواتير المزورة والحصول منها على مبالغ طائلة مقابل غياب الرقابة من الدولة ومؤسساتها الضامنة التي تقدم باسمها الفواتير".
ويضيف: "لا شك أن هناك أزمة وهذه المستشفيات لها حقوق لدى الدولة لكن هناك علامات استفهام حول حقيقة المبالغ المقدمة، وبالتالي هناك قانون يحكم الاتفاقات بين الدولة والمستشفيات التي لا يحق لها التهديد بالإقفال".
ويؤكد سكرية أنه عندما كان نائبا، قدم أكثر من 50 ملفا عن قضايا الفساد في المستشفيات إلى القضاء لكن لم ينظر فيها: "انهيار النظام الصحي كان متوقعا منذ سنوات نتيجة كل هذه التجاوزات وها نحن وصلنا إلى نقطة الصفر".
ويذكر "سكرية" بحالات الوفيات التي كانت ولا تزال تسجل في لبنان نتيجة رفض المستشفيات استقبالها لاسباب مالية "في أيام العزّ"، على حد وصفه، قائلا: "لم يتصرفوا يوما بإنسانية كما يفترض أن تكون رسالتهم".
وأتى الإعلان عن وفاة طفل في المستشفى في طرابلس، قبل يومين، ليعيد طرح قضية موت المرضى على أبواب المستشفيات في لبنان، رغم اختلاف الروايات بين الأهل والمستشفى الذي أكد أنه قام بواجباته قبل أن يفارق الطفل الحياة.
وفيما انتشر مقطع فيديو لوالد الطفل ترافق مع معلومات تشير إلى وفاته بعد رفض المستشفى الحكومي استقباله، وقالت "الوكالة الوطنية للإعلام" إن أهل الطفل أدخلوه إلى المستشفى عند منتصف الليل "وكان يعاني التهاباً شديداً، وارتفاعاً في درجة الحرارة يستدعي إدخاله إلى قسم الإنعاش، وأنهم انتظروا الطبيب المختص في قسم الطوارئ، ولم يتم إدخال الطفل إلى العناية المركزة، وما لبث أن فارق الحياة، ما أدى إلى قيام عدد من الأشخاص بتحطيم الواجهات الزجاجية في المستشفى، فتدخلت عناصر الجيش اللبناني الموجودة في المكان وعملت على تهدئة الوضع".
في المقابل، أصدرت إدارة مستشفى طرابلس بياناً أوضحت فيه أنّ "الطفل وصل إلى المستشفى ليل الأحد وكان يعاني من التهاب رئوي حاد وضيق في التنفس، وتمت معاينته، وأجريت له الفحوص المخبرية والصور الشعاعية، وأخذ العلاج بإشراف الطبيب في قسم الطوارئ لعدم وجود أماكن في قسم العناية الفائقة للأطفال.
ولفتت إلى أنه "تم إرسال التقرير الطبي بالفاكس إلى العديد من المستشفيات، ولم نتمكن من تأمين المكان له، ففارق الحياة فجر الإثنين بعد أن تدهورت حالته الصحية بشكل مفاجئ".