مصارف لبنان وصغار المودعين على أعتاب القضاء.. أزمة الدولار تتصاعد
اللبنانيون أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة يشكلون 99% من نسبة المودعين ويملكون نصف قيمة الودائع في البنوك
بهدف حماية حقوق المودعين وأموالهم، قرّر عدد من الناشطين والمحامين في لبنان مواجهة الحكومة والمصارف، التي تحجز أموال المواطنين منذ حوالي عام، حتى لو وصل الأمر إلى ساحات القضاء.
الفكرة بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة من خلال تجمع صغير يضم المتضررين من قرار المصارف، وصار يكبر وصولا الأن إلى تأسيس رابطة، لتكون صوت المودعين الذين تضرروا من الإجراءات التعسفية.
وبعدما كانت هذه المواجهة قد بدأت بعد أسابيع على انطلاق التحركات الشعبية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي نتج عنها إقفال المصارف التي قررت عند فتحها منع تسليم الدولارات إلى أصحابها، ها هي اليوم تأخذ طابعا أكثر تنظيميا وقانونيا وقد تصل إلى مقاضاة المصارف خارج لبنان.
ومنذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نجحت المبادرة- التي انطلقت باسم "حملة الدفاع عن المودعين" لتتحول اليوم إلى "رابطة حماية المودعين"، في إعادة جزء من الأموال إلى أصحابها عبر القضاء فيما لا تزال قضايا عالقة نتيجة عدم تنفيذ المصارف القرارات، بحسب ما تقول المحامية هبة فرحات، وهي عضو في الرابطة من ضمن 17 محاميا تطوعوا للدفاع عن حقوق المودعين.
وتقول فرحات لـ"العين الاخبارية" "الحملة انطلقت بعدما اتخذت المصارف إجراءات تعسفية مانعة حصول المودعين على أموالهم بالدولار، وذلك عبر مبادرات شخصية من قبل محامين ومتطوعين ومودعين أرادوا المطالبة بحقوقهم، وبدأت تتطور لتشكيل لجان اقتصادية وإعلامية وقانونية وميدانية وغيرها..
كما تم توزيع مجموعات المودعين والمقترضين وفق المصارف التي يتعاملون معها وخصصنا رقم هاتف خاص لاستقبال شكاوى المواطنين المتضررين وأصبحنا نعمل على كل حالة على حدة، وعلمنا منذ ذلك الحين على عشرات القضايا".
وتابعت "هناك خطوات عدة نقوم بها تجاه المصارف تبدأ بالرسائل ومن ثم الإنذارات وصولا إلى الدعاوى القضائية".
وأشارت فرحات إلى أن الهدف ليس فقط العمل القانوني إنما توعية المودعين إلى حقوقهم في ظل محاولات المصارف المستمرة بخس حقوقهم، مرة عبر تعميم صادر عن مصرف لبنان ومرة عبر إجراءات تقلص قيمة مدخراتهم، بخسارة وصلت أحيانا إلى 300 بالمئة عند فرضها على المودعين سحب أموالهم وفق سعر صرف الـ3850 ليرة في وقت تجاوز فيه سعر الصرف في السوق السوداء التسعة آلاف ليرة.
وتؤكد فرحات أن هذه الحملات شكلت ضغطا على المصارف التي باتت تأخذ بعين الاعتبار وجود هذه الحملة والدعاوى التي قد تقدم على إتخاذها ضدها.
وتضيف أن عدد المحامين في الرابطة بلغ 17 محاميا بحيث بات كل محاميين أو ثلاثة يتولون قضية مودع أو مقترض، وهم متطوعون يعملون بدون أي مقابل، بهدف تشكيل حالة ضغط على القاضي والمصرف على حد سواء لإعادة الحقوق إلى أصحابها، لافتة إلى أنه ليس بهدف هدم النظام المصرفي انما ايجاد حلول غير تلك التعسفية التي تطرحها الحكومة والمصارف المتواطئة بدورها مع المصرف المركزي لتحميل الخسارة إلى المودعين.
ومع تأكيدها أن هناك قرارات جيدة صدرت عن القضاة، لكن تبقى المشكلة في التنفيذ في أحيان كثيرة وذلك لأن إعادة الأموال إلى أصحابها، إذا طبق على كل الحالات سيؤدي إلى تعميم هذا الأمر على جميع المودعين وبالتالي إفراغ الأموال من المصارف التي بدورها أقرضت الأموال إلى المصرف المركزي.
وبعدما تحولت حملة المودعين إلى رابطة، يعمل متطوعوها على وضع استراتيجية واضحة للمرحلة المقبلة عبر ورشة عمل ستقام مع خبراء في القانون الدولي ولاستكمال مهمة الدفاع عن المودعين قانونيا، من دون استبعاد إمكانية اللجوء إلى القضاء الدولي في المرحلة المقبلة إذا فقدنا الأمل بالقضاء اللبناني، بحسب ما تقول فرحات.
وما تقوله المحامية فرحات يؤكد عليه الناشط في الرابطة، نزار غانم، بقوله لـ"العين الاخبارية" "هدفنا الوصول إلى مقاضاة جماعية لكل المسؤولين أمام القضاء اللبناني أما إذا تعذر ذلك فسنلجأ إلى مقاضاتهم خارج لبنان ".
ويقول "منذ انطلاق مهمتنا نعمل لنكون صوت المواطنين أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة الذين يشكلون 99 بالمئة من نسبة المودعين ويملكون نصف قيمة الودائع في البنوك، مقابل الحكومة والمصارف التي تدعي هذا الأمر وتتصرف عكس ذلك بهدف حماية كبار المودعين الذي يشكلون أقل من 1 بالمئة".
من هنا يؤكد أن الحلول التي تطرحها الرابطة في الاستراتيجية التي ستطلقها، هي إعادة هيكلة الدين لحماية المودعين ضمن الفئة المتوسطة والصغيرة، والشفافية عبر مسح كامل لأملاك الدولة ومحاسبة المسؤولين، وتوزيع الخسارة بعدالة مع رفض الهيركات (haircut) غير المباشر الذي يتم اعتماده اليوم عبر 6 و7 أسعار لسعر صرف الدولار ورفض إعطاء الدولار للمودعين وتقديم خيار سحبه بالليرة بقيمة أدنى من السوق.
ويتخبّط لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم وتآكلت قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار لاستيراد مواد حيوية مدعومة كالقمح والأدوية والوقود، ويعيش نصف اللبنانيين تقريباً اليوم تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة.
وتخلّف لبنان في مارس/ آذار الماضي وللمرة الأولى في تاريخه عن تسديد مستحقات سندات اليوروبوندز التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من ثلاثين مليار دولار. ثم طلب مساعدة صندوق النقد.
ومنذ مايو/ أيار الماضي، عقدت 16 جلسة. وبدا التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لإجمالي خسائر الدولة والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف. ويعود القسم الأكبر من ديون الدولة إلى المصارف.
ويطمح لبنان إلى الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 مليار أقرها مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في 2018 مشترطاً إصلاحات.
وقدّرت الحكومة هذه الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل البرلمان عبر لجنة تقصي حقائق قالت إن الخسائر تتراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة. لكن صندوق النقد يعتبر أرقام الحكومة أقرب إلى الواقع.
ومن بين الإصلاحات المطلوبة تقليص النفقات العامة وتحسين الإيرادات الضريبية، وضبط الحدود وإصلاح المرافق العامة على رأسها قطاع الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
aXA6IDE4LjExOC4zMi43IA== جزيرة ام اند امز