السقوط إلى الهاوية.. لبنانيون يفرون من واقعهم لأحضان داعش العراق
بين من تدفعه ظروفه المعيشية لمغادرة لبنان بحثا عن حياة أفضل وبين من يترك الديار ليلتحق بتنظيم داعش الإرهابي، تختلف الروايات؛ لكن الدافع يظل واحدا.
شبان لبنانيون قرروا مغادرة بلد تطوقه أزمة لا تلوح بوادر انفراجها على المدى القريب على الأقل، بعضهم قد يكون اختار المسار الآمن، لكن البعض الآخر قد يكون تحول للقمة صائغة للتنظيمات الإرهابية.
ومهما يكن من أمر، فإن الثابت هو أن الأزمة فتحت جميع الثغرات الممكنة لاستقطاب شباب محبط تساوت لديه معادلة الحياة والموت والاعتدال والتطرف.
اختفاء
مؤخرا، كثر الحديث في لبنان عن اختفاء شبان من مدينة طرابلس (شمال) ليتبين لاحقاً أنهم التحقوا بتنظيم داعش في العراق.
الروايات بدأت بعد الإعلان عن مقتل شابين من المدينة وهما أحمد كيالي وزكريا العدل في مواجهات عسكرية بالعراق، لتسارع عائلات عدة إلى التواصل مع القوى الأمنية للإبلاغ عن "اختفاء" أبنائها، كما تحدّث بعضهم إلى وسائل إعلام محلية عن تلقّيهم اتصالات من أبنائهم أبلغوهم فيها أنهم موجودون في العراق.
وظهرت إحدى الأمهات عبر عدد من وسائل الإعلام المحلية لتروي قصة ابنها ذي الـ18 عاماً، والذي اختفى فجأة من المنزل وعاد ليتصل بها بعد عدة أيام ويبلغها أنه في العراق دون أن يقدم لها تفاصيل أكثر عن ملابسات ذهابه.
تراكمت الأرقام تدريجيا وبشكل سريع عن هؤلاء "المختفين"، فمنهم من قال إن العدد أكثر من 100 شاب، فيما تحدث آخرون عن بضعة شبان فقط تم استدراجهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استغل التنظيم الأزمة الاقتصادية وانتشار البطالة والمخدرات في الأحياء الفقيرة بمدينة طرابلس ليعمل على استقطاب الشبان تحت غطاء العقيدة وإغراء الأموال.
داعش
لم تصدر الأجهزة الأمنية اللبنانية أي بيان بهذا الشأن رغم الجدل المتفجر، ولكن مصادر أمنية أكدت لـ"العين الإخبارية" وجود عدد من الشباب الذين التحقوا بتنظيم داعش من شمالي لبنان وتحديدا من طرابلس، لكنها تنفي علمها بالعدد بشكل دقيق.
وتقول المصادر إن هؤلاء هربوا باتجاه العراق إثر إلقاء الجيش اللبناني القبض على خلية تابعة للتنظيم بطرابلس في سبتمبر/ أيلول الماضي، مشيرة إلى أن عدد هؤلاء ليس كبيرا ولكن لا يعرف بشكل دقيق.
ولفتت إلى أن بعض الشبان عمدوا إلى تخويف أصدقائهم بذريعة أنه سيتم القبض عليهم في لبنان وأنهم علموا بوجود أسمائهم لدى الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى ارتفاع عدد المختفين، مؤكدة أن العمل جار مع السلطات العراقية لتتبع هؤلاء وإعادتهم إلى لبنان.
ورجحت المصادر أن تكون عمليات الانتقال تجري عبر الحدود اللبنانية-السورية، ومنها يتم التوجه إلى العراق عبر شبكات متخصصة بتهريب البشر.
بدوره، يؤكد رئيس بلدية طرابلس رياض يمق مغادرة مئات الشباب في طرابلس بالعامين الأخيرين، لكنه ينفي أن يكون جميع هؤلاء من المنتمين لداعش.
وفي حين يلفت يمق، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إلى أن معظم هؤلاء هاجروا لبنان بحثا عن عمل ولقمة العيش مع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبينهم موظفون في البلدية، يشير إلى أن "عددا من الذين غادروا المدينة قد يكونون التحقوا بتنظيم داعش لكن ليست هناك معلومات دقيقة حول هذا الموضوع وما سمعناه عنه فقط عبر وسائل الإعلام".
ويضيف: "في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشباب في المدينة، لا نستبعد أن ينجروا إلى الانحراف عبر طرق ووسائل متعددة لا سيما في ظل التسرب المدرسي في أوساط الشباب بشكل كبير، وقد يكون من بينها منها اللجوء إلى التنظيم لكن لا يمكن الحديث عن عدد كبير ممن التحقوا بالتنظيم".
أما نائب رئيس "تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش، وهو من مدينة طرابلس، فطالب "من يتحدث عن التحاق شباب لبنانيين بداعش في العراق بنشر أسمائهم، وعدم الاكتفاء بالكلام خصوصاً هناك من يتحدث عن أرقام".
هدف طائفي؟
ونفى علوش، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، وجود عدد من شبان طرابلس التحقوا بداعش، معتبراً أن "هناك عملاً أمنيا يستهدف المدينة عبر فتح هذا الملف، خصوصاً أن تكبير حجم قضية ذهاب شابين أو ثلاثة للقتال مع التنظيم لا يستدعي حملة وتوصيف شبانها على أنهم دواعش".
ولفت إلى وجود "عمل دؤوب لوصم فئة لبنانية أو مدينة بالإرهاب، وللقول من جهة ثانية إن حزب الله أفضل من داعش"، مشدداً على أن أقاويل مماثلة تخدم حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين يسعيان إلى شد العصب الطائفي ضمن بيئتيهما، وبالتالي تخويف أنصارهم من الآخرين".
من جانبه، نفى النائب سامي فتفت علمه بوجود شباب التحقوا بالتنظيم في الفترة الأخيرة، قائلا: "على الأقل يمكنني التأكيد أن في منطقتي المنية والضنية (في الشمال) ليس هناك من اختفى والتحق بالتنظيم، لأنه لم تصل إلينا أي شكوى من الأهالي في هذا الإطار".
ويتخوف في الوقت عينه، في حديث لـ"العين الإخبارية" من هذا الأمر نتيجة الفقر والعوز الذي يعيشه الشباب في لبنان، ويقول "لا شك هناك دائما هاجس لدى الجميع من ظاهرة التطرف، لا سيما في الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الشباب في لبنان"، داعيا إلى ضرورة "التصدي لها عبر حملات التوعية من قبلنا كنواب ومن الدولة ورجال الدين في الطائفة".
ومما يفاقم من المخاوف ما تشهده المناطق الشمالية، خصوصاً الفقيرة، من ظاهرة تهريب البشر، مستغلة الحدود الواسعة بين لبنان وسوريا، إضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز